الاثنين 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

ما على “حماس” أن تجيب عنه

الاثنين 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par د. عبد الاله بلقزيز

برر موسى أبو مرزوق رفع خالد مشعل “علم” المعارضة السورية بالقول إن ذلك حصل بالخطأ، أي من دون علم رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” بأن الأمر يتعلق ب “علم” المعارضة، تبرير عجيب غريب في وسع أي تلميذ صغير السن، ومبتدئ الفهم أن يفنذه، سياسي بحجم خالد مشعل، مقيم في دمشق لسنوات عدة، يلتبس عليه أمر العلم الرسمي للدولة فيرفع غيره، وهل علم الدولة السورية مجهول، أو صعب التمييز، إلى حد اشتباه أمره على زعيم حركة سياسية كانت متحالفة، إلى عهد قريب، مع نظام تلك الدولة التي ترفرف أعلامها في كل الانحاء، حتى على مرأى من مكتب مشعل في دمشق؟

بعيداً عن مجادلة تبرير ضعيف الحجة، نصارح قادة “حماس” بأنهم لم يعثروا على المدخل المناسب لمراجعة مواقفهم، التي اتخذوها في الثلاثين شهراً السابقة، وجرت عليهم عواصف من النقد والاعتراض، فلا خطاب خالد مشعل، في اجتماع مؤسسة القدس في بيروت، اختار المفردات المناسبة لتصحيح تلك المواقف، أو تحلى بالقليل من الشجاعة الأدبية للاعتراف بأن رهانات قيادة “الحركة” لم تكن سليمة تماماً، ولا حديث موسى أبو مرزوق لإحدى المحطات الفضائية العربية، عشية عيد الأضحى، كان موفقاً في طمأنة المعترضين على سياسات حركته بأن عهداً من المراجعة سيبدأ . أما الهروب من هذا الواجب السياسي إلى ترديد خطاب المقاومة فقليل الفائدة والحيلة، لأن أكثر الناس يعرف أن مقاومة قادة “حماس” معطلة بقوة مفعول اتفاق الهدنة المبرم بينها والكيان الصهيوني، بضمانة محمد مرسي، وأن خطاب المقاومة - الذي تتردد مفرداته على ألسنة قادة الحركة - إنما هو مصروف لأداء وظائف أخرى في نطاق المضاربات السياسية والايديولوجية التي تزدحم بها الحياة الفلسطينية الداخلية .

على “حماس” أن لا تستهين بأخطائها، قديمها والجديد، وأن لا تستصغر شأن من يعارضون نهجها اليوم بعد إذ كانوا لها سنداً أو حليفاً، وأن لا تستسهل النظر إلى اعتراضاتهم وتستخف بها، أو تستخف في الرد عليها، كما أن عليها أن لا تستهين بما سوف ينجم عن تلك الأخطاء من نتائج بالغة السلبية، بل شديدة السوء، على أوضاعها، وعلى مكانتها في الحركة الوطنية الفلسطينية، ومستقبلها السياسي، فقد يغرمها ذلك الاستصغار والاستخفاف كثيراً، ولن يفيدها في الخروج من نفقها اصطفافاتها الايديولوجية في الإقليم والعالم . سيكون عليها أن تمتلك القدر الضروري من الشجاعة لتجيب عن أسئلة مأزقها الراهن، وتقدم على مراجعة خياراتها السياسية إقداماً صادقاً قبل فوات الأوان، وأول ما سيكون عليها أن تراجعه موقفها من حال الانقسام الحادة في المجتمع الوطني الفلسطيني ومؤسساته، وازدواجية شخصيتها (مقاومة/سلطة)، وغلبة المنزع العقائدي على مشروعها السياسي، وتضخم نزعة احتكار التمثيل السياسي الوطني عندها . إن هذه المراجعة - التي أخطأتها في الماضي - تفرض نفسها عليها، اليوم، أكثر مما كان في السابق بسبب ما جرى - ويجري - من متغيرات متسارعة .

إن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي بيئتها الوحيدة النظيفة التي يمكن أن تعيش فيها، وأن يتوسع مشروعها فيها ويحاط بحزام أمان . غير ذلك سيتحول قطاع غزة إلى “غيتو” تختنق فيه الحركة - بعد اختناق الشعب - وتفقد القدرة على الإمساك بأوضاعها، وخاصة بعد أن اشتد الطوق عليها نتيجة الكمية الهائلة من الأخطاء المجانية التي أوقعتها فيها سياساتها الايديولوجية غير المحسوبة . وطريق الوحدة الوطنية مفتوحة أمام “حماس” لم يغلقها عليها أحد، لا “فتح” ولا فصائل منظمة التحرير . وآلياتها واتفاقاتها مكتوبة منذ زمن “اتفاقا القاهرة الأول والثاني، “اتفاق صنعاء”، “اتفاق مكة” . . .)، ولا تحتاج إلى أكثر من إرادة التوقيع، حتى ينطلق مسار الخروج من حال الانقسام التي قصمت ظهر الوطن . ولن تجد “حماس” في محيطها العربي من سيعرقل مسعاها في سبيل الوحدة الوطنية، وإن اختلف معها (مع “حماس”) المختلفون، فوحدة الشعب الفلسطيني ليست مطلباً وطنياً فحسب، بل مطلب عربي أيضاً، شعبي ابتداء ورسمي تالياً .

ليس هذا وحده ما على “حماس” أن تكب عليه، في سياق المراجعات المطلوبة منها، بل سيكون عليها أن تلتفت إلى محيطها العربي، الذي هو حاضنتها الأولى والأخيرة، وإلى ما تعانيه علاقاتها به من اضطراب وسوء، فتفكر في الأسباب التي أخذتها إلى أسوأ العلاقات بذلك المحيط، وإلى فقدانه الثقة بها إلى هذا الحد الذي نراه في هذه الأيام . ولسنا نعني بهذا المحيط الحكومات والنظم العربية حصراً، وإنما نعني به قوى الرأي العام من أحزاب، ومنظمات شعبية، ونخب ثقافية وإعلامية . . أيضاً، فهذه - بدورها - لم تعد ترى في “حماس” وتقلباتها السياسية، وتحالفاتها الجديدة، ما كانت تراه سابقاً: قبل سنوات ثلاث .

على قيادة “حماس” أن تسأل نفسها، بصدق، الأسئلة التي لا مهرب لها من مواجهتها بشجاعة: لماذا انهارت علاقاتها بسوريا: حاضنتها السياسية والعسكرية الوحيدة في المنطقة؟ لماذا ساءت، إلى الحد الأقصى، مع مصر: مركز القرار العربي والرئة الوحيدة التي تتنفس منها غزة؟ ولماذا تأزمت علاقاتها بالسعودية والإمارات العربية المتحدة، وقد وفرتا لها غطاء خليجياً، وساندتاها في مواجهة العدوان الصهيوني؟ ولماذا ينتقدها جيش عرمرم من المثقفين والصحفيين المعروفين، تاريخياً، بدعمهم لخيارالمقاومة، وبعضهم ملاحق في بلده بهذه “التهمة” الشريفة؟ هل جميع هذه الدول والقوى على خطأ فيما “حماس” وحدها على صواب؟ وماذا لو أن قطاع غزة، لا سمح الله، تعرض للعدوان أو للغزو: كيف ستواجه “حماس” الموقف وقد خسرت الحاضنة السورية وقوى الإسناد الرسمي والشعبي في مصر والسعودية والإمارات؟ ممن سينفعها، عندئذ، من القوى التي راهنت عليها على حساب محيطها الطبيعي؟ ثم هل من المشروع لدى حركة مقاومة أن تستعيض عن مرجعيتها الوطنية والعربية بمرجعية ايديولوجية ذات جدول أعمال مختلف؟

أسئلة كثيرة تنتظر “حماس” عند مفترق الطريق .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165692

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165692 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010