الجمعة 13 أيلول (سبتمبر) 2013

“منظمة شنغهاي للتعاون” وريث لحلف وارسو

الجمعة 13 أيلول (سبتمبر) 2013 par رغيد الصلح

يرشح البعض “منظمة شنغهاي للتعاون” التي تنعقد قمتها في بشكيك عاصمة قيرغيزستان لكي تصبح منافساً للحلف الأطلسي . ولكن هذه النظرة تبدو بعيدة عن الدقة لأن المنظمة لا تزال طفلاً صغيراً بالمقارنة مع الأطلسي . صحيح أن عمرها يزيد على عقد من الزمن، إلا أنها لا تزال بعيدة عن امتلاك طاقات الناتو . فرغم أنها تضم دولتين كبيرتين إحداهما كانت يوماً من الأيام قوة عظمى، وصحيح أنها تضم قوى بازغة آسيوية، ولكن الدول الأعضاء فيها لم تمنحها مقداراً كافياً من الاهتمام يساوي ذاك الذي تغدقه دول الغرب على حلف الأطلسي . فحتى عام 2005 لم يكن عدد العاملين في الأمانة العامة للمنظمة يزيد على الثلاثين شخصاً، وحتى عام 2007 لم تكن ميزانيتها تتجاوز الأربعة ملايين دولار .

ورغم أن المنظمة ولدت، كما يقول إعلان ولادتها، العام 2001 من أجل محاربة الإرهاب والانفصالية والتطرف، إلا أن عدد المناورات العسكرية المشتركة التي أجرتها بين دولها لم يزد حتى عام 2008 على الأربع .

واستخدمت القوات المشتركة في هذه المناورات أسلحة تقليدية في حين أن الحرب ضد الإرهاب وضد منظماته والمنظمات الانفصالية والمتطرفة يتطلب سلاحاً يختلف عن السلاح التقليدي . ورغم أن المنظمة وضعت هدف التنمية فوق الأهداف الأخرى، إلا أنها لم تسجل حتى هذا التاريخ نجاحاً ملحوظاً في مجال التجارة البينية، ومن ثم في مجال النمو الاقتصادي . فقبيل سنوات لم يتجاوز حجم هذه التجارة نسبة 3% من مجمل تجارة الدول الأعضاء الخارجية .

ورغم أن عضوية المنظمة تفترض التنسيق بين الأعضاء والمواقف المشتركة بينهم في القضايا المتعلقة بالإرهاب، إلا أن الدول الأعضاء لم تدعم موسكو عندما أرادت معاقبة حكومة جيورجيا بسبب دعمها للجماعات الإرهابية والانفصالية في روسيا . هذا حال منظمة شنغهاي للتعاون اليوم، فهل هناك من مسوغ للاعتقاد بأنها سوف تتطور إلى منافس للأطلسي ووريث لحلف وارسو؟

هناك مبرر لمثل هذا الاعتقاد بالعودة إلى تاريخ العلاقات بين الغرب والشرق، وبالعودة إلى ما يجري اليوم في سوريا حيث تدول الصراع وتحول، إلى حد بعيد، إلى صراع اطلسي- أوراسي . إذا بدأنا بتاريخ العلاقات بين الغرب والشرق، نجد أنه كثيراً ما تحولت مناسبات لتحسين العلاقات بين الجانبين، ومن ثم لتغليب مناخات السلام الدولي على الصراعات، إلى مناسبات لتأزيم الأجواء الدولية وترجيح منطق الحرب على آمال السلام .

فبعد وفاة جوزف ستالين عام 1953 وما كان يمثله من تشدد على صعيد العلاقات بين الجانبين، توقع الكثيرون أن تتحسن العلاقات الدولية . وتعززت هذه التوقعات عندما انعقد مؤتمر برلين لبحث المسألة الألمانية ولتوطيد السلام القاري . وخلال المؤتمر وبعده تقدمت موسكو بثلاثة مشاريع متتالية من أجل توحيد ألمانيا بصورة سلمية وضم دول أوروبا كلها مع الولايات المتحدة في مؤتمر موحد من أجل ضمان السلام في الفضاء الأطلسي . إلا أن حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا رفضت جميع المقترحات .

كان الدافع إلى تقديم هذه المقترحات التخوف الروسي من إحياء الروح العسكرية الألمانية ومعها التوسعية الألمانية في الشرق . بالمقابل كان الحافز إلى رفض هذه المقترحات، هو السماح لألمانيا باستعادة قوتها العسكرية مع إعطائها دوراً رئيساً في منظومة الدفاع الغربية ضد الاتحاد السوفييتي . لذلك، وبعد أن وافقت دول الأطلسي على انضمام ألمانيا إلى الحلف، سارع الاتحاد السوفييتي مع ست من دول الكتلة الشرقية إلى تأسيس حلف وارسو .

وكما توقع الكثيرون تحسن الأجواء الدولية بعد وفاة ستالين، نشطت التوقعات المتفائلة بصدد مستقبل السلام والتآلف الدولي بعد سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة . وكان من بين المتفائلين آخر الزعماء السوفييت غورباتشوف الذي كان مقتنعاً بأن دول الأطلسي لن توسع نشاطها شرقاً بعد أن قرر سحب القوات السوفييتية من دول الكتلة الاشتراكية . إلا أن هذه التوقعات كانت أبعد ما تكون عن الواقع . فإبان رئاسة بوريس يلتسين، التي اتسمت بسيطرة الأوليغاركيين على السلطة، وبتفكك الدولة الروسية، اشتدت المحاولات الأمريكية بصورة خاصة الرامية إلى الإجهاز على الدولة الروسية . في هذا السياق بدأت جهات أمريكية تبحث بجدية في “شراء” سيبريا من روسيا وضمها إلى الولايات المتحدة .

رافق هذا الوضع الروسي المتردي توسع الحلف الأطلسي في الشرق بضمه بولونيا، المجر، جمهورية تشيكيا ودول البلطيق الى صفوفه، فضلاً عن عقد المعاهدات الاقتصادية والعسكرية مع جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي وتبني الحركات الانفصالية في بلاد الشيشان .

تغير الموقف بعد صعود فلاديمير بوتين إلى رئاسة الدولة الروسية، إذ تمكن من إعادة التماسك إلى الدولة الروسية، وإلى تحسين الأوضاع الاقتصادية فيها . إلا أن السياسة التي اتبعتها دول الأطلسي تجاه روسيا إبان مرحلة يلتسين لم تتغير . واستمرت المساعي الأطلسية لتأليب جيورجيا وأوكرانيا ودول آسيا الوسطى على روسيا . واضيف إلى ذلك سعي إلى إحاطة روسيا بزنار من منظومة الدفاع الصاروخية بحجة أنها موجهة ضد إيران وليس ضد روسيا .

وكما دفع ضم ألمانيا الاتحادية إلى حلف الأطلسي روسيا، إضافة إلى حلفائها، إلى تأسيس حلف وارسو، فإن السياسات المشار إليها أعلاه، جعلت روسيا تتفاهم مع الصين ومع جمهوريات آسيا الوسطى، على تأسيس “منظمة شنغهاي للتعاون” . وقد أدركت بكين وموسكو أن الأزمة السورية ومحاولة دول الأطلسي توجيه تداعيات “الربيع العربي” على نحو يخدم مصالحها تشكلان تحدياً كبيراً لدول شنغهاي . كذلك ادركت الصين وروسيا أن التعاون الوثيق الذي عم دول المنظمة سمح لدول شنغهاي بأن تؤثر في مسار الأزمة، وألا تستبعد من مسرح للأحداث استثمرت فيه الكثير من طاقاتها المادية والمعنوية، خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين . لذلك فمن المرجح أن تتجه دول منظمة شنغهاي إلى تطويرها والنهوض بها حتى تصبح لاعباً مهماً على الصعيد الدولي . قد لا يصل هذا اللاعب إلى مستوى اللاعب الأطلسي، ولكنه من غير المستبعد أن يصل إلى أهمية حلف وارسو، وبالتالي يصبح وريثاً له .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165395

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165395 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010