الخميس 19 أيلول (سبتمبر) 2013

أكذوبة الميثولوجيا

الخميس 19 أيلول (سبتمبر) 2013 par علي بدوان

تشير المعلومات المُتسربة من الجولات الثلاث التي عقدت ومن كواليس المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” بعد العودة الجديدة لطاولة المفاوضات بأن المطلب “الإسرائيلي” بالاعتراف الفلسطيني والعربي بما يسمى “يهودية الدولة” ما زال مطلباً أساسيًّا عند الطرف “الإسرائيلي” مدعوماً من قبل الطرف الأميركي الراعي للعملية التفاوضية غير المتوازنة بالأساس.
مطلب يهودية الدولة، اختراع صهيوني أميركي خالص، لدولة قامت بالأساس على أكذوبة ورواية ميثولوجية ليس لها علاقة بالواقع ولا التاريخ، وقد ساعدها على القيام كدولة الحالة العالمية التي كانت قائمة أساساً قبيل الحرب الكونية الأولى ومن بعدها الحرب الكونية الثانية.
وعموماً، في الخارطة الدولية في العالم المعاصر، يقف الكيان الصهيوني باعتباره “الدولة الوحيدة التي تُعرف نفسها كدولة ديمقراطية ودينية” بالرغم من التنوع السكاني القومي والديني في تكوينها العملي (السكان الأصليين من المواطنين العرب الفلسطينيين، وقوميات أوروبية وآسيوية من يهود العالم قاطبة، فضلاً عن الأقليات القومية التي كانت في فلسطين قبل إنشاء الدولة الإسرائيلية الصهيونية مثل الشركس والأرمن والبوشناق ...). فإسرائيل الدول الوحيدة في العالم التي تأسست على خلفية “رواية ميثولوجية” مسنودة بقرار دولي، هو القرار 181 (قرار التقسيم) الذي جاء في لحظة نادرة لخصت الفترة الحرجة أثناء وقوع التحولات الكبرى في المنظومة الدولية، كحاصل تفاهم والتقاء وتوافق للمصالح الاستعمارية الكبرى مع انقشاع سحب الحرب الكونية الثانية (1938ـ 1945).
وعليه، فالدولة “الإسرائيلية” حددت للدين مكاناً مؤسساتيًّا، وعملت على تغلغل التيارات الدينية في التعليم، وبالمقابل ضعفت وتراجعت أمام البنى (المجتمعية/الدينية) مكونات (الخطاب الخلاصي/الشوفيني) الذي دأب على ترديده آباء الصهيونية على حساب القومية المدنية بحدودها الدنيا، الأمر الذي خلق حالة الازدواجية والانفصام في دولة يدعي مؤسسيها بأنها ديمقراطية وفي الوقت ذاته دينية وعنصرية بل وفاشية.
وفي أساس الوضع المتفجر تبرز العبارة الموجودة في ما يسمى وثيقة الاستقلال التي أعلنها ديفيد بن غوريون ليلة(14/5/1948) وفيها أن إسرائيل تعتبر نفسها دولة يهودية وديمقراطية، وهذه هوية لا تخلو من التناقض الداخلي “دولة ترى في نفسها تجسيدا للنهوض والانبعاث القومي للشعب اليهودي...! ليس بإمكانها أن تنظر بتساهل ولا مبالاة إلى أبناء البلد الأصليين” لذلك فإن الممارسات العنصرية الصهيونية داخل كيان الدولة العبرية تدفعها للقيام باتخاذ التدابير والوسائل غير الديمقراطية من أجل حماية لبابها وروايتها التوراتية الميثولوجية" . وبالطبع نحن نتحفظ على مقولة الشعب اليهودي فتلك أكذوبة بدورها، فاليهودية دين وليست قومية.
إن كل الأحزاب “الإسرائيلية” الصهيونية ما زالت تُصر على المبدأ الأساسي والرئيسي، وهو ضمان الهوية اليهودية للدولة العبرية، وهي فجوة كبيرة غير قابلة للجسر أو الترقيع داخل كيان الدولة “الإسرائيلية” بين المواطنين الفلسطينيين العرب أصحاب الوطن الأصليين وبين جموع المجتمع الاستيطاني الكولونيالي اليهودي على أرض فلسطين التاريخية، وهي فجوة تُبشر حال استمرارها بتكريس الشرخ اليهودي/العربي القائم في داخل حدود دولة “إسرائيل” وذلك بالرغم من محاولة البعض من الجيل الثالث من قيادات الصف “الإسرائيلي” كما حال تسيبي لفني التي تابعت موقفها على المنوال الذي سعت إليه “إسرائيل” في “أسرلة ودمج وتذويب الهوية الوطنية لفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948” وحاولت التخفيف من حدة الموضوع والقول بأن “إقامة الدولة الفلسطينية قد تُلبي احتياجات عرب إسرائيل القومية من خلال إفساح المجال للتضامن والتماثل معهم”، بينما تنحو بعض الأوساط البراجماتية “الإسرائيلية” المحسوبة على تيارات اليسار الصهيوني ومن داخل حزب العمل تحديداً للقول “من الأفضل التركيز على توفير حلول عملية للضائقة التي يعاني منها الوسط العربي بدلاً من التمحور حول القضايا الأيديولوجية المبدئية” بينما يقول يوسي بيلين من قيادة تيارات “اليسار الصهيوني” بلغة مليئة بالديماغوجيا بأن “إسرائيل تستطيع أن تكون دولة يهودية، وفي نفس الوقت دولة لكل مواطنيها”، بينما يقول الزعيم التاريخي حزب شاس اليميني التوراتي إيلي يشاي “إنه لا يوجد تناقض على المستوى الديمقراطي بين ضمان طابع الدولة اليهودي وبين وجود الأقلية العربية”، وعند الاتجاهات الأكثر يمينية نجد اليهودي الروسي المستوطن على أرض فلسطين وزعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيجدور ليبرمان الذي لا يؤمن بالتعايش ويعتقد أن كون “إسرائيل” يهودية أهم من كونها ديمقراطية، ومن هنا تصبح التفرقة ضد المواطنين الأصليين من أبناء البلد من الفلسطينيين العرب فيها مسألة مبررة مع تواصل النظر إليهم كتهديد إذا لم يكن أمنيًّا فديمغرافيًّا.
وفي كل الحالات، إن الوقائع الدامغة أثبتت أن المواطنين العرب داخل فلسطين المحتلة عام 1948 مع تقبلهم “الانصياع لقوانين الدولة العبرية رغماً عنهم مع تسليمهم بوجودها في ظل الاختلال المريع للقوى بين الطرفين”، إلا أنهم لم ولن يكونوا مستعدين للتماثل معها وتنمية مشاعر الولاء تجاهها، وعليه فإن مبادرات ملحوظة تتأتى في سياق البرنامج الكفاحي لأبناء الوسط العربي الفلسطيني داخل حدود العام 1948 لفضح وتعرية طبيعة دولة “إسرائيل” والنزعة العنصرية التي تَحكُم بناءها، عبر الدعوة لاستبدال الدولة الصهيونية بـ “دولة لكل مواطنيها” والمطالبة بحقوق العرب أبناء البلد الأصليين بما في ذلك تغيير الرموز مثل العَلَم والنشيد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2165388

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165388 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010