الاثنين 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

اقتحام الأقصى ومائدة التفاوض

الاثنين 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par محمود الريماوي

شهدت الضفة الغربية المحتلة الأسبوع الماضي هجمة صهيونية مسعورة، تمثلت في تكرار استباحة مستوطنين وجماعات دينية متطرفة باحات المسجد الأقصى، وفي استهداف أشجار الزيتون عشية موسم القطاف، واقتحام قرى وبلدات منها بُرقة قرب رام الله وترويع مواطنيها وكتابة شعارات عنصرية على الجدران، وإحراق مركبات للمواطنين واقتحام مدارس، وإصابة شبان بجروح خلال مواجهات اندلعت في محيط سجن عوفر في بلدة بيتونيا غرب رام الله . هذه الجرائم تمُر من دون عقاب، بل إن بعضها يقع بدعم مكشوف من جيش الاحتلال كما في الحالات المتكررة لاستباحة الأقصى واقتحامه .

في هذه الأجواء تعددت عمليات الرد على هذه الهجمات عبر عمليات كان من أهمها استهداف ضابط متقاعد في غور الأردن .

الأجواء المتوترة هذه تعكس واقعاً متنامياً يتمثل في تمتيع المستوطنين بصلاحيات شبه عسكرية، حيث يشكل هؤلاء ميليشيات رسمية، فيما يعتبر مجلس المستوطنات بمثابة حزب كبير يتلقى كل الدعم والرعاية من حكومة نتنياهو . ويسمح هذا الواقع لسلطات الاحتلال بالتنصل من مسؤولية الجرائم التي يرتكبها المستوطنون، وتصوير التعديات التي تتم على أنها نزاعات بين “مواطنين وفلسطينيين”، وهو أمر يلقى هوى لدى الأحزاب الدينية المتطرفة، وينسجم مع توجهات أقصى اليمين الحاكم في إدامة الاستيطان وتوسيعه ووضع عقبات أمام أي تفكيك محتمل لأي مستوطنة مهما كانت صغيرة، بذريعة أن ذلك قد يؤدي لإشعال حرب أهلية، علاوة على أنه يعني “إخراج شعب “إسرائيل” من أرضه” .

في الجو السياسي فإن المستوطنين يطالبون بوقف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، بادعاء أنها تستخدم “غطاء للإرهاب” . وكانت ثماني جولات قد عقدت حتى الآن في القدس المحتلة، بمتابعة وإشراف من المبعوث الأمريكي مارتن أنديك . وبينما أبدى الجانب الفلسطيني تشاؤمه من نجاحها مع استمرار التغول الاستيطاني، ولوّح بعبثية استمرارها، فإن المستوطنين حملوا من جانبهم راية وقف التفاوض من أجل خلط الأوراق، كي تبدو الدعوات لوقف المفاوضات ذات نزعة متشددة سواء صدرت عن الجانب الفلسطيني أو عن المستوطنين، فتبدو حكومة نتنياهو المتمسكة بخيار التفاوض هي الطرف الوحيد الذي يتمتع بروح المسؤولية والواقعية . والدليل على ذلك أن هذه الحكومة تطرح أموراً لا علاقة لها عملياً بمجرى التفاوض من قبيل المطالبة بالاعتراف بالكيان الصهيوني “دولة للشعب اليهودي”، مع العلم أن الاعتراف بهذا الكيان قائم وقد تمّ مع توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 .

إرهاب المستوطنين المتواتر والمتزايد يُستخدم كعامل ضغط على الجانب الفلسطيني، فالصهاينة خلافاً للمفاوضين الفلسطينيين يدركون أنه لا بد من توفير بيئة سياسية وحسّية ضاغطة على الطرف الآخر لانتزاع أكبر قدر من التنازلات، في وقت لا تجد فيه السلطة ما تخاطب به شعبها الرازح تحت احتلال مزدوج: عسكري واستيطاني، سوى دعوته إلى الهدوء والانضباط . غير أن هذا الشعب الذي خاض من قبل انتفاضتين مجيدتين مديدتين، لا يتوقف عن ابتكار أدوات نضالية يفاجىء بها عدوه، فقد شهدت الخليل المحتلة قتل جندي الشهر الماضي بعد عملية سابقة تم فيها اختطاف وقتل جندي آخر . وقد ترافق ذلك مع عودة موجة من الاحتجاجات الجماهيرية الساخطة، كان من أبرزها تجمع المئات من الشبان حول سجن عوفر قرب رام الله مساء الجمعة الماضي انتصاراً لقضية الأسرى، وتعرُّض المحتجين للرصاص الحي والمطاطي من جنود الاحتلال .

ثمة اتفاق لإطلاق عدد من الأسرى يبلغ 26 أسيراً كل ثلاثة أشهر على مدار عام، وهو الاتفاق الذي بموجبه انطلقت المفاوضات مجدداً مع مطلع العام الجاري، ولم تفرج سلطات الاحتلال سوى عن دفعة واحدة، لكن الجانب الصهيوني لم يكتف باستجابة الجانب الفلسطيني لطلب استئناف التفاوض، فقد كشف محمود عباس عن اتفاق بواسطة الوزير الأمريكي جون كيري يقضي بالإفراج عن معتقلين يقبعون في السجون منذ ما قبل اتفاق أوسلو، مقابل أن تؤجل السلطة طلب الانضمام لستة أشهر إلى منظمات وهيئات دولية أسوة بالانضمام إلى منظمة اليونسكو . وهو اتفاق غريب في مضمونه، إذ يسمح بِشَلّ الوجود الفلسطيني في المحافل الدولية، مقابل أمور ذات علاقة باتفاق أوسلو الموقع منذ عشرين عاماً، والذي كان يُفترض ان تُستوفى أركانه بعد خمس سنوات على توقيعه بما في ذلك إطلاق سراح اسرى معتقلين قبل توقيع الاتفاق . والمغزى السيئ أن الوجود الفلسطيني دولياً يصبح مُرتهناً لموافقة صهيونية مسبقة ومشروطة .

غير أن عباس لم يكشف ما هو أهم من ذلك، وهو الثمن (إن كان هناك ثمن . .) لتخلي السلطة عن رفع قضية الاستيطان إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقد قيل لدى قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة كدولة مراقب إن هذا التطور يسمح للهيئات الدولية ومنها المحكمة المعنية بالنظر في الطلبات المحالة إليها من دولة فلسطين . ومع ذلك فقد نجحت الضغوط الأمريكية كما هو بادٍ، في ثني الجانب الفلسطيني عن خوض هذه المواجهة السياسية القضائية، وبذلك تم التخلي عن أفضل ميزات وصول فلسطين إلى الأمم المتحدة . وعليه لا يعود مستغرباً أن يشكل المستوطنون ميليشيات رديفة لجيش الاحتلال، وأن يكون على رأس مطالبهم وقف الإفراج عن الأسرى المشمولين بالاتفاق . فيما يضع الاحتلال السلطة بين خيارين: إما القبول بالاستيطان، أو القبول به مضافاً إليه إرهاب المستوطنين الفالت من كل عقال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165305

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165305 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010