الأحد 22 أيلول (سبتمبر) 2013

مقالة بوتين والعنجهية الأميركية

الأحد 22 أيلول (سبتمبر) 2013 par د. فايز رشيد

نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقالةً في صحيفة“نيويورك تايمز”تحت عنوان“دعوة للحذر”موجهة إلى الأميركيين بشكل عام, لكن الضجة التي أثارتها المقالة بين العديد من السياسيين الأميركيين, كانت كبيرة وتميزت ردود أفعالهم: بالصلف والعنجهية والاستعلاء الفوقي، وكأن هؤلاء يعيشون في واقع غير الذي نعيش فيه, واقع تتحكم فيه الولايات المتحدة دون رقيب أو حسيب! نعترف أن الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية وانتهاء الحرب الباردة ,عاشت مرحلة ذهبية في عالم تميز بالقطب الواحد، وبقيادة أميركا للساحة الدولية، ومن ثم وبعد مضي عقدين من الزمن ظهرت روسيا والصين كدولتين كبيرتين ومؤثرتين إلى الحد الذي يمكن القول فيه أن قطباً عالمياً آخر بدأ في التشكل في مواجهة الولايات المتحدة وخلفائها. أصحاب الرؤوس الحامية في كل من واشنطن وتل أبيب وعموم العواصم الغربية لا يريدون الاعتراف بهذا الواقع الجديد، الذي يفرض حقائقه واقعاً على الأرض. إحدى هذه الحقائق أن الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الوحيد على الساحة الدولية, فروسيا والصين ( وبخاصة الأولى) لهما وجهات نظر مغايرة لما تراه واشنطن وتحدده من مواقف سياسية, وعلى سبيل المثال لا الحصر القضية السورية، والمشروع النووي الإيراني وكذلك حقيقة أن كوريا الشمالية أصبحت لاعباً نووياً, بحيث بات صعباً توجيه ضربة عسكرية لها من قبل الولايات المتحدة ودول المعسكر الغربي.
بدايةً، فإن مقالة بوتين حول سوريا مؤدبة الكلمات, وتتطرق إلى أهمية الصداقة بين الشعبين الأميركي والروسي, وتؤكد على أهمية هذه العلاقة. كذلك فهي تخلو من أية تعابير أو مصطلحات يُفهم منها, التحدي، وتؤكد على أهمية الأمم المتحدة ودورها في حل القضايا والخلافات الدولية، وكيف ستتحول هذه المنطمة إلى شكل لا فائدة منه، إن تصرفت الدول العظمى, خارج إطارها ودون قراراتها. المقالة توضح المخاطر الكبيرة التي ستنشأ من أخذ بعض الدول قرار بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا خارج إطار الأمم المتحدة:“اندلاع موجة جديدة من الإرهاب, تقويض الجهود متعددة الأطراف التي تبذل من أجل تسوية المشكلة النووية الإيرانية, والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي, ناهيك عن حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا, وقد ينسف منظومة القوانين والنظام الدوليين”!.. ويستطرد: دعت روسيا منذ البداية إلى حوار سلمي يمكن السوريين من وضع خطة تسوية من أجل مستقبلهم. نحن لا نحمي الحكومة السورية بل القانون الدولي".
وفي مقالته يقول بوتين:“ما يثير القلق هو أن التدخل العسكري في النزاعات الداخلية في الدول الأجنبية قد أصبح أمراً مألوفاً بالنسبة للولايات المتحدة , فهل هذا في مصلحة أميركا على المدى الطويل؟ أشك في ذلك. فالملايين في جميع أنحاء العالم لم تعد ترى أميركا بوصفها نموذجاً للديمقراطية, بل أنها أضحت تعتمد على القوة الباطشة التي تستجمع حولها حلفاء وفق مبدأ: من ليس معنا فهو ضدنا”. بهذه الروحية يكمل بوتين مقالته المهمة, التي يختتمها بترحيبه للعمل سوياً مع الرئيس أوباما, وتوجيه النقاش نحو المفاوضات, واختيار مسار التسوية الدبلوماسية والسياسية بعيداً عن استخدام لغة القوة, مؤكدا أن: علاقة العمل والعلاقة الشخصية التي تجمعه بالرئيس الأمبركي أوباما“تتسم بثقة متنامية” وأنه يكن له كل الاحترام وقرأ بعناية خطاب أوباما إلى الأمة الأميركية ,مذكراً بحقيقة وهي“أننا حين نتوجه إلى الله بالدعاء ليباركنا فإن علينا ألا ننسى أنه خلقنا متساوين”.
ردود الفعل الأميركية تميزت بالنزق والغضب الشديد غير المبرر, فالسيناتور الديمقراطي بوب مينديز الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ صرح لشبكة“سي إن إن”: “لقد رغبت في التقيؤ بعد قراءة افتتاحية بوتين. أنا قلق عندما يأتي شخص من الكي جي بي ليخبرنا ما هو في مصلحتنا الوطنية وهو ليس كذلك”. السيناتور جون ماكين قال عبر“توتير”“افتتاحية بوتين هي إهانة للولايات المتحدة ولذكاء كل أميركي”. السيناتور الجمهوري جون كورنين قال:“لدينا سبب وجيه للتشكك في أن موسكو شريك دبلوماسي موثوق فيه. روسيا هي جزء من المشكلة في سوريا وليست جزءاً من الحل”. لقد أبدى السيناتور جيمس انهوف لشبكة“سي إن إن”اعتراضه على أسلوب وعبارات بوتين مشيراً إلى محاولات الرئيس الأسبق رونالد ريجان التقرب من الروس. وقال:“إنني أشعر بالرئيس ريجان يتقلب في قبره”. في نفس السياق جاءت وجهات نظر وتعليقات لسياسيين ومعلقين وكتّاب أميركيين, لكن أحداً من كل أولئك لم يكتب رداً مكتوباً موضوعياً وحقيقياً يفنّد فيه (خطأ) وجهة نظر الرئيس بوتين هذا أولاً.ثانياً: تميزت ردود الفعل الأميركية على المقالة بأنها (تطاول) من بوتين على (البلد الأعظم) ولسان حالهم يود القول“من هذا العبد الذي يتطاول على أسياده الأميركيين”! هذا غيض من فيض ردود الفعل الأميركية على ما كتبه بوتين.
لقد شبّه الرئيس أوباما بوتين منذ فترة"بأنه التلميذ الكسول الذي يجلس في آخر الفصل غير عابئ بما يجري حوله، كان ذلك في أحد مؤتمراته الصحيفة على هامش قمة العشرين التي جرت في إيرلندا الشمالية في يونيو الماضي، تصوروا ماذا يقول رئيس دولة عظمى عن رئيس دولة عظمى وريثة الاتحاد السوفييتي؟ إنها الوقاحة الأميركية بكل صلفها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2178403

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2178403 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40