الأحد 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

القيادة المستحيلة في الشرق الأوسط

الأحد 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par نسيم الخوري

تركّز العين العالمية، منذ أكثر من ثلاثة عقودٍ، على النفق المسدود المظلم والخطر في العلاقات بين تلّ أبيب ومعها الغرب وطهران . كانت النظرة محكومة بالمواصفات التالية: “إسرائيل” دولة قويّة ونافذة وجاهزة، لكنّها مطّاطة الحدود والطموحات، ومطوية في الحقائب بسبب “ديمقراطيتها التنويرية” في رقعة محفوفة بالكثير من النظم العربيّة اللاديمقراطيّة العدائية التي يريح “إسرائيل” أن تتفرّج عليها وهي تتدحرج أمام شعوبها وتنزلق نحو الدم، وبسبب نظامٍ إيراني مغلق، يكره الغرب و”إسرائيل” وتلك النظم العربيّة على السواء، وهو نظام يمطّ استراتيجيته ونبرته للتحدّث بلسان المسلمين في العالم، من دون أي اعتبارٍ تاريخي أو ديني للآخرين . هذه المعادلة التي أعمت الكثير من المفكّرين النقديين والتحليلين، ولّدت نوعاً من العتمة في رؤية أو ملاحظة أو تذكّر أو ربط تلك العقود بما قبلها أو ما بعدها، بهدف الإشارة العابرة إلى فرضية المصالح المشتركة التي لم تمت بين قوّتين غير عربيتين في الشرق الأوسط . وعندما قفزت شبكة المصالح، مع روحاني، فوق “بحيرة” الشرق الأوسط، نحو قرع أبواب الأمم بالدبلوماسيّة الطويلة، كان من الطبيعي أن يتعرّق الكيان “الإسرائيلي” الذي يقتله أيّ مناخ سلمي، بعدما عاش حالةً من الاطمئنان والنشوة التي لا مثيل لهما مع “ثورات الإخوان” ومشتقّاتها المحمولة والمتنقّلة من بلدٍ إلى آخر، مخلّفاً خرائب وتهديدات وأرقاً عربيّاً وإسلاميّاً وضغوطات متداخلة لا يمكن لأيّ نظامٍ أن يتحمّل نتائجها مهما عظم . لا يمكن وضع هذه النشوة العارمة، أوّلاً، إلاّ في إطار خبث العدو “الإسرائيلي” المتكرّر الذي كشف الأغطية عن أصابعه وبسماته الخفيّة فوق العجين الأسود الذي يجتاح العرب والمنطقة، وثانياً، لا يمكن تفسيره إلاّ كتعويضٍ نفسي عن الهزائم والنكوص الذي أصابه في لبنان منذ ال 2000 وال 2006 والذي تتحمّل مخاطره الاستراتيجية إيران، وخصوصاً، عندما امتدّت نحو العتبة السورية لتولّد فوضى عارمة في الموازين والتحالفات . وثالثاً، لأنّه وضع يساير طبيعة “إسرائيل” الدولة الفريدة التي لطالما عاشت على توليد الصراعات والنزاعات بين الدول . والأهمّ من ذلك كلّه، أنّ “إسرائيل” قد نفد صبرها وهي تنتظر الولايات المتّحدة، وقد أصبحت عسكرياً في المنطقة، منذ سقوط بغداد في ال ،2003 بأن تخوض الحروب المتبقّية بالنيابة عنها ضد إيران وسوريا والمقاومة اللبنانية . وفق هذا المنظور، يمكن إدراج دعوة رئيس وزرائها الدول العربية للانضمام إلى “إسرائيل” والوقوف إلى جانبها ضد إيران، وهو موقف يأتي في مناخ الأكاذيب المألوفة التي نشرتها صحيفة “هآرتس” العبرية في عددها الصادر الأحد 29 سبتمبر/ أيلول بحصول تقارب بين “إسرائيل” والأردن على خلفية التقارب الذي تشهده العلاقات بين أمريكا وإيران . لماذا؟ لأنّه يمكننا العودة إلى العام 1991 لنبش الحجج من حرب الخليج . فبعد هزيمة العراق وسقوط الستائر عن الحرب الباردة واللذين أسقطا مفهوم الشراكة في العداوات التي كانت قائمة بين إيران و”إسرائيل”، تفتح أبواب التجاذب في ما بينهما على حجز المقاعد في البحث عن المشهد الإقليمي الجديد . وهذا بحث يستهلك وقتاً مملاً وصولاً إلى “جنيف 2” الممطوط الذي جعل إيران في موقع يتخطّى حدودها بكثير وشجّعها كي تعاين، بالعبسة النوويّة الطويلة والبسمة الروحانية المتردّدة، مقعدها حول بحيرة ليمان في جنيف كقوّةٍ إقليميّة في الشرق الأوسط، كما في البحث عن المشهد الإقليمي الذي لم تحسر تفاهمات موسكو وواشنطن عن ملامحه العريضة بعد .

هنا يستعيد العالم، بعد عشرين سنة، توتّر “إسرائيل” القديم والمتجدّد والغامض تجاه إيران، وربّما غداً تجاه الولايات المتّحدة الأمريكية، بعدما باتت تركيّا مشغولة بحالها . يستند “الإسرائيليون” إلى الحجّة القديمة الرتيبة القائلة إنّ البرنامج النووي الإيراني سيوفّر لرجال الدين فرصة الحصول على قنبلة نووية . ويضيفون إليها حجّة محشوّة بالخوف من طرح مسألة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط كلّه، انطلاقاً من نزع حبّة الكيماوي السورية في السبحة على أيدي مجموعة من الخبراء يضمّون في صفوفهم، كما أشيع، سبعةً من الخبراء “الإسرائيليين” . بهذا المعنى، يخرج التنافس الإيراني “الإسرائيلي” من فكرة القدرات العسكرية وعرض الأسلحة لإبراز التفوّق في منطقة تعاني من خلل واضح في مفهوم الأنظمة الملتهبة ومدى وحتّى أشكال استقرارها بشكلٍ جوهري . لقد تمّ خلع شرطي الخليج، بعدما رمته أمريكا من النافذة الدوليّة، كما جاء في كتاب: “جواب على التاريخ”، ولم يخلع شهوته بالقوّة العظمى ومدّ يده نحو الخليج العربي، وأطلّ بإيرانه نحو المحيط الهندي متماهياً باليابان في القارة الآسيوية .

صحيح أنّ الشهوة النوويّة غابت بتبريرات ومحاججة إيرانية إسلامية لم تنجح في إقناع “إسرائيل” كما لم تقنع العرب ولا الغرب، لكنها غالت في السعي نحو القيادة المستحيلة للعالم الإسلامي ونسجت صورتها عبر بقايا المعضلة الفلسطينية التاريخيّة، وأشاحت ببصرها عن مغالاة مؤيّديها والمستفيدين منها في سوريا ولبنان والعالم العربي من شنّ حملات إعلاميّة عنيفة وصلت إلى حدود تقويض الأنظمة التي تعارض إيرانهم أو تفترق عنها، وهذا ما يتجاوز ملامح شرطي الخليج .

فمن الطبيعي أن ينجذب الناس إلى مسائل أبدية في وزنها المصيري مثل قمع الفلسطينيين، ونسف القرارات الأمميّة، والإمعان في الاستيطان وإهانة المسلمين والإسلام من قبل “إسرائيل” إلى قضايا مقدّسة مثل احتلال القدس ومعه الحرم الشريف أو قبّة الصخرة، لكن من غير الطبيعي الاحتفاظ بالصورة نفسها على أنقاض مسائل وصّفناها بالأبدية وهي في انهيارات وانحدارات تتقدّم فيها الهويات الوطنيّة والإقليمية على الهوية القومية في عصر الخجل أو الاختلال القومي وبروز الدين . صحيح أنّ إيران قد نجحت، مؤخّراً، في خرق الجدار السميك في علاقاتها الخارجية مع الغرب وبعض العرب، لكنّ الصحيح أكثر، وهذا ما تدركه جيّداً، أنّها لم ولن تتمكّن من مجابهة ذلك الالتفاف العدائي الواسع حولها الذي أظهر ويظهر أكثر فأكثر إخفاقها في اندفاعة جماهير بعض العرب والمسلمين أو حشدها ورائها بهدف تحقيق تطلّعاتها الواسعة في حلم توسيع السلطة .

نحن نطلّ على مرحلةٍ من التاريخ فيها تجميع للأوراق وخلطها، وتكديس مواقف تصريحات يعسر التمييز فيها بين الصحيح والمزيّف، هدفها التعريات المتبادلات وجمع الأسلحة المتعبة التي أنهكتها الحروب التي لا هويّة نهائية لها أو أسلحة متأهبة قد ينخرها الصدأ قبل تحقيق شهواتها الهندسيّة في القتال الناقل من غصنٍ إلى آخر . بانتظار ماذا؟ بانتظار ولو تعريف أوّلي لنظام الشرق الأوسط الذي تستهلك نسخه الكثيرة المعقّدة وتؤجّله المصالح المتنوعة الكثيرة، وإلاّ كيف نفسّر اختناق “إسرائيل” عندما ترشق الخليج؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165668

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165668 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010