الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

تركيا والتغيير المطلوب

الجمعة 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 par د. محمد نور الدين

ألقى رئيس الحكومة التركية ووزير خارجيته كل الإنجازات التي حققاها في السنوات التي تلت وصولهم إلى السلطة في عام 2002 في سلة المهملات .

السياسات الخارجية التي اتبعها حزب العدالة والتنمية سابقاً كان لها أكبر الأثر في أن تتحول تركيا من دولة معزولة ومجرد تابعة للغرب، إلى دولة تفتح لها كل الدول أبوابها، فتمارس أدواراً وتأثيراً كما لو أنها في بيتها الداخلي . والأهم أن صورة تركيا قد ارتفعت في العقول والقلوب .

وكما لم يحافظ آخر ملوك الأندلس على ملك أضاعه، فبكى كالولد الصغير، فقد أضاعت تركيا كل ما جنته من أجل غاية واحدة حبست نفسها فيها، واعتقدت أنها سوف تنجح فيها، وهي الهيمنة على المنطقة تحت شعارات العثمانية الجديدة، بل السلجوقية الجديدة أيضاً، ومن خلال الرابطة الإيديولوجية التي تجتمع في ظلها وتحت مظلتها تنظيمات الإخوان المسلمين من مصر وتونس إلى الأردن ولبنان وتركيا نفسها .

ولقد أظهرت تركيا العلمانية في دستورها أعلى درجات التطرف الديني، عندما حاولت مع حلفائها في المنطقة إلغاء الآخرين جميعهم، كل داخل بلده واستبدال الاستبداد السابق للأنظمة الحاكمة باستبداد إخواني .

وفي الواقع لم تفهم تركيا، وهي هنا المسؤولة الأولى، واقع المنطقة العربية خصوصاً . ذلك ان الملعب الإيراني خارج اللعبة التركية لاعتبارات كثيرة . فلم يبق للاعب التركي سوى المجال العربي لكي يترجم رغبته في التسيّد . ولعل ما لاح من إشارات خادعة ل “الربيع العربي” عن ميل الناس إلى الحركات الدينية لم يصح، فانتفض الشارع المصري والتونسي، مهدا الربيع العربي، على النماذج الجديدة التي جاء بها الإخوان المسلمون ومن خلفهم تركيا . لذا لم يكن صعباً فهم الغضب والانفعال التركي جراء سقوط حكم الإخوان في مصر، الذي أدى إلى كسر قدم المشروع التركي للهيمنة على المنطقة العربية .

لقد تعاطت تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية في السنتين الأخيرتين ولا سيما في مصر وتونس كما لو ان المنطقة العربية مستملكات عثمانية . ولم يخيب الإخوان المسلمون ولا سيما خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ظن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، فبايعه زعيماً للأمة الإسلامية، بحضور الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، قبل سنة بالضبط، في نهاية سبتمبر/ أيلول ومن اسطنبول، حيث كان مؤتمر لحزب العدالة والتنمية قد تحول إلى اجتماع عالمي لمنظمات الإخوان المسلمين . وخالد مشعل في تلك المبايعة كان يتجاهل حقائق التاريخ والسياسة في أن تركيا دولة أطلسية لعبت أدواراً قذرة في معاداة العروبة والخط القومي، ولا سيما الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر . وليست مساندتها اليوم للإخوان المسلمين في مصر سوى أحد أوجه انتقامها من عبدالناصر الذي وقف بكرامة ضد الغرب وأحلافه وأوله حلف شمال الأطلسي ورأس حربته الإسلامية والشرق أوسطية، تركيا .

وتجاهل مشعل أن تركيا لم تقدم شيئا للقضية الفلسطينية التي استغلتها لمجرد التغلغل في المنطقة وتسهيل الطريق لمشروعها الفئوي .

اليوم عندما ننظر إلى المناخ الذي يتحرك في الأمم المتحدة وفي المنطقة من خلال التقارب الأمريكي - الإيراني الواضح، ومن خلال التسويات المحتملة بين واشنطن وموسكو، يبدو من الصعوبة على سلطة حزب العدالة والتنمية أن تكون جزءاً من التحولات المستقبلية، وأن تنقلب مجدداً على سياساتها التي أوقعتها في عزلة إقليمية ودولية . والدعوة التي يوجهها الكثير من الكتاب والسياسيين الأتراك إلى حكومة أردوغان لتغيير سياساتها، حتى لا تبقى خارج اللعبة ليست واقعية . ذلك أن اتباع سياسات عدة متناقضة بين مرحلة وأخرى من قبل الطاقم نفسه، أمر أقرب إلى الفكاهة والسخرية وليس واقعية في السياسة . إذ الواقعية ألا تذهب، في الأساس، إلى الحد الأقصى في سياسات التطرف، كما حصل في تعامل أردوغان مع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، ثم تحاول العودة عن هذا الموقف . والأمثلة المشابهة كثيرة .

في هذه الحال، ربما يكون المخرج الوحيد لتركيا من عزلتها وعودة علاقتها الطبيعية مع الجميع، هي أن يتنحى المسؤولون عن هذه السياسات بطريقة أو بأخرى . ذلك أن المبدئية التي رفعها القيمون على السياسة الخارجية التركية، في ظل انقلاباتها المتعددة، باتت نكتة يتندر بها الصغير قبل الكبير .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2166046

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166046 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010