الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

حرب أكتوبر: فاعلية التنسيق حتى في حدوده الدنيا

الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par رغيد الصلح

بعد أيام قليلة تمر الذكرى الأربعون لحرب أكتوبر/ تشرين الأول . ولقد كانت هذه الحرب مفصلاً مهماً في التاريخين العالمي والإقليمي، وتركت آثارها البعيدة المدى في تطور الأوضاع الدولية، إلا أنها لم تعط حقها من الاهتمام، خاصة في الأوساط العربية . ولم تدرس دراسة كافية، ولم يسع المعنيون والمؤرخون والمختصون بالعلاقات الدولية والإقليمية إلى استخراج الدروس المناسبة منها . ومن يحاول القيام بهذه المهمة سوف يجد أن من أهم الدروس التي يمكن استخلاصها هو التأكيد على أهمية التنسيق والتعاون والتحالف بين الدول التي تلجأ إلى السلاح، وتخوض الحرب ضد عدو مشترك بقصد تحرير أراضيها من الاحتلال .

ولقد تبلورت الجهود التنسيقية التي شملت بصورة أساسية زعماء مصر والسعودية وسوريا قبل الحرب في الخطوات التالية:

* أولاً: تحديد الأفق العام للتحرك بقصد تحرير الأراضي المحتلة في حرب يونيو/ حزيران . بعد حرب عام 1967 اتفق الزعماء العرب في قمة الخرطوم على إعطاء الأولوية “لإزالة آثار العدوان”، أي لتحرير الأراضي التي احتلت في تلك الحرب (الضفة الغربية، غزة، الجولان وسيناء) من الاحتلال “الإسرائيلي” . حرب أكتوبر جاءت في هذا السياق . هذه الحرب لم تحقق هذا الهدف كاملاً . صحيح أن “إسرائيل” خرجت من سيناء ومن جزء من الجولان . إلا أن “إسرائيل” فرضت على مصر دفع ثمن باهظ لقاء هذا الانسحاب تمثل في زيارة السادات إلى “إسرائيل” واستقباله في الكنيست “الإسرائيلي” وتوقيع معاهدة كامب ديفيد . هذا المآل يطرح سؤالين: الأول، هل كان باستطاعة مصر تحرير سيناء من دون توقيع المعاهدة التي تضمنت الانكفاء عن المنطقة العربية، مع الانتقال التدريجي من حال العداء ل”إسرائيل” إلى حال التحالف الواقعي معها، كما كان الأمر خلال مرحلة مبارك؟ الثاني، هو هل كانت مصر قادرة على إخراج “إسرائيل” من سيناء من دون اللجوء إلى الحرب، وبمجرد توقيعها على المعاهدة؟

يجيب السادات على السؤال الأول بقوله إن القوات المسلحة المصرية كانت تملك إخراج قوات الاحتلال “الإسرائيلي” من الأراضي المصرية لولا التهديدات الأمريكية التي جاءت على لسان كيسنجر . ففي كتابه “البحث عن الذات”، يقول السادات إن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق قال له إنه إذا حاولت مصر تصفية الثغرة التي أحدثتها القوات “الإسرائيلية” بداخل القوات المصرية، فإن البنتاجون سوف يضرب مصر، ويخلّص على السادات، لأن واشنطن “لن تقبل أن يهزم السلاح الروسي السلاح الأمريكي كما حدث خلال الأيام الأولى من الحرب” .

أما الجواب على السؤال الثاني، فكان أيضاً سلباً . ذلك أن السادات كان يتجه بسرعة إلى وضع كل أوراق الحرب والسلم بين “إسرائيل” ومصر بين أيدي واشنطن . وإدارة نيكسون-كيسنجر كانت آنذاك مشغولة بحرب فيتنام، ولم يكن انسحاب “إسرائيل” من سيناء أو غيرها، كما كان يردد كيسنجر، من بين أولوياتها . إذن الحرب كانت ضرورية، ولكن بالطبع شرط ألا تكون تكراراً لحرب عام ،1967 وألا تتكرر فيها الهزيمة العربية ويتكرر فيها المزيد من التوسع “الإسرائيلي” في الأرض العربية . ولقد تمكّن العرب من التخلص من إرث الهزيمة، ومن استباحة الأرض العربية مرة أخرى في حرب أكتوبر بعد أن هيأوا لها .

* ثانياً: بناء القطب الإقليمي الذي تمحورت حوله مجهودات الحرب . تكون هذا القطب من دول المحور الثلاثي: مصر، السعودية وسوريا . كان لهذا التنسيق أهمية تجاوزت حرب أكتوبر، إذ استمر المحور الثلاثي حتى مطلع التسعينات . كان التنسيق بين قوى إقليمية أي بين دول لديها أرصدة مادية وبشرية مناسبة لخوض الحروب المتوسطة . وكان التنسيق بين دول ذات أنظمة مختلفة تمثل التيارات الثلاثة المنتشرة في المنطقة: المحافظ، الوسطي والراديكالي . ولم تكن الدول الثلاث قادرة على الالتزام وحدها بما تجمع عليه، بل كانت تملك نفوذاً على أقطار عربية أخرى تشاطرها توجهاتها العامة، ما زاد من أهمية المحور الثلاثي في عملية الإعداد للحرب، وفي توفير إطار مناسب للجمع بين هذه الدول .

كان المحور الثلاثي هو الأساس في حرب أكتوبر، ولكن عندما وقعت الحرب لم تكن ردود الفعل العربية عليها كلها إيجابية . فهناك بين الحكومات العربية من اعتبر أن الحرب هي “مجرد مسرحية” يراد عبرها التفريط بالقضية العربية، وصولاً إلى صلح مع “إسرائيل” تحت الخيمة الأمريكية . وهناك بين العرب من اعتبرها “حرب تحريك وليست حرب تحرير” . وهناك دول أيدت الحرب، ولكن من دون حماس كبير . ولكن مع استمرار الحرب والتحسن الملحوظ في الأداء العربي العسكري الذي أظهره جيشا مصر وسوريا، ومع فتح جبهة الضغط النفطي على الولايات المتحدة والدول الأوروبية لحثهم على الاستجابة للمطالب العربية، تحول التنسيق العربي إلى واقع ملموس .

في إطار هذا التنسيق، اتسع نطاق المجهود الحربي والاقتصادي والسياسي العربي لكي يشمل سائر الدول العربية . فرغم تحفظ القيادة العراقية على أفق الحرب والتحرك العسكري، فقد دفعت بغداد بقوات جوية وبرية من المشاة والدبابات للمشاركة في الحرب . وشارك سلاح الجو العراقي في الغارات الأولية على المواقع “الإسرائيلية” . ورغم أن العلاقات بين مصر والجزائر لم تكن في أحسن حال، إلا أن الرئيس الجزائري هواري بومدين طار إلى موسكو خلال الأيام الأولى للحرب لكي يطلب شراء أسلحة بمئتي مليون دولار لحساب سوريا ومصر . ورغم تحفظ القيادة الليبية على الحرب، فإنها بادرت إلى تزويد مصر بالنفط، هذا فضلاً عن مساعدات أخرى . كان لهذه التحركات أهمية كبرى، إذ أثبتت أن التقدم على طريق تحقيق الأهداف العربية الجامعة يقتضي تحقيق التنسيق بين الدول العربية . كذلك أثبتت هذه التحركات والأحداث أن التنسيق والتعاون حتى في حدودهما الدنيا، كفيلان بالارتقاء بالأوضاع العربية وإفساح المجال أمام العرب، لكي يحققوا أهدافهم في الاستقلال الوطني والتخلص من الاحتلال الذي ما لبث ينهك الجسم العربي حتى تاريخنا هذا .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165412

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165412 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010