الاثنين 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

جنازة تسبح في دموع مودعيها

الاثنين 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par زهير ماجد

من شدة المبالغة قيل إن جنازة الجنرال الفيتنامي نجوين جياب سبحت في بحر من دموع الفيتناميين الذي جاؤوا لتوديعه في آخر مرة. كل الأجيال، من تلك التي عاشت الثورة الفيتنامية على الأميركي وقاتل في الأدغال والغابات، إلى الأجيال الجديدة التي فتحت عيونها على بلاد خالية من الحروب، كلها وقفت على جانبي الطرق. لعلها تواسي نفسها برحيل رجل من عظامها، بل هو الرجل الثاني ان لم يكن المخطط الاستراتيجي لإخراج الفرنسي الاميركي من بلاده بعد هوشي منه.
لعل تجربة فيتنام الوطنية والنضالية تكاد أن تكون ابرز قضايا النصف الثاني من القرن العشرين .. مرارة تلك المرحلة، تشهد على مرارة مرحلتنا العربية الحالية التي تئن شعوبنا من جورها، لكنها تتحول إلى مدرسة من الصبر والحكمة .. صبر على الاحتلال وقتاله، وحكمة في قيادة مرحلة صعبة ومعقدة تحتاج لتجربة وخطط متمايزة.
خاض جياب الى جانب هوشي منه، اخراج المحتل الفرنسي من بلاده في اضخم معركة شهد لها التاريخ وهي معركة “ديان بيان فو” عام 1954 حيث قتل فيها اكثر من خمسين ألف جندي فرنسي.. ولم تكد فيتنام تتخلص من الفرنسي حتى جاءها الاميركي فإذا بحرب طويلة معه لم يشهد لها الكون مثيلا. احترقت اكثر غابات فيتنام وقتل ما يوازي الثلاثة ملايين، وتخربت حياة بأكملها، بل تم تقسيم فيتنام إلى بلدين اصرت قيادة هوشي منه ـ جياب على اعادتها واحدة موحدة وهكذا كان بعد هروب القوات الأميركية في مشهد غريب لم تعهده البشرية ايضا.
نضع هذه النماذج من القادة برسم شعوبنا، ونضع تجربة الشعب الفيتنامي برسم العلم والمعرفة. ونضع ايضا وصية القائد الفذ هوشي منه يوم وفاته حين تم فتحها فإذا بها موجهة “إلى اطفال بلادي” كما عنونها بخط يده. ذلك التفكير بالأجيال في لحظة فيتنامية صعبة كانت بلاده في مرحلة دمارها الشديد.
ليس جياب الذي تجاوزت حياته المائة عام، سوى واحد من هؤلاء الكبار الذين عرفناهم وشاء لنا القدر، بل أسعفنا في مواكبتهم الحكم في بلادهم .. فمن الجنرال الفرنسي ديجول، إلى البريطاني تشرشل، إلى تشي جيفارا وفيدل كاسترو، إلى ماوتسي تونج، إلى جوزيه بروز تيتيو، إلى ستالين، إلى جمال عبد الناصر، إلى كبار افريقيا الذين خسرناهم وكانوا قوة افريقية مضافة لنا وفي طليعتهم باتريس لومومبا .. عالم نتخيله كذكرى، نمدح مرحلته، نعيش صحوته وتكاتفه من اجل عالم متحرر، خصوصا عندما انطلقت لهذه الغاية فكرة الحياه الاجيابي من مؤتمر باندونج بزعامة الثلاثة الكبار تيتو ونهرو وبعد الناصر. بل هو عالم قدم لنا افكارا وثقافة وادبا متمايزا، كنا نعتقد خلاله انه باق وان تغير فلسوف يمضي إلى أكثر منه تجديدا.
ليس اسطورة ان “تسبح” جنازة جياب في دموع المودعين من شعبه .. نضم دموعنا المحبوسة ايضا على زمن مضى ليس ككل الأزمان، كان لنا فيه عمالقة من القادة قدموا لنا خلاصة الفهم الإنساني في وطنياته. بل نكاد البوح بما قاله أحد السياسيين الاميركيين اليوم من ان نظاما واحدا يمكنه تخريب مشهد عالم كامل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010