السبت 28 أيلول (سبتمبر) 2013

شعب المقاومة ... والمفاجآت النضالية

السبت 28 أيلول (سبتمبر) 2013 par عبداللطيف مهنا

تقتيل، مداهمات واقتحامات، اعتقالات، امتهانات وعذابات على الحواجز، نسف بيوت، أو إجبار أهلها على هدمها بأنفسهم، تضييق وإخلاء قسري وتهجير، وصل حد هدم قرية بأكملها في الغور وتشريد أهلها، بالتوازي مع حرب تهويد شاملة جارية على قدم وساق، كلها أمور في حكم اليومي الذي تعيشه الضفة الغربية المحتلة. في إحصاءاتهم هم نفذ المعتدون الصهاينة في السبعة أشهر الأولى من العام الجاري فحسب 3565 اقتحامًا، بيد أن هكذا فعائل صهيونية تظل برسم التصعيد المسعور والأكثر انتقامية إثر أية عملية مقاومة للاحتلال قد يتسنى للمقاومين شنها ضمن واقع من ظروف نضالية صعبة ومعقدة في ظل موانع التنسيق الأمني مع المحتلين الذي تواليه سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال، والذي به يتشارك الجانبان عمليًّا في مطاردة وملاحقة المقاومين، ومحاولة إحباط عمليات المقاومة ما استطاعا.
في الآونة الأخيرة تمكن مقاوم من استدراج طيار صهيوني إلى طول كرم وقتله، واردى آخر جنديا صهيونيا وجرح ثانٍ في جوار الحرم الإبراهيمي بقلب الخليل، وهكذا شهدت المدينتان، والخليل منهما بالذات، معهود السعار الانتقامي المفرط الذي أشرنا إليه بدايةً. واجهت المدينة إغلاقًا وحملة تنكيل واعتقالات واسعة بلغت مداها، استخدمت فيها حتى الكلاب البوليسية، واعتمد خلالها متعمد التخريب والعبث بالمنازل، ولم تسلم حتى النسوة الحوامل، ومنهن من نقلن إلى المشافي إثر تفتيش منازلهن. باختصار، واجهت الخليل نوبة من هيستيريا صهيونية انتقامية حاقدة، وعقاب جماعي همجي، بحجة البحث عن المقاوم القنَّاص الذي أردى الجندي وجرح الآخر.
إثر العمليتين الفدائيتين، دعا سبعة من وزراء حكومة الكيان الصهيوني إلى وقف المفاوضات الجارية مع السلطة، وحملوا عليها لأنها لم تسارع إلى إدانة مقتل الجنديين الصهيونيين، وطالبوا بوقف مواصلة إطلاق صراح الأسرى الـ 104، المتفق عليه مع كيري، أو المقرر أن تجري على أربع دفعات تمت أولاها، إذا ما سارت هذه المفاوضات على الرتم المنشود صهيونيًّا. أما رئيس الوزراء نتنياهو، فكتب على صفحته في الفيسبوك، إن من يحاول قلعنا من مدينة الآباء فإنه يحقق عكس ذلك، سنحارب الإرهاب وباليد الثانية سنعمل على تقوية الاستيطان في المدينة“، وأعطى الضوء الأخضر لـ”المستوطنين" بالاستيلاء على بيت فلسطيني في قلب المدينة المنكل بها.
إن كل ما تقدم لا يخرج عن ديدن الاحتلال وينسجم مع طبيعته العدوانية الاستعمارية الاستيطانية، وهو يجري وفق ذات الاستراتيجية الصهيونية إياها المعتمدة منذ بدء المشروع الصهيوني والمطبَّقة على امتداد الصراع في فلسطين، والهادفة إلى تهويد كامل فلسطين والتخلص من كامل أهلها، لكن وبالمقابل فإن المفارقة تكمن في منطق وحال الأوسلويين الفلسطينيين، مدمني المفاوضات حتى تصفية القضية، واعتمادهم إياها نهجًا وخيارًا لا من سواه، والذين هم رغم كل ما يجري للأرض والإنسان في الضفة وغزة وسائر فلسطين المحتلة يواصلون مسلسل مفاوضاتهم العبثية والمكتومة مع المحتلين، هذه التي عقد منها حتى الآن ثماني جلسات ولم يُتفق خلالها بعد على جدول أعمال التفاوض الدائر! والطريف أنه على أثر العمليتين الفدائيتين في طول كرم والخليل اتهم الصهاينة السلطة الأوسلوية التي تنسق معهم أمنيًّا، وتتهم منظمة العفو الدولية أجهزتها الأمنية باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين ضد الاحتلال، بـ“إظهار عجز تام في محاربة الإرهاب”، رغم أن ضباطا في “الشاباك” الصهيوني “يغدقون الثناء” على دور التنسيق الأمني مع أجهزتها في حماية أمن الاحتلال، وفي تعليقها على العمليتين الفدائيتين تتحدث المصادر الصهيونية عن “تنسيق أمني وطيد، وحرية عملياتية (للمحتلين) في الدخول إلى مناطق الضفة، تتضمن عمليات اعتقال تجري كل ليلة”، والآن، ووفق هذا التنسيق، الذي هو من الالتزامات الأوسلوية المتبعة، فإن على أجزة سلطة أوسلو ليس مساعدة المحتلين في القبض على فدائي الخليل فحسب، وإنما كان عليها الحؤول دون ما جرى في كل من طول كرم والخليل ومنعه قبل حدوثه، وهنا تكتمل المفارقة الأوسلوية وتصل مداها الموغل في اللامعقول التسووي المشين.
لقد بلغت الحال في الداخل الفلسطيني مدى لا يطاق، والغضب الشعبي على شفير الانفجار. حتى الصهاينة يتحدثون عن ذلك ويتحوطون له. القدس وأكنافها هوِّدت والأقصى قيد التقسيم وبناء الهيكل المزعوم مكانه قاب قوسين أو أدنى، والنقب المحتل مائر لا يهدأ، وغزة يوالي صمودها مواجهة حصار مزدوج صهيوني وعربي قاتل ومتوحش، وتبدع في ابتكار سبل مواصلة التحدي والحياة، وتلوح في الضفة مظاهر تشي باقتراب مثل هذا الانفجار ... “ائتلاف شباب الانتفاضة”، “حملة قاوم” ... هل نحن إزاء بوادر لانتفاضة ثالثة؟
الضفة منهكة ومنكوبة بأبشع صنوف الاحتلال، ومبتلاة بالتنسيق الأمني الأوسلوي معه، وبالتالي فظروفها النضالية بالغة الصعوبة هائلة التعقيد، لكنما الشعب العربي الفلسطيني يظل شعب المقاومة ومن عاداته النضالية صناعة المفاجآت...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2165418

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165418 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010