الخميس 12 أيلول (سبتمبر) 2013

أمريكا تقود بصعوبة

الخميس 12 أيلول (سبتمبر) 2013 par جميل مطر

سوريا كانت حاضرة بقضيتها في قمة سان بطرسبرغ وهي ليست عضواً في مجموعة العشرين . كانت حاضرة بثقل يفوق ثقل أعضاء عديدين جاؤوا بوفود جرارة، وتصدرت قضيتها اهتمامات القمة رغم أنها لم تكن بنداً في جدول الأعمال .

القمة كانت كاشفة، بمعنى أنها كانت فرصة لنطلع عن كثب وعملياً على حجم التحولات الجارية في النظام الدولي وعمقها . تعودنا أن نقضي العام بأسره نخمّن ونحاول استخلاص نتائج من تطور علاقات الدول بعضها بالبعض الآخر . نصيب أحياناً ونخطئ كثيراً . فالتفاصيل وبخاصة إذا تعددت وتمددت وتنوعت تكون في كثير من الحالات العائق الأكبر أمام تشكيل رؤية شاملة لحال العالم في لحظة من اللحظات . أما في قمة كتلك التي انعقدت في المدينة التي حملت اسم القديس بطرس قبل أن يقرر الشيوعيون أنها تستحق اسم “الرفيق لينين”، فيتعين على المتابع المتخصص أن يرى القضايا الدولية وقد اجتمعت في بوتقة واحدة وقد نفضت عن نفسها غبار الغموض والالتباس وخلعت رداء الخصوصية والانفراد .

لم يكن خافياً علينا كمراقبين من الخارج، ولا على الخبراء والسياسيين الذين اشتغلوا طويلاً في الإعداد لهذه القمة، أن القطب الأكبر فيها، وهو الولايات المتحدة، يشعر أن الزمن الراهن ليس أحسن أزمنته وأن أداءه لن يكون على المستوى اللائق بمكانته أو بدوره في أعمال القمة منذ أن كانت قمة السبع ثم الثماني إلى أن أصبحت قمة العشرين .

وصلت الوفود إلى سان بطرسبرغ، ومنها وفد روسيا، متأثرة جميعها بسلسلة من الأحداث كانت أمريكا اللاعب الأساسي فيها . جاءت متأثرة مثلاً بقرار مفاجئ اتخذه الرئيس أوباما يعكس نية أمريكا في أن تشن حرباً جديدة . جرت العادة في عقود سابقة على اعتبار مثل هذا القرار حدثاً عادياً في السياسة الأمريكية وإن كان يرتب على الدول مسؤوليات معروفة ومتوقعة . ولم يتوقف العمل بهذه العادة إلا بعد أن اتضحت للعالم كله العواقب الكارثية التي تسببت فيها الحرب ضد العراق، بل يمكن القول إنه لم يعد يوجد في أمريكا نفسها إلا قليلون جداً مثل رامسفيلد ورفاقه من المحافظين الجدد ممن يعتقدون أن الحرب كانت ضرورية .

وبسبب عواقب حرب العراق جاء أوباما إلى الحكم محمولاً على رغبة شعبية بوقف كافة الحروب . قال هو نفسه قبل أيام، جئت إلى الحكم بطلب من الشعب الأمريكي لأوقف الحروب . وقدم الدليل حين قرر سحب جيوشه من أفغانستان وتخفيض الإنفاق العسكري . ولعله كان صادقاً، بل ولعل هذا الموقف هو الذي جعل باراك أوباما يظهر في مؤتمر قمة العشرين، كما لو كان متردداً أو متخبطاً أو مرتبكاً . .

أو وهو الأدهى جعله يظهر كما لو كان يحمل رسالة إلى العالم فحواها أن “أمريكا تعتذر عن انسحابها من منصب الزعامة” .

تعددت التفسيرات أو التبريرات لسلوك الرئيس الأمريكي في القمة . . سمعنا من يقول إن الرئيس كان منهكاً بعد أسبوع أو أكثر من “المناكفة” مع المشرعين وقادة الرأي الأمريكيين حول عزمه توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا . آخرون قالوا إنه جاء إلى روسيا غاضباً بسبب قبولها طلب ادوارد سنودين الباحث بهيئة الأمن القومي الأمريكية اللجوء فيها .

قيل أيضاً إن هناك في أمريكا من حذروا من أن الرئيس بوتين أعد له كميناً ليكتشف العالم حدود القوة الحقيقية للولايات المتحدة، حين يصل الى المؤتمر فيجد دعماً ضعيفاً أو لا دعم على الإطلاق من غالبية أعضاء القمة وبخاصة من حلفائه الأقربين . كان فلاديمير بوتين، بل كنا جميعاً، نعرف أن المشرعين البريطانيين كبلوا رئيس الوزراء برفضهم دخول بريطانيا شريكاً لأمريكا في الحرب، وكان يعرف، وكنا نعرف، أن انجيلا ميركل لن تجازف بحكومتها وائتلافها من أجل دعم أوباما، وأن دول “البريكس” لن تدعم أمريكا وبخاصة السيدة روسيف رئيسة البرازيل وكذلك رئيس المكسيك وكلاهما غاضب باكتشافه خيانة الحليف والجار الأكبر الذي يتجسس عليهما .

أستبعد أن يكون فلاديمير أعد كميناً أو مصيدة ليصطاد باراك، أو بالأحرى أمريكا القطب الأعظم . لم يكن بحاجة لأن يقوم بمجهود كبير ليكتشف حدود قوة الغرب بقيادة أمريكا . باراك نفسه وفّر على فلاديمير هذه المهمة . فقد قيد أوباما نفسه بتصريح حذر فيه حكومة دمشق من استخدام السلاح الكيماوى باعتباره خطاً أمريكياً أحمر . هذا القيد، جعله يبدو، في أعقاب استخدام السلاح الكيماوى، مجبراً على إعلان النية في شن حرب ضد سوريا . في الوقت نفسه، سمح للكونغرس الأمريكي بتقييد حريته في اتخاذ قرار الحرب الذي يفرضه تجاوز الأسد للخط الأحمر، حين طلب من الكونغرس قراراً بشن الحرب أو على الأقل الموافقة على قراره توجيه الضربة . قيدان متناقضان يعكسان حالة تخبط أو سوء إدارة أو على الأقل تردداً في صنع القرار .

وفي القمة تعددت الأخطاء أو التصرفات الأمريكية التي أساءت أيّما إساءة إلى الموقف الأمريكى، إذ بدا واضحاً للكافة أن أوباما، أعلن نيته شن ضربة عسكرية لسوريا، ولم يكن قد اختار حلفاءه في الحرب .

كانت القمة كاشفة . كاشفة للأساليب التي طرأت أو تغيرت في عملية صنع السياسة في واشنطن، وكاشفة للمدى الذي وصلت إليه مرحلة “ما بعد الكولونيالية” في السياسة الدولية . رأينا بريطانيا تتخلى لأول مرة عن المشاركة في تدخل عسكري غربي، ورأينا أثر هذا التخلي على مواقف وسياسات دول أوروبية أخرى . رأينا فرنسا وهي تعلن على لسان رئيسها وعلى الملأ أنها لا تملك القوة الكافية لتقف وحدها ضد سوريا، الدولة الصغيرة التي كانت إلى عهد قريب خاضعة لها ومحتلة بجيوشها . ولكننا رأينا ما هو أهم كثيراً، رأينا أمريكا وقد صارت غير قادرة على أن تشن ضربة عسكرية، أي صاروخية وجوية، ضد دولة من دول العالم الثالث، لمجرد الشك في أن هذه الضربة قد تستدعي إنزالاً برياً في حال تدخلت عناصر مسلحة من خارج الحدود، أو في حال اشتدت المقاومة السورية وتحولت الضربة حرباً .

لم يكن العالم في أيام الكولونيالية والحرب الباردة يسير على هذا النحو . كثير مما رأيناه يحدث على مشارف قمة العشرين وأثناء انعقادها ثم بعدها، جديد علينا .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165607

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165607 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010