الثلاثاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

محاولة إنهاء المقاومة

الثلاثاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par صلاح محمد

التطورات والأحداث الجارية في منطقتنا العربية، المتواصلة والمتنقلة من بلد الى آخر، واذا كانت في مجملها تشكل عملية مخاض عسير، فإن نتائجها سوف تترك أثرها على القضية الفلسطينية، وسط كل ذلك يتوجب على مختلف القوى الفلسطينية البحث في وسائل تعزيز وتطوير وتنويع المقاومة ضد المحتلين، وضمان عدم توقفها، والانتباه من مخاطر تحويلها الى شعارات استخدامية من هذا الطرف أو ذاك، وبالتالي ومهما كانت النوايا فان هذا المسلك يصب في مجرى محاولات ترويض المقاومة.

إنه المسعى الاسرائيلي الأمريكي الذي رافق الثورة الفلسطينية المعاصرة بكل مراحلها ولازال مستمرا، عبر موجات محاولة التصفية العسكرية تارة، ومحاولة الاستيعاب السياسي تارة أخرى، لكن الوضع الفلسطيني قد نجح بفضل وحدته في إفشال أهدافها. لقد افرزت المسيرة التحررية لشعب فلسطين الكثير من الدروس التي تم دفع ثمنها قوافل متعاقبة من الشهداء والأسرى، وعقود طويلة حافلة بالعذاب بأشكاله المختلفة، لكن المشكلة البارزة تمثلت في عدم الاستفادة من تلك الدروس أو من أهمها، في تلك الدروس ما تفرضه طبيعة الكيان الصهيوني من أشكال نضالية، إنها الطبيعة العدوانية المرتبطة بتكوينه ونشأته ووظيفته الاستعمارية بالتالي كانت المقاومة بكل أشكالها بمثابة الخيار الاجباري لفصائل المقاومة الفلسطينية: للدفاع عن النفس وعن الشعب أولا وثانيا للدفاع عن حقوقه وثوابته التاريخية وعن المصالح الحيوية لشعوبنا التي باتت في موضع الخطر، بطبيعة الحال لا توجد مقاومة من أجل المقاومة، فشعب فلسطين أسوة بباقي شعوب المعمورة تواق للحرية ولممارسة حقه في الحياة، ولتحقيق تلك الاهداف الوطنية لابد من مراكمة الخطوات على طريق احداث ازاحات في ميزان القوى، لقد تعرضت مسيرة المقاومة لعملية بتر وتقطيع أو تبريد لزخمها، وأحيانا محاولة الطعن بها، والتشويش على عملها تحت تبريرات متعددة، بالتأكيد لم تكن المقاومة الفلسطينية بمنأى عن التفاعل مع العوامل العربية والاقليمية، وإذ كان العامل العربي وواقعه في المرحلة الراهنة لم يعد يشكل رافعه للموقف السياسي الوطني والقومي المنسجم مع حقوق شعبنا أصبح يؤخذ من قبل بعض الأطراف لتبرير الطعن في المقاومة ولتبرير المواقف التي تحمل تراجعا عن البرنامج الوطني.. لكن ذلك لا يعني نفي التفاعل الموضوعي بين الحالة الفلسطينية والعوامل الأخرى وتحديدا العربية منها.

أولا: محاولة انهاء خيار المقاومة: باستخدامها من أجل الوصول الى مرحلة المفاوضات مع دولة الاحتلال، وبهذا الصدد نسجل: أنه من حق القيادة الفلسطينية “استثمار” انجازات او حتى المناخات التي ولدتها المقاومة في مرحلة معينة من أجل تحقيق نقاط محددة في حلبة الصراع مع الاحتلال الاستعماري أي السعي لتعزيز موقف بوجهة وطنية.. وليست انهاء أو الغاء المقاومة كممارسة وحق قد كفلته المواثيق الدولية، طالما لم يتم تحقيق اهدافها التحررية الوطنية. الذي حصل لخيار المقاومة أنه استخدم كجسر للوصول الى المفاوضاتـ وبدلا من أن يسير الخياران: المقاومة والمفاوضات متجاوران وعدم تعرية المفاوض الفلسطينية من عوامل مساندة، تم الشروع العملي والنظري باحلال المفاوضات كطريق وحيد “لتحقيق الاهداف الوطنية بما في ذلك الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967” هكذا بقيت المفاوضات على مدار عقدين من الزمن منذ التوقيع على اتفاق اعلان المبادئ في 13/09/2013 الى سبتمبر 2013 دون أن يتراجع العدو عن مواقفه، لأن ميزان القوى لصالحه، ربما تكون المفاوضات الدائرة الآن والمحاطة بالكتمان الاعلامي خير مثال على ما سبقها في العقدين الأخيرين، حيث أن دولة الاحتلال ترفض عبر هذه المفاوضات وخارجها: تحديد موقف واضح ومحدد اتجاه قضية الحدود وتربط كل شيئ بأولوية الاتفاق على الترتيبات الأمنية التي تريدها وتطالب أيضا بوجود عسكري دائم على طول نهر الأردن تحاول فرض حل انتقالي يقوم على ركيزة السكان والأمن، إضافة الى ان أي من الحكومات المتعاقبة لدولة الاحتلال لم تقر بالموافقة على موضوع الدولة الفلسطينية، وكما تشير المعطيات فان الكتل الصهيونية السياسية المتداولة على السلطة لم يختلفوا على رفض: حق العودة، رفض الحديث عن القدس الشرقية، وعدم تفكيك الاستيطان..الخ بعد ذلك على ماذا يفاوض الفريق الفلسطيني، فالأمر لا يرتبط بعنصر الكفاءة أو القدرة على إدارة جولات التفاوض أو بخلاصة التقييم الشخصي التاريخي النضالي لهذا أو ذاك..إنه حديث المعطيات والوقائع على الارض التي يفرضها العدو ويحاول حشر المفاوضات في ممرات محددة، أما عوامل قوة المفاوض: كالمقاومة، والوحدة الوطنية وبلورة موقف موحد، وموقف عربي مبني على أساسه، نراها مفقودة. حتى الدعوات المتكررة للقيام بوقفة وطنية شاملة لتقييم الخيار السياسي وادوات تحقيقه على مدار مسيرة التفاوض لم يستجاب لها بالتالي بقي هذا الخيار وكل ما يتعلق به من مسؤولية الفريق الذي شق مجراه في الساحة الفلسطينية.

الاتجاه الأخر الذي يحكم "قطاع غزة منذ عام 2007، لقد مارس المقاومة قولا وعملا طيلة فترة كاملة، لكنه ومنذ تربعه على كرسي السلطة والحكومة في غزة، استدار كليا واعطى ظهره بالمعنى العملي للمقاومة، لكنه بقي يستعملها كمفردات ومصطلحات، وضجيج اعلامي في خطابه السياسي الذي قد يبدأ أو ينتهي مستخدما لغة المقاومة، في حين أنه وقع اتفاق تهدئة مع دولة الاحتلال لم يجرؤ من سبقه على ايراد بعض البنود في وصف المقاومة، بل أصبح يمنع ويقمع بسلاسة أية مجموعة فدائية تحاول القيام بنشاط عسكري ضد دولة الاحتلال، هذه النقلة لا يمكن اعتبارها خطوات تكتيكية لصالح خيار المقاومة كما يتحدث البعض.

ثانيا: المبالغة في المراهنة على العامل الخارجي: هنا نقصد التعاطي مع هذا المجال لدرجة تقترب من الاندماج به من حيث النتيجة، مقابل عدم الاتكاء على العامل الذاتي بتقويتة بل اهماله والمساهمة في إضعافه وأحيانا الاستقواء بحصيلة العلاقة مع الخارج على الحالة الوطنية مما يسمح باثارة بعض التساؤلات ومنها: هل نكون والحالة هذه أمام سياسة وطنية مستقلة وصافية. لقد تحولت حكومة غزة الى اشبه ما تكون حكومة للإخوان المسلمين على المستوى الاقليمي وما بعده، بالتالي أدارت ظهرها للعلاقة مع القوى الوطنية الإسلامية قد اصبحت في هذا المناخ غير محتاجة للمصالحة الوطنية، لأن حركتها السياسية قد انتعشت عربيا وإقليميا لكن ضمن المجال الجوي للإخوان المسلمين بشكل رئيسي، بطبيعة الحال لم تكن هذه العلاقة مجانية بل لها مقابل بالمعنى السياسي ومنها تلك النقلة الواضحة في مواقف حركة حماس والتي وضع محورها السيد/خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي في الموقف الذي أعنله في مؤتمر العدالة والتنمية التركي الذي يتزعمه السيد/أردوغان في مطلع العام الماضي بالانحياز التام للموقف التركي القطري من الأزمة السورية، بعد ذلك ماذا كانت نتيجة هذا الاندماج في المواقف السياسية “كمثال مع اخوان مصر وتركيا وقطر كدور رئيسي” التي انطلقت من المصلحة الفئوية والحزبية على حساب المصلحة الوطنية العليا، ماذا حصل بعد المتغيرات التي اطاحت بحكومة الاخوان في مصر، ومن دفع الثمن ولازالت التداعيات التي يعاني منها سكان قطاع غزة مستمرة كارتداد لتلك السياسة.

أما بالوجهة المقابلة، فلقد تعمقت المراهنة على خيار التسوية الأمريكية، وخلاصته: التعويل على الادارة الامريكية بأن تمارس ضغوطا جادة على دولة الاحتلال من اجل اجبارها على القبول بالدولة الفلسطينية في صيغتها المطروحة، طول عقدين من الزمن أيضا والحالة الفلسطينية لم تتزحزح قيد انملة عن هذا الخيار وهذه المراهنة، في هذه المساحة الزمنية الطويلة استمر المفاوض الفلسطيني يشرح للإدارة الأمريكية وغيرها من الادارات الغربية التي تتحرك بهذا الجانب عن العقبات تلو العقبات التي تضعها اسرائيل امام امكانية التوصل الى تسوية على امل ان يحصل شيء من الادارة الامريكية كالضغط على الحكومة الاسرائيلية في عنوان الاستيطان مثلا.. لكن ماذا كانت النتيجة بالأمس كما اليوم: الضغط متعدد الاشكال سياسيا،اقتصاديا وأمنيا..الخ لكن على القيادة الفلسطينية من اجل القبول بالوقائع التي تفرضها إسرائيل ولازال المفاوض الفلسطيني يطلب النجدة ليس من شعبه بل من الادارة الامريكية ومن الحكومة البريطانية أو الفرنسية، وحقيقة الامر أن البيت الابيض وتلك الدول الاوروبية ليست باحتياج هذا الشرح، لأنهم على دراية بما تنوي عملة الحكومة الاسرائيلية بشكل مسبق قبل ان يعلم به المفاوض الفلسطيني. وقبل أن يراه نافذا على أرض الواقع، هكذا كان لسان حال المفاوض ولايزال كما يعلن: أن الخروج من مأزق المفاوضات هو اللجوء للمفاوضات عوضا عن الاعتماد على جميع المكونات الوطنية لشعب فلسطين ومواجهة التحديات بوحدة وطنية، برؤية سياسية موحدة بالاستناد على وثيقة الأسرى لرسم خارطة جديدة تكون المقاومة بكل اشكالها محورها الاساس..وتكون المهمة الملحة والدائمة للجميع هي مواجهة سياسة دولة الاحتلال ومن أجل فرض معادلات فلسطينية جديدة ومن يكون لديه شعب بهذا المستوى من الصمود وتحمل الاعباء لن يهزم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010