الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

المعارضة السورية بين تحدي النظام وتحدي الحلفاء

الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par د. محمد السعيد ادريس

في الوقت الذي بدأت الاستعدادات الفعلية لترتيب انعقاد مؤتمر “جنيف-2” الخاص بالأزمة السورية على نحو ما اتضح من البيان الصادر عن الأمم المتحدة عقب لقاء الغداء الذي نظمه الأمين العام بان كي مون في نيويورك لوزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، يواجه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” تحديين هائلين من شأنهما تحجيم دور هذا الائتلاف وربما انفراطه، ومن ثم دخول الأزمة السورية طوراً جديداً شديد الخطورة، خصوصاً إذا ما تحوّل الصراع إلى صراع بين النظام من ناحية، وبين قوى إسلامية جهادية تكفيرية تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في سوريا تكون قاعدة “ثقل عسكري مذهبي” في مناطق النزاع في الشرق الأوسط بمساندة مقاتلين من كل العالم، ما يعني أن الصراع من شأنه أن يتحوّل من صراع سياسي إلى صراع عقائدي .

التحدي الأول، أخذ فيه النظام السوري دور المبادر على لسان الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم . ففي الوقت الذي تحدث فيه رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا عن قبول المشاركة في مؤتمر “جنيف-2” بادر الرئيس السوري إلى وضع عقبات من شأنها أن تفرض على هذا الائتلاف التراجع عن قبوله حضور مؤتمر “جنيف-2” . ففي مقابلة له مع قناة تلفزيونية إيطالية لم ينفِ عزمه على الترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، كما أنه وضع شروطاً لمن سيحضر من المعارضة السورية هذا المؤتمر لا تنطبق على الائتلاف السوري . فقد جاء على لسان الأسد أنه “إذا شعر بأن الشعب السوري يريده أن يترشح للانتخابات الرئاسية فإنه سيترشح، وإذا شعر بأنه لا يرغب في ذلك فلن يفعل”، كما أكد أن حكومته لا تستطيع التحدث إلى منظمات تابعة للقاعدة أو إلى “إرهابيين”، كما أنها لا تستطيع التفاوض “مع أشخاص يطلبون التدخل الخارجي العسكري في سوريا” .

أما وزير الخارجية وليد المعلم، فقد رفض اعتبار الائتلاف السوري “ممثلاً للمعارضة” في مؤتمر “جنيف-2”، وقال إن “المعارضة السورية يجب أن تتمثل بالأحزاب السورية المعارضة (المرخص لها)” . مؤكداً أن معارضة الخارج لا تمثل الشعب السوري، وأنه سيحاور “معارضة وأحزاب الداخل”، وقال “الائتلاف سقط بأعين السوريين بعد أن طالب الولايات المتحدة بضرب سوريا” .

السؤال المهم هنا هو: هل هذه الشروط مجرد ضوابط لانعقاد “مؤتمر جنيف-2” بعد أن كان النظام السوري وعلى لسان وزير خارجيته يتحدث عن استعداد للذهاب إلى هذا المؤتمر “من دون شروط مسبقة”، أم أن الأمر أبعد من ذلك، وأن النظام أراد تفجير الائتلاف السوري من الداخل وتفكيكه قبل أن تبدأ إجراءات انعقاد المؤتمر من الناحية الفعلية؟

ربما يكون النظام قد فهم أن التطورات الأولية لتقارب إيران أمريكا، وصمود روسيا في الدفاع عنه قد أغراه بأن يتشدد في شروطه، وأن يدخل المؤتمر مشاركاً من موقع القوة وليس الضعف في محاولة لتأمين مخرجات المؤتمر لمصلحته، وربما يكون التخطيط أبعد وهو تفجير تحالف المعارضة لعلمه أن بذور الخلاف والانشقاق، بل والتنافس والصراع، موجودة داخل مكونات المعارضة وقابلة للتفجير .

كل هذا وارد، ولعل في سرعة ردود فعل بعض أطياف الائتلاف السوري ما يؤكد رهانات النظام . فقد أكد المتحدث باسم الائتلاف لؤي صافي أن “الممثل الوحيد للمعارضة هو الائتلاف”، مشدداً على أن “النظام السوري لن يختار من يحاوره”، وقال: “إننا طالبنا بضرورة أن يلتزم النظام باتفاق جنيف-1 العام ،2012 لأنه ليس واضحاً لنا ما إذا كان مستعداً للتفاوض في إطاره، بمعنى قبول النقاط الست وتأسيس حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات أم لا” .

الانقسام في الموقف من حضور المؤتمر من عدمه بدأ يتفاقم، ففي الوقت الذي أعلن فيه ممثل الائتلاف في تركيا خالد خوجه أن “الائتلاف لم يقرر بعد المشاركة في مؤتمر “جنيف-2” أم لا”، صرح كمال اللبواني عضو هذا الائتلاف أن “حديث رئيس الائتلاف أحمد الجربا عن حضور مؤتمر “جنيف-2” هو موقف شخصي بسبب ضغوط دولية عديدة”، معتبراً أنه “يتعارض مع اتفاقية تأسيس الائتلاف”، وأوضح أن اتفاقية تأسيس الائتلاف - الذي وصفه بأنه سيد نفسه - “تنص على عدم الدخول في أي حل سياسي قبل رحيل نظام الأسد”، مشيراً إلى أن قرار الجربا بالتوجه إلى جنيف يتطلب تعديل اتفاقية الائتلاف، وأشار إلى أنه “لا توجد ضمانات لتحقيق أهداف الثورة”، وأن “الشروط الحالية مخزية” .

انقسامات تبدو أولية، أما الانقسام الأهم والحقيقي فهو الانقسام في صفوف المعارضة بين معارضة مدنية ديمقراطية وأخرى جهادية تكفيرية تريد تحويل سوريا إلى أحد مراكز الجهاد العالمي لتنظيم القاعدة ومن يتحالف معها من المنظمات الجهادية المشابهة التي تقاتل من منظور عقدي، ولا ترى نفسها طرفاً في حوار سياسي مع النظام أو الجلوس على مائدة تفاوض بمشاركة أطراف دولية، فهي، وكما يرى كثيرون تريد أن تقاتل حتى الموت على نحو ما قاتلت في أفغانستان والعراق وعلى نحو ما تقاتل في اليمن ومالي، في حين أن الشعب السوري اختار التظاهر سلمياً، وهدفه إقامة دولة القانون، ولا يريد أن يرى سوريا أفغانستان أخرى، ولا يريد نظاماً متطرفاً بديلاً لنظام الأسد .

الانقسام على قاعدة “الصراع العقائدي” وانسحاب العشرات من المنظمات الجهادية من ائتلاف المعارضة وسعيها إلى تأسيس تنظيم موحد خاص بها يخوض الصراع العقائدي في سوريا ليس فقط ضد النظام، ولكن أيضاً ضد “الجيش الحر” وكل المقاتلين المنضوين تحت لواء الائتلاف الوطني هو التحدي الثاني والأخطر الذي يواجه هذا الائتلاف .

ففي الوقت الذي كان الجربا رئيس الائتلاف يتحدث أمام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في نيويورك حول رؤى وتصورات هذا الائتلاف الخاص بانعقاد مؤتمر “جنيف-2” تلقى الائتلاف ضربة معنوية كبيرة سوف تتأكد تداعياتها السياسية والعسكرية في وقت لن يطول كثيراً، حيث أعلن 43 فصيلاً مسلحاً رفض الاعتراف ب”الائتلاف وحكومته المؤقتة”، وبدأت هذه الفصائل في تشكيل إطار تنظيمي جديد يضم “جبهة النصرة” المرتبطة بتنظيم القاعدة، والعديد من التنظيمات المتشددة، إضافة إلى كتائب وألوية كانت حتى وقت قريب، منضوية تحت قيادة الجيش السوري الحر .

انقسامات سياسية وأخرى عسكرية تضع الائتلاف الوطني في موضع شديد الصعوبة والخطورة، وتطرح مبكراً علامات استفهام كثيرة حول ما يدور في سوريا من صراعات ليست لها أدنى علاقة بالشعب السوري وخياراته الوطنية، وحول ضبابية مستقبل مؤتمر “جنيف-2” والآفاق التي تبدو مسدودة أمام نجاحه، وربما أمام انعقاده .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2165619

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165619 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010