الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

حل الدولة

الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par أسامة عبد الرحمن

تبنت مؤخراً بعض الشخصيات الفلسطينية مبادرة شعبية تدعو إلى حل الدولة في ظل انسداد الأفق أمام حل الدولتين وتلاشيه بفعل الاستيطان الصهيوني الذي التهم الكثير من الأرض الفلسطينية، وقضى على فكرة الدولة الفلسطينية .

إن حل الدولة ليس طرحاً جديداً، فقد تم طرحه منذ سنوات طويلة في إطار التحليل النظري والتفكير السياسي الذي يظل بعيداً من أرض الواقع . ذلك أنه في إطاره النظري قد يبدو منطقياً بالدعوة إلى تأكيد المواطنة ضمن دولة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع ويتمتعون بكل الحقوق ويلتزمون بكل الواجبات على أساس نهج ديمقراطي حقيقي .

لكن الكيان الصهيوني الذي يمثِّل مشروعاً استعمارياً عنصرياً يسعى لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لا يمكن أن يقبل بالذوبان في دولة ديمقراطية علمانية تجمع كل المقيمين على أرض الدولة في إطار المواطنة الحقة، والتساوي في الحقوق والواجبات . وفي إطار النهج الديمقراطي الحقيقي الذي يحقق العدل ويحفظ الحريات ويتيح المشاركة للجميع في صنع القرار .

إن هذا الطرح طرح نظري يبدو بعيداً عن الواقع . صحيح أنه قد يبدو حلاً منطقياً وموضوعياً، ولكنه يبقى في إطاره النظري . وهو ليس بالضرورة حلاً كاملاً ومتكاملاً حتى في إطاره النظري . ذلك أن حق العودة للفلسطينيين المهجّرين حق تكفله الشرعية الدولية والقانون الدولي وهم أصحاب حق في الأرض، ولا بد أن يكونوا ضمن المقيمين في هذه الدولة الديمقراطية العلمانية على الأرض الفلسطينية، كما أن هجرة اليهود إلى الأرض الفلسطينية التي تقوم عليها هذه الدولة يجب أن تتوقف . ومثل هذه الأمور يرفضها الكيان الصهيوني رفضاً قاطعاً . إذ إن الفكرة من أساسها تتناقض مع مشروعه الاستعماري العنصري لإقامة وطن قومي لليهود، وهو كيان يحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة التي تمنحه كل أسباب القوة والبطش والاستباحة للأرض الفلسطينية والحقوق الفلسطينية . ولذلك فهو في وضع يمكنه من فرض وجوده على الأرض، ومواجهة كل التحديات في زمن طغت قوته على قوة العرب جميعاً بفضل السياسة الأمريكية التي تعزز تفوقه العسكري على الأقطار العربية مجتمعة . وهو بطبعه رافض لأي فكرة لدولة ديمقراطية علمانية تجمع الفلسطينيين واليهود في إطار ديمقراطي حقيقي .

إن المشروع الصهيوني الذي يرسّخ وجوده على الأرض الفلسطينية هو مشروع رافض للوجود الفلسطيني، ويسعى إلى إقامة كيان صهيوني يهودي صرف، وفق نهجه الاستعماري العنصري . ويسعى إلى اتباع كل وسائل القمع والتشريد والتهويد والتهجير لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم . ولذلك فإن حل الدولتين يأكله البناء المتواصل للمستعمرات الصهيونية على الساحة الفلسطينية والذي يقضي على فكرة إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة . ولهذا بدا بعيداً من الواقع، كما أن حل الدولة طرح نظري يحلو لبعض الفلسطينيين طرحه في ظل انسداد الأفق أمام دولة فلسطينية علق عليها الفلسطينيون أملاً، ودار الكيان الصهيوني بالمفاوض الفلسطيني الذي كان يسعى من خلال المفاوضات مع الطرف الصهيوني إلى تحقيق ذلك الأمل في ردهات تفاوضية عبثية لم تفض إلى أي محصلة، تولّت الولايات المتحدة التي تتبنى حل الدولتين، إحياء مفاوضات السلام لتجميل صورتها باعتبارها راعية للسلام، وتجميل صورة الكيان الصهيوني باعتباره ساعياً للسلام، رغم أن كل سجله حافل بالعدوان وانتهاك الحقوق وارتكاب الجرائم، وليس فيه ذرة من سعي للسلام .

وإذا كان حل الدولتين مطروحاً فقد أقر وزير الخارجية الأمريكية أنه سينتهي في غضون سنتين ولن يكون ممكناً على أرض الواقع الذي يفرض فيه الكيان الصهيوني وقائعه على الأرض الفلسطينية . أما حل الدولة فهو طرح نظري يبدو بعيداً عن الواقع تماماً، وإن بدا في نظر البعض منطقياً وموضوعياً إلى حد ما .

وفي كل الأحوال فإن الكيان الصهيوني سيواجه مأزقاً كبيراً في ظل انسداد الأفق أمام حل الدولتين . ذلك أن الفلسطينيين على الأرض الفلسطينية، داخل الكيان، هم تكتل بشري كبير يتعاظم بمرور السنوات ووجودهم داخل الكيان يهدد وجود الكيان، ويهدد المشروع الاستعماري العنصري من أساسه . ولذلك فإن الولايات المتحدة تعتبر حل الدولتين مصلحة أمريكية - صهيونية، كما تعتبر قيام دولة فلسطينية مصلحة أمريكية - صهيونية، لأن الخطر الذي يدهم الكيان الصهيوني كبير بفعل الكتلة البشرية الفلسطينية المتعاظمة . وتدعو الولايات المتحدة من هذا المنطلق إلى دولة يهودية مقابل دولة فلسطينية، وتعتبر ذلك مصلحة أمريكية - صهيونية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165442

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165442 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010