الأحد 1 أيلول (سبتمبر) 2013

دعوة هنية ومأزقا حماس والسلطة

الأحد 1 أيلول (سبتمبر) 2013 par د. فايز رشيد

فاجأ إسماعيل هنية رئيس الوزراء في الحكومة المقالة لسلطة غزة، الفلسطينيين, حين دعا الفصائل الفلسطينية كافة للمشاركة في السلطة القائمة في القطاع! بدايةً لا نعرف هل جاءت هذه الدعوة بنوايا صافية تقصد ما تقولوا أم أنها جاءت تعبيرًا عن الورطة والأزمة التي تمر بها حماس بعد إسقاط حكم الإخوان في مصر وعزل محمد مرسي مندوبهم في قصر الاتحادية. بغض النظر عن النوايا فإن الدعوة تشكل: خطوة إلى الأمام إذ إنها تجيء كسرًا لمبدأ أساسي للإخوان المسلمين (وحماس وباعترافها تُعتبر الفرع الفلسطيني للحركة) عنوانه: الاستفراد بالسلطة.
حماس تعيش مأزقًا سياسيًّا بعد هدم الأنفاق الذي قام به مرسي بناء على طلب إسرائيلي ـ أميركي, والتي كانت تعتبر رئة ومتنفسا وحيدا لأهلنا في القطاع. هذا في ظل استمرار الحصار الصهيوني على أهلنا هناك، والإغلاق المستمر (يُفتح بشكل جزئي) لمعبر رفح. رد فعل الفصائل الفلسطينية على دعوة هنية في معظمها جاءت بالرفض, وذلك لأسباب كثيرة أبرزها: أن للعديد من الفصائل موقفًا يتمثل في رفض اتفاقيات أوسلو وما أسفر عنها من نتائج, والسلطتان سواء في رام الله أو غزة بالمعنى الفعلي هما أحد هذه الإفرازات, والدليل على صحة ما نقول: إن كلتا السلطتين محتلة فعليًّا. السبب الثاني: أن الفصائل كافة لا تريد تحمل مسؤولية ما اقترفته حماس إن في الانقلاب على السلطة, أو في الطرق والوسائل التي حكمت حماس ولا تزال تحكم بها الفلسطينيين في القطاع، ولعل من أبرز هذه الوسائل: عقد هدنة طويلة مع الجانب الإسرائيلي, ومنع الفصائل الأخرى (مثل حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية) من المقاومة. إضافة إلى أن حماس تحكم غزة بالأساليب القمعية وتريد إعادة تربية الناس وفقًا لمفاهيمها الاجتماعية، وهذا ما يتعارض مع النهج الديمقراطي الذي تؤمن به العديد من الفصائل الفلسطينية الرافضة للعرض.
من الأسباب أيضًا: أن هذه الدعوة تأتي في ظل الانقسام الفلسطيني, وأية مشاركة من الفصائل الأخرى (غير فتح التي رفضت العرض) في السلطة في غزة, ستؤدي إلى تعزيز الانقسام السياسي والجغرافي الذي يعاني منه شعبنا لسنوات طويلة.
لكل ذلك, فمن يستطيع تقديم هذا العرض, فليقطع خطوة جريئة باتجاه المصالحة, واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية, وبخاصة في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة التي تمر بها قضيتنا ومشروعنا الوطني. ندرك بالطبع وجود أطراف في كل من حركتي فتح وحماس لا تريد المصالحة (وإلا لكانت قد حدثت منذ زمن طويل)، وندرك أن هناك طرفًا في حركة فتح أخذ ينادي مؤخرًا: باعتبار الانقسام حقيقةً واقعة، لذا يدعو إلى اعتبار غزة إقليمًا متمردًا, وإلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة الغربية دون قطاع غزة، أو يدعون إلى الترشيح والتصويت في غزة بواسطة البريد الإلكتروني! هذه الدعوات تصب في مجرى تكريس الانقسام.
مؤسف لكل أبناء شعبنا الفلسطيني أن تكون حماس في مأزق, هذا مؤلم ولا نريده لحماس, لكنها هي التي أوصلت نفسها طائعة وبخيارها للدخول في الورطة، حين وفقت سلبيًّا ضد التغييرات الأخيرة التي حدثت في مصر. للأسف تبنّت موقف الإخوان المسلمين بالكامل, فيما يتعلق بمواقفهم من الذي جرى في مصر. حماس لم تعمل وفقًا لضرورة وجود خصوصيتها الفلسطينة, في أهمية امتلاك علاقات جيدة مع الحكم الجديد في مصر. الذي يخلّص حماس من مآزقها هو تجاوز الانقسام والعودة بالصف الفلسطيني إلى الوحدة. هذا الموقف لا يُنهي مأزق حماس فقط لكنه يعمل على تجاوز المأزق السياسي الذي تمر فيه السلطة الفلسطينية في رام الله، وهي المشكلّة والمدعومة من حركة فتح. مأزق السلطة يتمثل في العودة للمفاوضات!
العودة للمفاوضات بعد تجربة عبثية لها طوال عشرين عامًا. هذه المرّة الذي زاد الطين بلّة هو: عودة السلطة إلى المفاوضات في ظل الاستيطان الإسرائيلي والرفض الصهيوني لكامل الحقوق الوطنية الفلسطينية. الذي يضاعف ويعاظم هذا المأزق أيضا: خيار السلطة الاستراتيجي في الوصول إلى الحقوق الوطنية لشعبنا من خلال أسلوب المفاوضات, لذا فإن المباحثات مع الكيانهذه المرة لها طعم مر...ومذاق كريه.
مما سبق: يتضح أن الساحة الفلسطينية تمر في مرحلة لا تُحسد عليها، لذلك ندعو إلى تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين حركتي فتح وحماس حول المصالحة. بعد إنجاز هذه المهمة الصعبة على كافة الفصائل الفلسطينية دون استثناء: الوصول إلى القواسم المشتركة على الثوابت الوطنية, وإجراء مراجعة شاملة مشتركة لمسيرة النضال الوطني منذ توقيع اتفاقيات أوسلو وصولًا إلى الأحداث الأخيرة، والعمل أيضًا على إحياء منظمة التحرير الفلسطينية ودخول حركتا حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى في مؤسساتها, والاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة الغربية وقطاع غزة, تحت عنوان واحد, هو: الوحدة الوطنية الفلسطينية.
من دون ذلك سيزداد الوضع الفلسطيني تعقيدًا أكثر مما هو عليه من انقسام وتعقيد، وسيتأخر المشروع الوطني عشرات السنين إلى الوراء في الوقت الذي تتكالب فيه المؤامرات الإسرائيلية ـ الأميركية ـ الغربية من أجل تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165838

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165838 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010