السبت 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

نتنياهو “يقاوم” في الكونغرس

السبت 19 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par د. عصام نعمان

“هجوم الساحر”، كما تسمّي “إسرائيل” مبادرة الرئيس الإيراني حسن روحاني في الأمم المتحدة، حقق اختراقاً جديداً في مفاوضات جنيف الأخيرة بين إيران ومجموعة 5+1 للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن مع ألمانيا . الدليل؟ اضطرار البيت الأبيض إلى إصدار بيان يدعو إلى “عدم التسرع في توقع نتائج ايجابية من المفاوضات رغم الإشارات الإيجابية” .

ما الإشارات اللافتة التي ولدّت التفاؤل الملحوظ؟ لعل أبرزها ثلاث:

* أولاها، “خريطة الطريق” التي قدمها وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف لمسار مقترح لتسوية المواجهة القائمة حول البرنامج النووي الإيراني . إلى ذلك، أشادت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كاترين آشتون بخريطة الطريق واعتبرتها خطوة متقدمة على مسار المفاوضات .

* ثانيتها، الاجتماع الثنائي الخاص بين الوفدين الأمريكي والإيراني بعيداً عن الإعلام واضوائه .

* ثالثتها، اتخاذ قرار بترفيع المفاوضات من مستوى نواب وزراء الخارجية والمديرين المسؤولين عنها في الدول المعنية إلى مستوى وزراء الخارجية انفسهم .

الارتياح عمّ الاوساط الدولية . وحدها “إسرائيل” شذّت عن شبه الإجماع العالمي الحاصل . رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو استبق في الكنيست احتمال تخفيف العقوبات المفروضة على إيران بقوله: “سيكون ذلك خطأ تاريخياً في وقت بلغت العقوبات هدفها” .

قادة “إسرائيل” يعتقدون أنه بفضل العقوبات اقترب الاقتصاد الإيراني من نقطة اللاعودة . يتمسكون بالعقوبات بل يطالبون بتشديدها لإكراه إيران على تقديم تنازلات اساسية .

صحيح أن نتنياهو يردد دائماً أن “إسرائيل” ستمنع ايران بمفردها من امتلاك أسلحة نووية . لكن ثمة إجماعاً على صعوبة، بل استحالة ذلك بمعزل عن موافقة أمريكا المسبقة، وحتى مشاركتها في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية . فقد جاء في دراسة للمحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” (10-10-2013) عاموس هرئيل “إن مسؤولاً كبيراً في وزراة الدفاع يرى أن أي هجوم “إسرائيلي” على إيران بعد اتفاق الدول الكبرى معها بحجة أن تلك التسوية غير مرضية سيكون بمثابة انتحار استراتيجي” .

نتنياهو يدرك هذه العواقب . لذلك تراه يحاول مقاومة “هجوم الساحر” الإيراني ومرونته اللافتة في موقعين رئيسين: الكونغرس الأمريكي، وسوريا .

صحيفة “معاريف” (11-10-2013) نسبت إلى مصادر سياسية رفيعة في القدس المحتلة أن التقديرات السائدة في أروقة المؤسسة السياسية “الإسرائيلية” تشير إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا مصرّتان على التوصل إلى حل ديبلوماسي لأزمة البرنامج النووي الإيراني، وبناء على ذلك فإن احتمال تخفيف العقوبات المفروضة على نظام طهران اصبح حقيقة واقعة . كما تؤكد هذه التقديرات أن مجرد تخفيف هذه العقوبات سيؤدي إلى تقويضها . والأخطر من ذلك أنه سيسمح لإيران بتفعيل عدد من أجهزة الطرد المركزي بما يمكّنها من تخصيب اليورانيوم بكمية تكفي لإنتاج قنبلة نووية .

كما أشارت المصادر السياسية الرفيعة إلى أن “إسرائيل” تسعى بكل الطرق الممكنة للتأثير في أصحاب القرار والرأي العام في أمريكا وأوروبا من أجل عدم تخفيف العقوبات المفروضة على إيران، ومن أجل أن يكون مدى تخفيفها محدوداً جداً في أسوئها .

هرئيل في “هآرتس” أضاف أن “إسرائيل” تحاول الضغط على الكونغرس الأمريكي كي لا يوافق على تخفيف العقوبات عن إيران . فبعد الخطابات الحادة لنتنياهو، حاول وزير حربه موشيه يعلون في زيارته للولايات المتحدة إقناع الأمريكيين بعدم السماح بتخفيف العقوبات قبل موافقة طهران على اتفاق يوقف بصورة قاطعة مشروعها النووي . على هذه الخلفية تقوم “إسرائيل” بعملية جس نبض داخل الكونغرس من أجل تحقيق هدف أكثر طموحاً هو تشديد العقوبات، وهي خطوة من شأنها ان تؤدي إلى مواجهة مع إدارة أوباما التي تعارض ذلك في هذه المرحلة .

يعلون التقى روبرت منانديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو سيناتور ديمقراطي من أصدقاء “إسرائيل” البارزين، ويعتبر أحد أبرز المؤثرين في قضية العقوبات . فقانون كيرك-منانديز الذي نسّق جزءاً من العقوبات، كان منانديز وراء إقراره قبل عامين مع شريكه السيناتور الجمهوري مارك كيرك، ويعتبر هذا القانون في نظر كثيرين من الوسائل الأكثر فاعلية التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد مشروع طهران النووي . وفي الواقع يبحث مجلس الشيوخ في تشديد الخطوات ضد شبكة المصارف الإيرانية وفرض قيود على تجارة المعادن (التي تشكل بديلاً بالنسبة إلى الإيرانيين عن التجارة بالدولار التي تعاني قيوداً بسبب الخطوات التي أخذها المجتمع الدولي ضدهم) .

غير أن ويندي شيرمان، المسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية عن العلاقات مع إيران ومتابعة العقوبات ضدها، قالت أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إن الإدارة تعتقد أنه من الأفضل عدم تشديد العقوبات قبل الجولة الأولى من المفاوضات . كما ألمحت إلى إمكان البحث في رفع جزء من العقوبات إذا قدّم الإيرانيون تنازلات خلال الاتصالات . في ظل هذه الأجواء الايجابية الجديدة التي تشهدها العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، من الصعب أن تمنح إدارة أوباما تأييدها لجولة جديدة من العقوبات في الكونغرس حتى بعد انتهاء المفاوضات في جنيف .

وعلى الرغم من أن “إسرائيل” تبذل رسمياً في هذه الأيام ما في وسعها للمحافظة على الخيار العسكري كاحتمال حقيقي في مواجهة طهران، فإن أحداث الأشهر الأخيرة غيّرت الأولويات الدولية بشكل كامل . ولا يغيّر شيئاً عددُ المرات التي كرر فيها نتنياهو أن “إسرائيل” ستقاتل بمفردها . فالنقاش حالياً يراوح بين العقوبات والتسوية . أي أن المسألة المطروحة اليوم هي: ما التنازلات التي يمكن الحصول عليها من إيران بعد عقوبات أضرّت كثيراً باقتصادها؟

ماذا ستفعل “إسرائيل” في سوريا لعرقلة التقارب الإيراني-الأمريكي؟

قادة “إسرائيل” يدركون مكانة سوريا في حسابات إيران الاستراتيجية وتحالفها معها في وجه خصومها . لذلك فمن المحتمل ان تقدّم “إسرائيل”، بصورة غير مباشرة، دعماً عسكرياً نوعياً لبعض تنظيمات المعارضة التي لا ترى غضاضة في التعامل معها، بغية إثارة حفيظة إيران لكون “إسرائيل” في نظرها مجرد أداة أمريكية . هذه الخطوة “الإسرائيلية” قد تعرقل الحوار المتطور بين إيران وأمريكا، ذلك أن طهران سترفض أن تدفع في الساحة السورية ثمناً إضافياً فوق التنازلات التي ستقدمها في المفاوضات مع مجموعة دول 5+1 لتسوية مشكلة برنامجها النووي .

أمريكا تبدو متنبهّة لما يمكن أن تقوم به “إسرائيل” على الساحة السورية . ربما في هذا السياق يصح تفسير قيام وزير خارجيتها جون كيري بدعوة “المجلس الوطني السوري” المعارض للتسوية السياسية الى المشاركة في مؤتمر “جنيف-2” “لأن الحل السياسي هو الوحيد المتاح” . مع ذلك يبدو أن طريق المفاوضات حول كل الأزمات في كل الساحات ما زال طويلاً . . طويلاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165859

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165859 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010