الثلاثاء 29 حزيران (يونيو) 2010

عزلة صهيونية غير مسبوقة

الثلاثاء 29 حزيران (يونيو) 2010 par فيصل جلول

تفصح ردود فعل الجاليات اليهودية في أنحاء مختلفة من العالم إزاء الاعتداء الصهيوني على “أسطول الحرية” أن انكساراً وقع بين تل أبيب وتلك الجاليات، وإن كان حجمه وعمقه يختلف من جالية إلى أخرى . وهي المرة الأولى التي تواجه فيها الدولة العبرية تحدياً من هذا النوع في فضائها المباشر . ولعل تقييم هذا الانكسار وتقدير أثره في مستقبل تل أبيب يحتاج إلى رسم الخطوط العريضة لهذا التحدي الطارئ والتي يمكن حصرها في البنود التالية:

أولاً: تجمع أكثرية معتبرة من يهود العالم على الاعتقاد بأن “إسرائيل” تحولت من موقع يزعم حماية اليهود إلى موقع يحتاج هو نفسه كي يبقى إلى دعم الجاليات اليهودية . بعبارة أخرى صارت الدولة العبرية عبئاً على يهود العالم بدلاً من أن تكون حامياً ومعينا لهم .

ثانياً: تحسب تل أبيب أن عليها أن تتبع السياسة الخارجية التي تراها ملائمة، وأن على يهود العالم أن يبرروا هذه السياسة، وأن يقبلوا بها بوصفهم الأبعد عن ميدان المجابهة، وأن الذي يجابه مباشرة هو الذي يقرر، والذي يؤازر لا يحق له تقرير ما ينبغي على خطوط المجابهة . والواضح أن قسماً مهماً من يهود العالم ما عاد يطيق هذا المعادلة، خصوصاً أنه مطالب في المجتمعات الغربية بتفسير دعمه غير المشروط لدولة متهمة بالإبادة الجماعية، وبكونها الوحيدة بين دول العالم المنفردة باحتلال أراضي الغير وانتهاج سياسات عنصرية، والخروج عن الكثير من قواعد العلاقات الدولية .

ثالثاً: تأخذ الجاليات اليهودية على تل أبيب إهمالها للمتغيرات العالمية، خصوصاً بعد انهيار الحرب الباردة، ويلاحظ معلقون من أصول يهودية أن عهدي بوش الابن انطويا على رهانات خادعة بامكانية تغيير البيئة الشرق أوسطية تغييراً جذرياً لمصلحة “إسرائيل”، وأن حصيلة السياسة البوشية جاءت معاكسة تماماً لتلك الرهانات، وبالتالي كان على تل أبيب أن تعاين هذا التغيير بواقعية، وأن تواكبه بسياسة مناسبة بيد أنها بادرت إلى المزيد من التصعيد والتشدد عبر حرب غزة، التي توقفت بايعاز من فريق أوباما قبل تنصيبه، ومن بعد عبر اختيار نتنياهو لإدارة المرحلة الجديدة وهو الذي أخفق في إدارة علاقات بلاده مع واشنطن والغرب قبل 11 سبتمبر/أيلول ،2001 وقبل الفشل الأمريكي والأطلسي في العراق وأفغانستان، ومن بعد عبر خيار صريح بتكثيف الاستيطان، وبالتالي قطع الطريق على تسوية مع الرئيس محمود عباس والمعتدلين العرب هي الوحيدة التي يجمع عليها الغرب والقسم الأكبر من الأنظمة العربية .

رابعاً: تعتقد النخبة اليهودية في العالم أن التشدد “الإسرائيلي” حيال التغيرات العالمية يلحق أذى بالكيان الصهيوني، لأنه يحيط تل أبيب بعزلة دولية لن تقوى على كسرها، وبالتالي ستكون حالها أشبه بحال جنوب إفريقيا التي اضطرت للتخلي عن نظامها العنصري وتفكيك دولة البيض لمصلحة دولة ثنائية القومية، سرعان ما ستنتهي إلى دولة ذات قومية واحدة .

خامساً: لقد أدى الهجوم الوحشي على “أسطول الحرية” إلى انكشاف مجمل هذه العناصر، وبالتالي إلى تَخَلٍّ أمريكي عن حماية هذا الهجوم معطوفاً على تَخَلٍّ أوروبي يمكن اعتباره صفارة الانذار الأخيرة إزاء الدولة العبرية، التي شبهها توماس فريدمان بسائق يقود سيارته في حالة سكر وهذيان، وهو التجرؤ الأكبر من نوعه إزاء تل أبيب . والواضح أن إصرار نتنياهو على تجاهل هذا التحذير، وبالتالي تشكيل لجنة تحقيق “إسرائيلية” في الهجوم “الدنيء” على باخرة مرمرة (بحسب رجب طيب أردوغان)، وإهمال دعوة مجلس الأمن لتشكيل لجنة دولية، كل ذلك من شأنه أن يعمق الهوة بين الحكومة الصهيونية والدول الغربية، وأن يوسع طوق العزلة حول “إسرائيل”، الأمر الذي سيفضي إلى انكسارات أكبر مع الجاليات اليهودية، وإلى تبرؤ يهودي من سياساتها ومواقفها بدأت ملامحه قبل أسابيع في أوروبا عبر ابتعاد شخصيات معروفة بتأييدها الثابت للكيان عن حكومة نتنياهو وقد وقع ما يشبه ذلك في الولايات المتحدة وإن بحجم أقل .

ولعل المستجد الأكبر في الهجوم على قافلة الحرية هو الصيحة التركية المناهضة ل”إسرئيل” حيث تقول صحف الجالية اليهودية في اسطنبول إن تل أبيب ارتكبت خطأ كبيراً في هذا الهجوم، من شأنه أن ينقل تركيا إلى موقع مناهضٍ، وهي المعروفة بتأثيرها الاستراتيجي في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والحلف الأطلسي، وبالتالي من الصعب على الولايات المتحدة أن تتجاهل هذا الحليف الاستراتيجي المهم، وأن تتخلى عنه لمصلحة “إسرائيل” الحليف العبء الذي يتسبب بالضرر للغرب بدلاً من الدفاع عنه .

وسط هذه الأجواء التي تفصح عن انكسار أخذ بالاتساع بين “إسرائيل” ويهود العالم، ظهر صوتان مميزان في أوروبا خلال الأيام القليلة الماضية، واحد أطلقه خوسيه ماريا أزنار الوزير الاسباني الأول سابقاً، وحذر فيه من سقوط الغرب إذا ما سقط نتنياهو، والآخر عبر عنه دومينيك دوفيلبان الوزير الفرنسي الأول سابقاً، حين قال ل”الإسرائليين” انتبهوا فإن الغرب يلحس الغبار في العراق وأفغانستان، وما عاد بوسعه أن يغطي حماقاتكم، إذن عليكم بحل الدولتين أو تحمل العواقب . تبقى الإشارة إلى المستور في هذه البيئة السياسية المستجدة، وهو صعود المقاومة على حدود “إسرائيل”، وتذكير من يرغب بأنها ما عادت قادرة على الانتصار، أي ما عادت مؤهلة للعب الدور الذي كانت تلعبه لمصلحة الغرب في الشرق الأوسط . هنا التفسير الأكبر ومن هنا يتوجب النظر إلى الانكسارات المذكورة وإلى تلك المقبلة . . وأن طال السفر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010