الخميس 5 أيلول (سبتمبر) 2013

ضربة أم حرب من أجل «إسرائيل»؟

الخميس 5 أيلول (سبتمبر) 2013 par د. فوزي الأسمر

سيطرت خلال الأيام القليلة الماضية، وبشكل غير مسبوق، اخبار إمكانية قيام الولايات المتحدة وبعض من حليفاتها بتوجيه ضربات جوية وبحرية على سورية. وبدأ تخبط في الأجواء السياسية والعسكرية في أمريكا، يشبه إلى حد كبير التخبط الذي كان قائما قبل غزو العراق، ولكن في تلك الفترة كانت كفة المؤيدين للغزو هي الراجحة، لدرجة أنها غطت على الأصوات العاقلة التي تنادي بالتروي ودراسة الأمور بعقلانية. وتبين اليوم أن عدم التروي أدى إلى واحدة من أكبر الفضائح التاريخية، إذ تبين أن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وهي الحجة التي استعملتها أمريكا للحصول على الأغلبية في الأمم المتحدة، كانت أكذوبة روجت لها إسرائيل بهدف تدمير العراق تمشيا مع استراتيجيتها الشرق أوسطية.
والمعارضة التي تواجهها إدارة الرئيس باراك أوباما نابعة من عدة محاور أساسية لم تواجه إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. المحور الأول يتلخص في المعارضة الشعبية الأمريكية) والعالمية) التي قد يكون لها تأثير على الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس الأمريكي، بعد أقل من سنتين، وعلى الانتخابات الرئاسية، بعد أقل من سنتين أيضا. فقد انتخب أوباما للمرحلة الثانية لأنه رفع شعار عدم الخوض في مواجهات عسكرية، إلا إذا كانت تهدد الأمن القومي الأمريكي، والحرب في سورية ليست في هذا الوارد، إلا إذا اعتبرت واشنطن أن هناك تهديدا على أمن إسرائيل، وان إسرائيل تشكل جزءا من الأمن القومي الأمريكي. كما أن تعهد أوباما بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان مع حلول 2014، زاد من شعبيته، وكثيرون صوتوا له بسبب هذا الموقف (طبعا هناك أسباب أخرى أدت إلى انتخابه لا مجال لها في سياق هذا المقال) .
المحور الثاني، الخلاف القائم بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع والكونغرس، فقد أدى تسرع أوباما بتبني الموقف الإسرائيلي حول استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي، إلى تذكير البنتاغون والكونغرس الأمريكي بما حصل في العراق، وتبين في ما بعد أن المعلومات التي قدمها البيت الأبيض للكونغرس كانت مبنية على معلومات تلقاها البيت الأبيض من المخابرات الإسرائيلية، وكانت كلها غير صحيحة. واستغلت إسرائيل الوضع وقامت الولايات المتحدة بغزو العراق ودفعت الثمن غاليا.
كما أدى خطاب وزير الخارجية الأمريكي في حينه، كولن باول، في الأمم المتحدة ورفعه صور سيارات (صهاريج) تحمل ما سماه بمواد لصنع أسلحة دمار شامل، إلى استعطاف الدول، وحصلت أمريكا على مبتغاها، ولكنها خسرت ثقة هذه الدول بعد أن انكشفت حقيقة الأمر. واليوم يواجه الرئيس أوباما نفس المشكلة. ومنذ بداية الأزمة مع سورية كان موقف البنتاغون ووكالات الاستخبارات الأمريكية، هو عدم التسرع في تبني المعلومات المخابراتية التي تبعث بها المخابرات الإسرائيلية. ورغم أن المعلومات التي حصلت عليها المخابرات الأمريكية من إسرائيل كانت قد تخطت الخطوط الحمراء التي وضعها البيت الأبيض، إلا أن البنتاغون لا يزال مصمما على موقفه ويدعو البيت الأبيض الى فحص كل المعلومات الواردة من إسرائيل بشأن الوضع في سورية، فقد تكون معلومات مفبركة. والبُعد الآخر ظهر في التساؤلات التي أطلقها أعضاء الكونغرس الأمريكي. ففي مقال مطول نشرته صحيفة ‘واشنطن بوست’ بتاريخ 2/9/2013، جاء فيه أن الكثيرين من أعضاء الكونغرس يتساءلون عن ماذا ستحقق الضربة العسكرية لسورية؟ وتبين أن هذا الموقف لا ينحصر بأعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري، بل هناك أعضاء من الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه الرئيس نفسه، يطرحون نفس سؤال، العراق يملك كميات هائلة من النفط الخام وغيره من الثروات الطبيعية، فماذا تملك سورية؟
وهذا مربط الفرس، وهو المحور الثالث، سورية تشكل العمود الفقري للموقف القومي العربي، هذا الموقف الذي تريد إسرائيل التخلص منه. كما أن موقف سورية القومي هو الذي يقف عظمة في حلق الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وتحارب مخططاتها واستراتيجياتها في المنطقة.
ولا نبالغ عندما نقول ان كل هذه التحركات جاءت لتدعم إسرائيل. وبالتالي تؤكد أمريكا أن هذه الدولة هي جزء من الأمن القومي الأمريكي .
وتحرك الرئيس أوباما نفسه لإقناع أعضاء الكونغرس من الحزبين بتبني موقفه بالنسبة للأزمة السورية، هو بمثابة ‘انتحار’ سياسي وتاريخي. فكل الجهود التي بذلها للحصول على هذه المواقف، وأمله في الحصول أيضا، على جائزة نوبل للسلام قد تذهب هباء. وكما هو معروف فإن المنظمات الصهيونية والمنظمات الداعمة لإسرائيل لا تخطو خطواتها بصورة عشوائية، فهي تدرس الوضع بشكل حذر. فالرأي العام الأمريكي يرفض موقف الرئيس أوباما بالنسبة للأزمة السورية، وكثيرون من أعضاء الكونغرس من الحزبين يرفضون ذلك أيضا، وحتى داخل الجالية اليهودية الأمريكية توجد اختلافات في الرأي، بالنسبة لتوجيه ضربة لسورية. والأسباب لهذا الموقف كثيرة، في مقدمتها أن إسرائيل ستكون واقعة تحت وابل من الصواريخ السورية، وربما يفتح حزب الله جبهة أخرى قد تؤدي جميعها إلى دمار البنية التحتية لإسرائيل، وبالتالي تتحمل هذه المنظمات مسؤولية إعادة بنائها، إضافة إلى القتلى والجرحى .
والموقف الدولي معارض لموقف البيت الأبيض، ظهر ذلك في تصويت البرلمان البريطاني، حيث هزم موقف رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي أخذ بتوجيه المعدات العسكرية من بوارج وطائرات لقواعد قريبة من سورية قبل موافقة البرلمان البريطاني. كما بدأ تراجع في الموقف الفرنسي، ورفضت ألمانيا المشاركة عسكريا، بالإضافة إلى مواقف روسيا والصين وغيرهما من الدول. ومع ذلك نقول انه لم يكن غريبا الدعم الذي وجهته ‘جامعة الدول العربية’ للموقف الأمريكي. فمن مصلحة بعض الدول العربية، ليس القضاء على شخص الرئيس السوري بشّار الأسد، بقدر ما هي معنية بكسر العمود الفقري القومي لسورية، وبالتالي عزل إيران من مسرح المنطقة، وهو أمل بعيد المنال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165336

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165336 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010