الأحد 8 أيلول (سبتمبر) 2013

إبطال مفعول قنابل أمريكا

بقلم:جيفري دي. ساكس*
الأحد 8 أيلول (سبتمبر) 2013

في حين ينظر الكونغرس الأمريكي في منح الإذن أو منعه في ما يتصل بالتدخل العسكري الأمريكي في سوريا، فيتعين على أعضائه أن يضعوا نصب أعينهم حقيقة أساسية: فبرغم لجوء الرئيس السوري بشار الأسد للعنف المفرط على نحو متكرر في محاولة للاحتفاظ بالسلطة، فإن الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات في الشرق الأوسط وأوروبا تتقاسم المسؤولية عن تحويل سوريا إلى ساحة للقتل .

فقد بذلت هذه الحكومات بقيادة الولايات المتحدة جهوداً حثيثة صريحة للإطاحة بالأسد بطريقة عنيفة . فمن دون مشاركة هذه الحكومات كان نظام الأسد ليظل قمعياً في الأرجح؛ ولكن بفضل تورطها في الأمر تحولت سوريا إلى موقع للموت الجماعي والدمار . فقد مات أكثر من 100 ألف إنسان، والكثير من كنوز العالم الثقافية والأثرية دُمرَت وهُدمَت .

اندلعت الحرب الأهلية في سوريا على مرحلتين . فكانت المرحلة الأولى، من يناير/كانون الثاني 2011 تقريباً إلى مارس/آذار ،2012 شأناً داخلياً إلى حد كبير . فعندما اندلعت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر في يناير ،2011 اندلعت الاحتجاجات في سوريا أيضاً . وإضافة إلى المظالم المعتادة في ظل نظام وحشي، كان السوريون يعانون جفافاً واسع النطاق وارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى عنان السماء . وتحولت الاحتجاجات إلى تمرد عسكري عندما انشقت أجزاء من الجيش السوري عن النظام وأنشأت الجيش السوري الحر . وفي الأرجح، كانت تركيا المجاورة أول دولة خارجية تدعم التمرد على الأرض، فأعطت الملاذ لقوات المتمردين على طول حدودها مع سوريا . وبرغم تصاعد أعمال العنف، فإن أعداد القتلى كانت لا تزال بالآلاف، وليس عشرات الآلاف .

ثم بدأت المرحلة الثانية عندما ساعدت الولايات المتحدة في تنظيم مجموعة كبيرة من البلدان لدعم التمرد . وفي اجتماع لوزراء الخارجية في اسطنبول في الأول من إبريل/نيسان ،2012 تعهدت الولايات المتحدة وبلدان أخرى بتقديم الدعم المالي واللوجستي النشط للجيش السوري الحر . والأمر الأكثر أهمية هو أن وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون آنذاك، أعلنت بوضوح: “نعتقد أن الأسد لابد أن يرحل” .

وكان ذلك التصريح غير المحدد الذي لم يتطرق إلى أي وسيلة واضحة لتحقيق الهدف المعلن سبباً في تأجيج التصعيد العسكري وارتفاع حصيلة القتلى في سوريا، في حين دفع الولايات المتحدة مراراً وتكراراً إلى الدفاع عن “مصداقيتها” بمحاولة الحفاظ على خط رسمته في الرمال وما كان لها أن ترسمه .

كانت الولايات المتحدة، ولا تزال، تزعم أنها تتحدث لمصلحة الشعب السوري . وهو أمر مشكوك فيه للغاية . ذلك أن الولايات المتحدة تنظر إلى سوريا في الأساس عبر عدسة إيران، فتسعى إلى إزاحة الأسد من أجل حرمان زعماء إيران من حليف مهم في المنطقة، حليف على حدود “إسرائيل” . وبالتالي فإن أفضل طريقة لفهم الجهود التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا تتلخص في وصفها بأنها حرب بالوكالة ضد إيران وهي الاستراتيجية البائسة التي أسهمت في ارتفاع وتيرة العنف إلى حد مهول .

الواقع أن روسيا كانت تلعب دوراً بناءً بدرجة معقولة في ذلك الوقت، ولو أن هذا الدور كان يقوم على بقاء الأسد في السلطة طوال الفترة الانتقالية على الأقل، إن لم يكن إلى أجل غير مسمى . وقد سعت روسيا إلى تبني نهج عملي براغماتي يكفل الحماية لمصالحها التجارية في سوريا وقاعدتها البحرية في ميناء طرطوس، في حين يضع حداً لإراقة الدماء . كما دعم الروس علناً مبادرة عنان للسلام . ولكن مع تمويل الولايات المتحدة وغيرها للمتمردين، ذهبت روسيا (وإيران) إلى تزويد النظام بالمزيد من الأسلحة والأسلحة الأكثر تطوراً .

الآن، وبعد استخدام الأسلحة الكيماوية، ربما من قِبَل الحكومة السورية (وربما من قِبَل الجانبين)، تعود الولايات المتحدة إلى تصعيد الرهان . وبتجاهل وتجاوز الأمم المتحدة مرة أخرى، تعلن الولايات المتحدة عن اعتزامها التدخل بشكل مباشر بقصف سوريا، ظاهرياً بطبيعة الحال لردع أي استخدام للأسلحة الكيماوية في المستقبل .

الواقع أن دوافع الولايات المتحدة ليست واضحة بالكامل . ولعل الأمر لا ينطوي إلا على الغياب الجوهري لأي منطق في السياسة الخارجية، فضلاً عن قدر كبير من عدم المبالاة . وإذا كان في الأمر أي نوع من المنطق، ولو كان ضعيفاً، فيبدو أن هذا المنطق يدور حول إيران و”إسرائيل”، وليس حول سوريا في حد ذاتها . فالعالم يحتوي على العديد من الأنظمة الدكتاتورية التي لا تحاول الولايات المتحدة الإطاحة بها . بل إن العديد من هذه الأنظمة حلفاء مقربون لأمريكا ظاهرياً . لماذا إذاً تستمر الولايات المتحدة في دعم ذلك التمرد الفتاك في حرب أهلية تتصاعد بشكل خطر وعلى نحو مستمر، حتى بلغت الآن نقطة شن هجمات بأسلحة كيماوية؟

الأمر ببساطة أن إدارة الرئيس باراك أوباما ورثت فلسفة المحافظين الجدد في تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط . والفكرة الغالبة هنا تتلخص في إعطاء الولايات المتحدة لنفسها وحلفائها المقربين الحق في اختيار من يحكم في المنطقة . فالأسد لابد أن يرحل، ليس لأنه حاكم مستبد، بل لأنه متحالف مع إيران، وهذا كاف من منظور الولايات المتحدة و”إسرائيل” وتركيا والعديد من البلدان الأخرى لاعتباره يشكل تهديداً إقليمياً .

بل إن الولايات المتحدة ربما استُدرِجَت لخدمة المصالح الضيقة الخاصة لهذه الدول، سواء كانت رؤية “إسرائيل” غير المقنعة لأمنها الشخصي أو معارضة بعض الدول لإيران . بيد أن انفصال سياسة الولايات المتحدة الخارجية عن القانون الدولي من غير الممكن أن يفضي في الأمد البعيد إلى أي شيء غير المزيد من الحروب .

الآن، يتعين على الولايات المتحدة أن تعكس مسارها . فالهجوم الأمريكي المباشر على سوريا من دون دعم من الأمم المتحدة من المرجح أن يشعل المنطقة لا أن يساعد على حل الأزمة هناك وهي النقطة التي حظيت بالقدر المناسب من التقدير في المملكة المتحدة، حيث وجه البرلمان ضربة قوية إلى الحكومة برفض المشاركة البريطانية في الضربة العسكرية .

ينبغي للولايات المتحدة بدلاً من ذلك أن تقدم الدليل على الهجمات الكيماوية للأمم المتحدة؛ وتدعو مجلس الأمن لإدانة الجناة؛ وتحيل مثل هذه الانتهاكات إلى المحكمة الجنائية الدولية . وعلاوة على ذلك، ينبغي لإدارة أوباما أن تحاول العمل مع روسيا والصين من أجل فرض اتفاقية الأسلحة الكيماوية . وإذا فشلت الولايات المتحدة في هذا، في حين ظلت تعمل بشكل دبلوماسي وشفاف (من دون شن هجمات من جانب واحد)، فإن روسيا والصين سوف تجدان نفسيهما معزولتين عالمياً في ما يتصل بهذه القضية المهمة .

وعلى نطاق أوسع، يجب على الولايات المتحدة أن تكف عن استخدام بلدان مثل سوريا كوكلاء ضد إيران . صحيح أن سَحب الدعم المالي واللوجستي الذي تقدمه الولايات المتحدة للتمرد، ودعوة الآخرين إلى القيام بنفس الشيء، لن يعالج الاستبداد في سوريا ولن يحل القضايا الأمريكية مع إيران، ولكن هذا كفيل بوقف عمليات القتل والدمار الواسعة النطاق في سوريا أو تقليصها إلى حد كبير .

وهو كفيل أيضاً بتمكين الأمم المتحدة من استئناف عملية السلام، وهذه المرة مع عمل الولايات المتحدة وروسيا معاً من أجل كبح جماح العنف، وتحجيم تنظيم القاعدة وإبعاده (وهي مصلحة مشتركة)، وإيجاد حل عملي أطول أجلاً للانقسامات الداخلية العميقة في سوريا . وبهذا يصبح من الممكن أيضاً إحياء سبل البحث عن وسيلة تتعايش بها الولايات المتحدة سلمياً مع إيران حيث يشير وجود رئيس جديد هناك إلى تغيير في مسار السياسة الخارجية .

لقد حان الوقت لكي تساعد الولايات المتحدة على وقف القتل في سوريا . وهذا يعني التخلي عن الخيال المتوهم الذي يوحي إليها بأنها قادرة على أو ينبغي لها تحديد من يحكم من في الشرق الأوسط .

*مدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2177373

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2177373 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40