الأربعاء 30 حزيران (يونيو) 2010

مأزق الحقوق الفلسـطينية وأزمة القيادة التاريخية

الأربعاء 30 حزيران (يونيو) 2010 par ماجد الشيخ

يعاني الفلسطينيون على اختلاف مواقع تجمعاتهم، ظروف عيش بائسة، تتفاوت حدة بؤسها بين موقع وآخر، لكنها جميعا وفي المحصلة تشترك في أنها تواجه سياسات؛ بعضها فاشي وعنصري وتمييزي حاد، وبعضها لا يدخل في باب السياسة أصلا، قدر ما يشكل «العداء الطبيعي» مادة نظرته إلى الفلسطينيين؛ كشعب من «الغوييم» أو «الغرباء»، الأمر الذي بات يستدعي مؤخرا مواجهتهم بشعارات «الأولوية»، من قبيل «نحن الأول»، أما «الآخر» ومن ضمنه الفلسطيني؛ فهو إما في القاع، أو في مؤخرة ما يُزعم أنه ركب التقدم الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي عموما، ويجب أن يبقى كذلك، مهما استجدّ من متغيرات محلية أو إقليمية أو دولية.

لكن المفارقة المضحكة ـ المبكية، أن أصحاب شعارات «الأولوية» لبلدانهم، بدوا ويبدون، بلا مصداقية ومن دون جدية في التعاطي إيجابا، مع شعاراتهم التي وضعت أنظمتهم وشعوبهم، في سياقات ومجالات نقيضة، لما يفترض أن يجري تشريعه ليصب في مصاف المصلحة العامة، وإذ بتلك «الأولوية» تتحوّل أو هي لا تتجاوز حدود المصالح الخاصة، لهؤلاء وأولئك من «سدنة الأنظمة»، في دفاعهم عن دولة موهومة، الدولة غير المرئية وغير المجسّدة، فكأنها المجرد «المقدس» الذي لا ينبغي الاقتراب منه أو تجسيده، وإلاّ.. فقد «قدسيته»!

وفي لبنان، وإذ نتفهّم واقع الانقسامات والتوافقات الطوائفية المتمذهبة، والتي لا تنتمي إلى عالم السياسة أصلا، بل هي إلى عالم الغرائز أقرب؛ فإن منح الفلسطيني كإنسان حقوقه المدنية والاجتماعية، لا يضيف ولا ينتقص من واقع هذه الطائفة أو تلك، هذا المذهب أو ذاك، ولا يضيف أي قوة إلى أي منها، إلاّ في حسابات الهواجس والأوهام والعُصاب الذهني المنتمي إلى أطر العنصريات الفاشية والتمذهبات الطوائفية، فلماذا هذا الموقف المعادي للحق الإنساني الطبيعي لشريحة بشرية معينة، صدف وأنها لجأت إلى هذا البلد، ذات يوم من أيام نكبة العام 1948، أي منذ أكثر من 62 عاما. وهذه الشريحة تعاني آلاما مضاعفة من قبل العدو، كما ومن قبل الصديق أو الشقيق وحتى في علاقاتها البينية. ومن المؤسف أن ظلم الأشقاء العرب من سدنة أنظمة اللادولة أو الأنظمة الاستبدادية الأبوية ـ البطركية، أشدّ وأمضى، رغم ظلم أولئك السدنة من طوائفيي التمذهب الديني أو السياسوي لـ«رعاياهم»، الذين لم يبلغوا في نظرهم بعد، سن الرشد المواطني، لا إزاء حقوقهم الطبيعية، ولا تلك المكتسبة، في إطار ما يسمى النظام الديموقراطي المزعوم وأشباه الدساتير الموهومة.

أما هواجس التوطين، فهي ليست أكثر من «مصادقة إيمانية» موهومة، حين يخرج أصحابها باستنتاج قطعي ونهائي، أنه لن يكون هناك عودة للفلسطيني إلى أرض وطنه، وأن الأقرب إلى التحقق في الواقع، هي مسألة التوطين، وكأن «نضالات» أولئك المنافحين عن عنصرية طوائفية ومذهبية سمجة، إزاء عدم منح الفلسطيني حقوقه المدنية والاجتماعية في بلدان لجوئه، سوف تنجح بالقطع في رفض مسألة التوطين، في معزل عن الوضع الإقليمي والدولي، وفي عزلة عن السياسة؛ بينما المسألة أبعد من ذلك وأعمق، تتعدى إطار التهجير القسري إلى أي بلد آخر. وفي المقابل، إن سياسات تهجيرية جديدة، لشريحة لم تعد تتحمّل أعباء التهجير، ليست هي الأنجع لمحاربة التوطين، بل إن منحها حقوقها الطبيعية، هو وحده السبيل المفضي إلى إمكانية متابعة نضالاتها الوطنية، تأكيدا لحقها في العودة إلى ديارها، لا العمل على توطينها حيث هي.

وإذا كانت حقوق الإنسان الاجتماعية والمدنية لا تتجزأ، فمن الخطيئة تصوير الأمر وكأن هناك تعارضات بين الحقوق الاجتماعية والحقوق المدنية للفلسطينيين في بلدان اللجوء، كما يجري تصويرها في لبنان، وعلى ما تحدث البعض في مجلس النواب. كما أن إقامة تعارض آخر من قبيل ذاك التساؤل الذي يقول: «لماذا يعطي لبنان الفلسطينيين حقوقهم، فيما لا يعترف الفلسطينيون بالدولة اللبنانية؟» وهو تساؤل مغرض، يقوم على تزوير الحقيقة الساطعة كالشمس، وإلاّ إذا ما حاولنا تصحيح المقاربة المقلوبة، فإننا نقول ما دام الفلسطينيون يعترفون بالدولة اللبنانية، فإنهم يطالبونها بالاعتراف بحقوقهم، تلك التي تشكل وجه العملة الآخر لمسألة رفض التوطين، لا الإقرار بها، والمضي باستخدامها كفزاعة لدى كل أولئك المهجوسين بالخطر، على نظام هم أنفسهم يحاولون الانقلاب عليه، وتجييره وتكريسه لمصالحهم النخبوية الخاصة، وتجييش الطائفة وكسب عداوة الطوائف والشرائح الاجتماعية والطبقية الأخرى، بذريعة الدفاع عنها.

لهذا بالتحديد ينبغي تصحيح الخلل القائم بين منطقية الحقوق ولا منطقية مسألة التوطين، بمعنى تجاوز الربط اللامنطقي وإزالة الالتباس والتعالق اللامنطقي كذلك؛ بين منظومة الحقوق التي تنتمي إلى الحق الطبيعي للإنسان، وبين التوطين كمسألة سياسية، يناضل الفلسطينيون منذ 62 عاما لرفضها، وإلاّ كانوا قبلوا قرار التقسيم حين صدوره، وكفوا اللامؤمنين بحقوق الإنسان وغير المؤتمنين عليها؛ شرور القتال والمنافحة عمّا يعتقدون زورا أنها حقوق طوائفهم، فيما هي حقوق أقل القليل من نخب المتورطين بالدفاع عن سلطة أبوية، طالما اعتقدوا ويعتقدون أنها حق لهم دون غيرهم من أمثالهم.

إن حالة الحقوق الاجتماعية والمدنية في لبنان واحدة من حالات مماثلة، كما في الجليل والمثلث والنقب والضفة الغربية وقطاع غزة، وكل مناطق الشتات القريب والبعيد، تتطلب خطابا فلسطينيا جامعا وموحدا لا يتجزأ، ولا يجري تجييره لأحد، وهذا ما تقع مسؤولياته على عاتق حركة وطنية فلسطينية جديدة ترث تلك القديمة، دون أن تتخلى عن الأساسيات المكوّنة للكيانية الوطنية التي مثلتها منظمة التحرير الفلسطينية، عبر إعادة استنهاضها وبنائها لعناصر إجماعها الائتلافي ووحدتها الجبهوية الشاملة، وعناصر مبادأتها ومبادراتها الوطنية الخاصة، النابعة من إرادتها المستقلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165441

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165441 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010