الخميس 12 أيلول (سبتمبر) 2013

تطبيع بالأسماء والمواقف

الخميس 12 أيلول (سبتمبر) 2013 par أمجد عرار

عندما يحصل شيء خارج المتوقع والمألوف، يقول عجائزنا “عشنا وشفنا” . قبل بضع سنوات ذهب شخص في الأردن إلى الدائرة المعنية لإطلاق اسم إسحاق رابين على مولوده الجديد، “إعجاباً” برئيس الوزراء “الإسرائيلي” الذي اشتهر بتكسير عظام الفلسطينيين، وكان قبلها قائد الجيش الذي احتل القدس، وما حمله بينهما من مسؤولية مباشرة وغير مباشرة عن سلسلة مآس ألحقها كيانه بالفلسطينيين . بعد ذلك بفترة ليست طويلة توجّه شخص آخر في البلد العربي نفسه لتسجيل مولوده الجديد باسم نتنياهو، إعجاباً، على ما يبدو، بأشد القادة الصهاينة حماية لتهويد القدس تسريعاً للحفريات تحت المسجد الأقصى . وكان من الجيّد أن الدائرة المعنية رفضت الطلب في الحالتين .

قبل أسبوع خرج علينا خبر آخر عن شخص أردني أراد أن يطلق اسم “إسرائيل” على مولوده الذكر، والأنكى أنه رفع شكوى قضائية على دائرة الأحوال المدنية لأنها رفضت طلبه، وهو رفض منسجم مع موقف الأغلبية الساحقة من الشعب الأردني المرتبط عضوياً ومصيرياً بالقضية الفلسطينية، والرافض للتطبيع .

ها نحن اليوم نرى ونسمع ونقرأ عن محام يتقدّم ببلاغ إلى النائب العام المصري ضد كل من الفنان عمرو دياب والفنان هاني شاكر لتقديمهما أغاني عن القدس وفلسطين والوحدة العربية عبر السنوات العشر الأخيرة . للوهلة الأولى يظن القارئ أو السامع أن الأمر يتعلّق بأغان تتغنى بفلسطين على إيقاع الإساءة لمصر، علماً بأن أحداً تجري في شرايينه وأوردته دماء عربية وإنسانية لا يمكن أن يسيء إلى مصر .

لكن الصدمة تصبح مدوّية حين يتضح أن مقدّم البلاغ وضع في مسوّغاته أن الأغاني المقصودة تدعو إلى “الإرهاب” والتحريض على “إسرائيل” التي تربطها بالحكومة المصرية “معاهدات سلام” منذ انتصار حرب أكتوبر عام 1973 التي تصادف ذكراها الأربعون الشهر المقبل . إذاً، يأتي البلاغ قبل شهر من إحياء ذكرى أكتوبر، ومن المتعذّر أن نجد خلفه أي اعتبارات أخرى غير هذه المناسبة، طالما أن عمر الأغاني موضوع الشكوى أكثر من عشر سنوات .

عندما كنا فتياناً نلهو في الحارات ونلعب لعبة “اليهود والعرب”، كان أحدنا يقطّب حاجبيه غاضباً إذا نطق الآخر بكلمة “إسرائيل”، لا تستسيغها أذناه وعقله الغض، فيندهش ويغضب ويحتج ويحذّر من تكرار هذه الكلمة المرادفة للنكبة ولاغتصاب فلسطين وتشريد أصحابها في المنافي في أكبر عملية سلب ونهب وسرقة وإجرام في التاريخ البشري .

يوماً بعد يوم، لعبت الهرولة السياسية للنظام الرسمي العربي، بما فيه الفلسطيني، إلى جانب بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية، ولا فرق، دوراً في تطبيع بعض الألسن والآذان والعقول، وباتت الكلمة المنبوذة “طبيعية” . وبعد التطور الإعلامي العاصف الذي أدخلنا مرحلة الغبار الفضائي على الشاشات، وضعوا لنا “إسرائيل” على خريطة فلسطين، وظهر من الإعلاميين العرب من تجرأ علناً وبلا خجل على رفع يده والقول “تعظيم سلام لما يفعله الجيش “الإسرائيلي” بالفلسطينيين”، مثلما تجرأ آخر على دعوة القادة الصهاينة لإبادة غزة بالسلاح الكيماوي، في تعبير عن عدم الاكتفاء بالفوسفور الأبيض . وهل يخلو القصر المنيف من مجاري الصرف الصحي؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2180629

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2180629 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40