الأربعاء 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

أنظمة الهزيمة النفسية للشعوب

الأربعاء 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par عاطف الغمري

في تاريخ الشعوب والدول، لحظات فاصلة يهتز فيها كيانها، بتأثير تراكمات الانقضاض عليها من أنظمة حكم، تجردت تماماً من صفتها التمثيلية للشعب . فهي أنظمة انتهجت سياسات، تضعها في صف أعداء هذه الدولة، حتى ولو كان ذلك بغير اتفاق، ويكفي أنها تحقق لهؤلاء الأعداء أغلى أهدافهم الاستراتيجية، وهي إنزال الشعور بالهزيمة النفسية، بالشعب .

ولا يغيب عنا ما كان قد صدر في الستينات من تصريحات لموشي دايان من أن الردع النفسي للشعوب العربية وانكسارها معنويا، هدف أساسي للحروب، حتى ولو بغير ضربات السلاح .

وقد عرفت دول عربية في تاريخها الحديث صنفين من هذه الأنظمة . أولها حين أخضعت لحكم فردي لرئيس، لا يترك الحكم، ولا يشاركه فيه أحد، والثاني ما نكبت به مصر، من حكم جماعة الإخوان التي تسلطت عليها عقيدة، تؤمن بإقصاء من ليس منهم، واعتباره عدوا يحق لها أن تقاتله، إذا سعى لإبعادها عن الحكم .

وإذا كانت ثورات الشعوب على أنظمة الحكم الفردي في عام ،2011 والتي كان فيها الرئيس يعتبر نفسه والدولة شيئاً واحداً، يحق له أن يحولها إلى إرث، ينتقل إلى أولاده، فإن هذه الثورات في عام 2011 قد أنعشت آمال الشعوب، في مستقبل زاهر بالأمل والرخاء والأمان، فإذا بها في ظروف غير طبيعية، غابت فيها معايير الاختيار الحر، تقع فريسة لنظام، يقصي الشعب من حساباته، بدافع من فكر منغلق؛ يرى أن من لا ينتمي إلى جماعته، ينبغى إقصاؤه وعدم الاعتراف حتى بوجوده .

وإذا كان الصنف الأول من الأنظمة وهو الحكم الفردي، يجلب على شعب يحكمه، الشعور بالهزيمة - نفسياً - بسبب لجوئه إلى ممارسات تصادر الحق الطبيعي للإنسان في حرية الرأي، والتعبير، وحرية الاختيار وتداول السلطة، والحصول على حقه كاملاً في الحياة - في التعليم، والعلاج، والسكن، وغيرها من الحقوق الطبيعية للمواطن، فإن الصنف الثاني من أنظمة الحكم يعمل على إنزال الشعور بالهزيمة لدى الشعب، نتيجة فقدان إيمانه بأن الدولة التي تحتضنه، وهي مصر، إنما هي وطن له، فهو يتشارك مع جماعات من جنسيات أخرى، يضمهم سوياً، ما يسمى بالتنظيم الدولي للإخوان، والذين تحكمهم عقيدة ترى أن لهم وطناً يتجاوز حدود هذه الدولة - مصر . ولهذا فلا مانع لديه من أن يتحالف مع قوى أجنبية حتى ولو كان على رأس أهدافها تقليص قدرات هذا الشعب، والحيلولة دون تقدمه ونجاحه، وإبقائه مهزوماً .

. . إن الهزيمة - ولو بالمعايير النفسية - تحدث نتيجة تعارض طبيعي بين خصائص الإنسان كمخلوق عاقل، له خصوصية ذاتية متفردة، يشكل مجموعها، مصدر إثراء وتقدم للمجتمعات الإنسانية، وبين أنظمة حكم غابت عنها هذه الحقيقة، أو أرادت هي تغييبها، فاتجهت إلى استبدالها بأيديولوجية، ينتجها خيال أوجده انعزالها عن مجتمعها، وانغلاقها داخل سراديب تخلق فيها لنفسها تصورات، لا علاقة لها بالبلد وتاريخه وهويته، وتحاول أن تفرض تصوراتها قسراً وقهراً، على المجتمع بأكمله، ما جعل هذه الأنظمة موجودة على رأس الدولة، لكنها تبقى عضواً غريباً وشاذاً، يلفظه الجسم الإنساني والسياسي .

فهذه الأنظمة لا تستلهم فكرها ومفاهيمها، من وحي الحركة المجتمعية، التي تكون روح وضمير المجتمع، والتي تتشكل منها أحلام ومطالب المجتمع، في فترة زمنية معينة . في حين أن استلهام الحركة المجتمعية، هو الطريق إلى النجاح، والانتصار، في مواجهة أي معارك أو تحديات .

ثم إن مثل هذه الأنظمة، يرتبط وجودها بهدم بنية المجتمع . فهي تبدأ مشروعها بهدم البنية الثقافية، وهو ما رأيناه في أقوال متكررة لقياداتهم، تشهر بالحضارة المصرية، وتطلق عليها أسوأ التشبيهات، وفي الهجمة البربرية لوزير الثقافة الذي اختاروه بمواصفاتهم، المعادية للثقافة والفكر الإنساني، والهوية المصرية والعربية .

ورأيناه أيضاً في عمليات الشحن العقلي للبسطاء - خاصة بين الفقراء وغير المتعلمين - بأفكار تستغل تدينهم الطبيعي، لدفعهم نحو تبني أفكار متطرفة لا علاقة لها بالدين الصحيح .

ولما كان الحكم هو فن إدارة الناس فإن هذا الصنف من الحكم، أو ذاك، لا يدير الناس، لكنه يشل حركتهم الحقيقية، وطاقتهم الفاعلة، وهو ما يجعله بكل المقاييس ليس حكماً، بل هو سطو على الدولة، وإرادة الشعب .

إذا كانت ثورة 25 يناير قد نجحت في إسقاط النوع الأول من الحكم التسلطي، فإن ما تسبب في ظهور النوع الثاني وهو حكم الجماعة، أن الثورة نجحت بلا قيادة، أو برنامج معد للحكم، ومنهج للسياسات، فكان ذلك فرصة انتهزتها الجماعة، باعتبارها الفصيل الوحيد الذي يعمل في إطار منظم، والمدعوم بقوى خارجية، سبق أن ارتبط معها بعلاقات ممتدة زمنياً، فقفزت على المشهد السياسي، واختطفت الثورة، من الذين قاموا بها، وبترتيبات ضد المنطق والعقل، بدفع أولوية وضع الدستور إلى مرتبة متأخرة، والتعجيل بانتخابات كانوا يعرفون أنهم سيحصدون نتائجها، بجماعتهم المنظمة، وبرشاويهم الانتخابية للبسطاء، وحين آل إليهم الحكم، كانت كل تصرفاتهم من أجل التنظيم وليس من أجل الوطن، مصر .

فكان من الطبيعي، وروح الثورة لا تزال تتفاعل في الصدور، أن ينتفض المصريون، في الموجة الثانية للثورة في 30 يونيو ،2013 لإسقاط حكم، لا يملك شرعية تمثيلهم، ويرتب لعلاقات ضد مصالح الشعب وسلامته وأمنه القومي . وليس أدل على ذلك مما فعلوه في سيناء، والتي حولوها إلى بؤرة معادية للجيش، والشعب، ولمصر الوطن .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165473

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165473 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010