الخميس 26 أيلول (سبتمبر) 2013

بوتين واستحضار النووي «الإسرائيلي»!

الخميس 26 أيلول (سبتمبر) 2013 par مأمون الحسيني

بعد نحو عام ونصف العام على كسر الأديب الألماني غونتر غراس “تابو” الغرب المتعلّق بوضع الكيان الصهيوني فوق النقد وفوق القانون الدولي، وإعلانه بجرأة عدم قدرته على مواصلة هذا “الصمت العام” حول هذه الدولة وملفها النووي الذي يهدد السلام العالمي “الهش بطبيعته”، أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن موقع آخر ولأسباب واستهدافات مختلفة، ملامسة ذات الملف الذي ما زال الغرب وما يسمى “المجتمع الدولي” يصرّ على إغفاله، أو مجرد انتقاده، بدليل رفض اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير الذي حمل الرقم 159 مشروع القرار العربي الذي يعرب عن “القلق” حيال القدرات النووية “الإسرائيلية”، ويدعو الدولة العبرية إلى “الانضمام إلى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، ووضع جميع قدراتها النووية تحت مراقبة تامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وذلك على رغم خطر هذه القدرات المتعاظم على المنطقة والعالم، وإعاقتها المتواصلة إجراء مفاوضات جديّة وشاملة حول أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط .

الإشارة الروسية التي جاءت على شكل تذكير من قبل الرئيس بوتين، خلال منتدى “فالداي”، بكيفية ظهور السلاح الكيماوي السوري “كبديل لسلاح “إسرائيل” النووي”، والتأكيد على انتفاء حاجة الأخيرة إلى هذا السلاح الذي ينبغي أن ينزع من كامل الشرق الأوسط، دقت نواقيس الخطر وأشعلت مصابيح حمراء، ليس فقط في الكيان “الإسرائيلي” الذي يعتبر أي حديث عن هذه الأسلحة بمثابة “تشويه” متعمّد ومسيّس لسمعته، وإنما كذلك في العالم الغربي الذي بنى مقاربته حيال أسلحة الدمار الشامل، وبخلاف رؤية موسكو التي تحصر حق امتلاك النووي بالدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، على التمييز الإرادوي بين ما يعتبره “دول ديمقراطية” وأخرى “غير ديمقراطية” . ولعل الأكثر لفتاً للنظر في ردود الفعل الصهيونية الموتورة والغاضبة من أقوال القيصر الجديد الذي يدق أبواب الشرق الأوسط بقوة، هو اعتبار سفير الكيان في موسكو بأن روسيا تحاول جرّ النووي “الإسرائيلي” الذي تتعامل معه كورقة جديدة في “لعبة البوكر” التي تديرها” إلى طاولة المفاوضات الشرق أوسطية الشريكة بها، ورافعة ضغط على الأمريكيين، وإعادة اجتذاب إيران التي بات هاجس تقاربها المحتمل مع الولايات المتحدة يؤرق الصهاينة ورئيس وزرائهم الذي حدّد أربعة شروط استباقية يجب توفرها في التعامل مع ملفها النووي: الوقف الكلي لأعمال تخصيب اليورانيوم؛ إخراج كل اليورانيوم المخصب من إيران؛ إغلاق منشآت التخصيب، وأخيرا وقف مسار عمليات التخصيب عبر البلوتونيوم .

وما يرفع من منسوب الخشية والتوتر “الإسرائيليين”، هو أن تلميحات الرئيس بوتين أعقبت تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد عن تكلفة مهمة نزع السلاح الكيماوي السوري والفترة التي تحتاج إليها للتنفيذ، وتزامنت مع دعوة صحيفة “نيويورك تايمز “ الأمريكية إدارة أوباما إلى التحلي بالصدق في ما يتعلق بالأسلحة النووية “الإسرائيلية”، والتحذير من أن عدم توقيع تل أبيب على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية،على الرغم من تطويرها لترسانتها النووية، “سوف تصبح قريباً الحقيقة المركزية في هذه الدراما، سواء أرادت واشنطن ذلك أم لا”، وأتبعت بتشكيك بوتين بإمكانية نجاح المبادرة الروسية الخاصة بالكيماوي السوري بشكل مرض، وإعلان وزير دفاعه سيرغي شويغو بأن بلاده ليست لديها خطط في الوقت الحالي لتدمير أسلحة كيماوية سورية على أراضيها، ليلي ذلك مبادرة مجموعة من المراقبين والخبراء العسكريين الروس إلى الإعلان بأن الآليات التنفيذية للتسوية الروسية ستستغرق وقتاً طويلاً، وكلفتها ستكون باهظة، ولن تقل عن ملياري دولار، على أقل تقدير، وهو أمر مربك بالتأكيد للدول الغربية التي تواجه أزمة مالية واقتصادية .

كل هذه المؤشرات التي تطفو على سطح الحلبة الإقليمية والدولية تحت عباءة الإقدام الروسي الذي بدا جلياً في تحذير بوتين لواشنطن من أن أي ضربة عسكرية لدمشق “ستكون ضربة موجهة للنظام العالمي وليس لسوريا”، وإعلان رئيس وزرائه ديميتري مدفيديف أن بلاده تعتبر أيّ تدخل خارجي في سوريا من دون موافقة مجلس الأمن الدولي “غير مقبول وإجرامياً”، وترجمة ذلك عبر مضاعفة أعداد السفن الحربية الروسية في البحر المتوسط قبالة السواحل السورية، في مقابل التردد والارتباك والتناقض في رد الفعل الأمريكي الذي يحاول الاختباء خلف رفض أكثرية الأمريكيين للحرب . كل ذلك وضع قادة الدولة العبرية في زوايا التشكيك وعدم الثقة برغبة، وقدرة، إدارة الرئيس أوباما على الوفاء بالتزاماتها حيال كيانهم ومستقبله وقدراته النووية التي يرجح أن تدرج على جدول أعمال “المجتمع الدولي” في المستقبل المنظور .

وعليه، وبصرف النظر عن محاولة الإدارة الأمريكية تهدئة مخاوف تل أبيب في أعقاب التقارب بين واشنطن وطهران والتصريحات التي أطلقت من طهران مؤخراً بشأن البرنامج النووي الإيراني، التي اعتبرها نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، بن رودس، غير كافية لتهدئة الأطراف (أي “إسرائيل”)، فإن الأكثر ترجيحاً هو أن تجنّد حكومة نتنياهو، التي ما زالت تؤمن بأن الحرب على إيران تبدأ من سوريا، كل طاقاتها السياسية والدبلوماسية، لا سيما في أوساط الكونغرس الذي تتمتع بتأييد أغلبية أعضائه، لعرقلة الاتفاق الأمريكي- الروسي، وتالياً إبعاد شبح جرّ ملفها النووي إلى مربع المساءلة والمحاسبة، وتسويق اتهامها للرئيس الإيراني الجديد بالخداع، وتعرية “القناع المعتدل” الذي يضعه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2166006

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2166006 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010