الجمعة 13 أيلول (سبتمبر) 2013

أذكروا محاسن موتاكم

الجمعة 13 أيلول (سبتمبر) 2013 par أمجد عرار

قبل ثلاث سنوات خرج أحد المنتفخين حقداً والناضحين فتنة بخطبة طائفية، لو كان لمثله نفوذ أو تأثير لحرقت مصر كلّها، ولأدخلتها في دوّامة صراع طائفي لا يسر أحداً سوى الغربان الناعقة تحريضاً على الفتن . مثل هذه الأبواق السوداء تفعل فعلها اليوم وتعلّق جسد مصر على مشجب التشريح خدمة لمخططي مشروع تدمير مصر، كرأس للجسد العربي . وليس من قبيل الصدفة أو من باب البراءة أن يحاول البوق نفسه تشويه صورة القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات .

لم يكن عرفات مسيّجاً بهالة من القداسة ولا بحصانة تحميه من النقد والاختلاف معه كنهج وقيادة وليس كشخص، بل من أجل القضية الوطنية وليس ترفاً أو حباً في الاختلاف والنقد، أو على قاعدة “خالف تعرف”، ومن أجل البناء والتصويب وليس الهدم والتخريب . لذلك لم تخل سياسات وقرارات القائد الشهيد من نقد زملائه له، بل والافتراق عنه في مراحل متعددة من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة . لكن في كل تلك المراحل لم يصل منسوب الخلاف السياسي مع عرفات إلى درجة تخوينه أو النيل من رمزيته الوطنية، ولعل أبرز تعبير عن هذه الجدلية المازجة بين الاتفاق والاختلاف، والممزوجة باحترام ما يمثّله الرجل، تلك العبارة الموروثة عن حكيم الثورة الفلسطينية الذي كان يقذفها في وجه كل من يتجاوز حدود الخلاف السياسي وثقافة الاختلاف “أننا نختلف مع ياسر عرفات ولا نختلف عليه” .

من حيث المبدأ لا ينبغي أن ينزعج أحد، وبخاصة السياسي وصاحب القضية، من النقد، لا بل إنه هو نفسه مطالب بممارسة النقد الذاتي الذي وصفه القائد الفيتنامي هوشي منه بأنه بمثابة “خبز يومي” . لكن ما يحصل أحياناً على شاشات بعض الفضائيات، وببرمجة مسبقة من مديري برامجها الفتنوية وبنية مبيّتة، بدءاً من اختيار “الضيف” وانتهاء بآخر سؤال، ليس له أية علاقة بالنقد السياسي، بل بحلقة ردح فيها من الروائح النتنة ما لا تحتملها أنوف الجرذان .

ماذا يعني أن يقفز ضيف فضائية ومحاوره عن القاعدة الذهبية في عالم الأخلاق “إذكروا محاسن موتاكم” . كان لعرفات ما له، وكان عليه ما عليه، وهو لم يكن ممثّلاً لنفسه بل قائداً ورمزاً فلسطينياً أصاب وأخطأ، أنجز وأخفق، واستشهد اغتيالاً، ولا يمكن أن يكون تناول قيادي مثله بالشتائم والتوصيفات العشوائية السوقية، تعبيراً عن موقف أو حالة غضب أو حمية وطنية، بل اصطناع وافتعال وغاية مبيّتة في نفس مريضة ونوايا خبيثة هدفها دفع الجدل بعيداً عن ساطور الجزار الصهيوني الذي يعمل تقطيعاً في جسد فلسطين والقدس بل وأبعد منهما على المستوى العربي .

لم تصنع الفضائيات من أجل نثر البذاءات في منازل الناس وفرضها على آذان المشاهدين الذين من حقهم على كل عامل في الحقل الإعلامي أن يقدّم له الخبر والمعلومة والتحليل الموضوعي، كي يهيئ له معرفة طبيعة ودرجة حرارة الأرض التي يقف عليها في اللحظة السياسية الحرجة أو القائمة، وهذا لا يتحقق إلا بانتهاج الحقيقة وسيلة وغاية، في الآن ذاته . صحيح أن كل إناء بما فيه ينضح، لكن إذا ترك الحبل على الغارب، في ظل هذا الفلتان الفضائي والإلكتروني، فلن يسلم رمز وطني أو عربي أو أممي من أنياب المغرضين .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165779

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165779 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010