السبت 31 آب (أغسطس) 2013

بانتظار «الضربة»

السبت 31 آب (أغسطس) 2013 par د. عصام نعمان

النظر إلى الوضع في سوريا والمنطقة بمنظار ظاهر الحال يشير إلى أن الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا واقعة لا محالة . النظر الى الوضع بمنظار الخبراء والمحللين الاستراتيجيين، ولا سيما الأمريكيين منهم، يشير الى أن الضربة العسكرية الأمريكية سواء كانت محدودة أو جراحية غير مجدية، وأن الخيار الافضل للولايات المتحدة هو استمرار حرب الاستنزاف القائمة من دون الانحياز المؤثر إلى اي من طرفيها الرئيسين، النظام والثائرين عليه، إلاّ من أجل الحؤول دون غلبة احدهما على الآخر .

مؤشرات الضربة العسكرية المرتقبة كثيرة ابرزها تصريحات وزير الدفاع الامريكي تشاك هيغل، ونائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وكلها تتهم الحكومة السورية بتورط قواتها باستعمال اسلحة كيميائية في القتال، وتتحدث عن ضرورة اتفاق المجتمع الدولي على “رد مناسب” على الهجوم الكيميائي المفترض .

الى ذلك، نشرت اجهزة الاعلام العالمية اخباراً وصوراً وتحقيقات حول تحركات قوات واساطيل لدول اعضاء في حلف “الناتو” تشير الى خطوات جادة جرى اتخاذها في هذا المجال، يمكن ترجمتها الى وقائع ميدانية خلال أيام أو ساعات .

أكثر من ذلك، تحدّثت مصادر حضرت اجتماعاً بين مبعوثين غربيين و”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” في اسطنبول عن ابلاغ القوى الغربية المعارضةَ السورية أن تتوقع توجيه ضربة لقوات الرئيس بشار الأسد في غضون أيام .

مصادر عسكرية واستخبارية في عواصم “الناتو” تحدثت عن اهداف محتملة للضربة المرتقبة تركّزت، في معظمها، على مطارات ومقار قيادة ومخازن صواريخ . غير ان ما نُسب الى رئيس الوزراء البريطاني كاميرون، قبل أن يتخذ مجلس العموم البريطاني قراراً ضد الاشتراك في الحرب، كان الاكثر وضوحاً ودقة بقوله إن الضربة تهدف الى تعطيل قدرة الحكومة السورية على استخدام الأسلحة الكيميائية من دون أن يعني ذلك بالضرورة ضرب مخازن هذه الأسلحة .

يمكن الاستنتاج أن المحصلة الأكثر واقعية لمروحة الاهداف تتلخص بأن خيارات التدخل العسكري في سوريا تتمحور حول ضربات جوية هدفها مساندة قوات المعارضة للتقدم في وجه قوات النظام .

غير أن جدلاً واسعاً أثاره مبدأ التدخل كما جدوى الضربات المفترضة . المحلل العسكري المرموق كريستوفر هارمر شكّك في حديث لمجلة “فورن بوليسي” بجدوى الخطط الأمريكية المتداولة . حذّر من ان تحركات تكتيكية في غياب أهداف استراتيجية تكون عادةً بلا فائدة . جزم بأن “عملية تأديبية هي الأكثر حماقة، لأنه اذا بدأنا ضرب الاسلحة الكيميائية في سوريا، سيكون الرد المنطقي أن يبدأ الاسد توزيع أية اسلحة باقية في المستودعات على قواته إن لم يكن قد فعل ذلك اصلاً، وبذلك، نكون قد تأخرنا كثيراً على المعركة” .

المحلل العسكري المحنّك في مركز “الدراسات الدولية والاستراتيجية” انطوني كوردسمان شاطر هارمر التشكيك في جدوى الضربات الجراحية المفترضة بقوله إن “لا فرصة حقيقية في أن تتمكن الولايات المتحدة من تحديد مكان كل الممتلكات (الأسلحة) السورية وتدميرها من دون حملة جوية مكثفة وبعض القوات البرية . وحتى إذا لم يكن الأسد قد لجأ الى تشتيت جزء كبير من اسلحته في الأشهر الأخيرة، لا تتمتع صورايح كروز بتلك القدرة التدميرية” .

هل ستردّ سوريا على الضربة المفترضة وكيف؟

من مراجعة تحليلات خبراء ومعلقين عسكريين، أرى أن مبدأ الرد وطبيعته ومداه يتوقف على حجم الضربة . ولا شك في ان للهدف المستهدف بالضربة دوراً كبيراً في حسم مبدأ الرد من عدمه .

يمكن تصنيف الاهداف السورية المراد ضربها ضمن ثلاث فئات:

الأولى، تضم مراكز القيادة والسيطرة، المركزية منها كما الفرعية .

الثانية، تضم مخازن الأسلحة الكيميائية وآليات ووسائل استعمالها .

الثالثة، القدرات والبنى التحتية الجوية من مطارات وطائرات ومخازن صواريخ .

إذا استهدفت الضربة المرتقبة اهدافاً من الفئة الأولى، فمن المرجّح أن تستوعب سوريا الضربة ومفاعيلها من دون ان تجد نفسها مضطرة إلى الرد خارج مسارح العمليات في الداخل . السبب ؟ لأن لا أثر وازناً لمفاعيل الضربة على ميزان القوى العسكري الماثل لصالح القوات النظامية .

إذا استهدفت الضربة اهدافاً من الفئة الثانية، فمن المرجح أن تردّ سوريا لكون الضربة موجعة ومن شأنها تلويث البيئة وتعريض حياة السكان وصحتهم قرب المواقع المضروبة الى اخطار مميتة .

اذا استهدفت الضربة مواقع ومنشآت اسلحة من الفئة الثالثة، فمن الأكيد أن تردّ سوريا لأن من شأن الضربة الإخلال بميزان القوى العسكري ليس إزاء المعارضة المسلحة في الداخل فحسب بل تجاه “اسرائيل” ايضاً اذْ تؤدي الى حرمان سوريا من قوتها الجوية، ومن قدرتها على استعمال المطارات لاستقبال شحنات الغذاء والدواء والاسلحة المرسلة إليها من حلفائها .

أين تردّ سوريا؟

المنطق يقضي بأن يقوم الطرف المضروب بالرد على الطرف الضارب . لكن الطرف الضارب هو الولايات المتحدة، وهي بموقعها الجغرافي وأسطولها البحري وقواعدها العسكرية بعيدة وليست تالياً في متناول القدرات العسكرية السورية . فهل يؤدي ذلك إلى امتناع سوريا عن الرد؟

اعتقد أن سوريا ستجد نفسها مضطرة الى الرد على حليفة أمريكا، أي على “اسرائيل” التي كانت أرسلت وفداً أمنياً رفيعاً الى واشنطن “لمناقشة آخر التطورات في منطقة الشرق الاوسط وخصوصاً في سوريا ومصر”، بما في ذلك مسألة الضربة الامريكية المرتقبة لسوريا وضرورة التنسيق بين الطرفين، واحاطة “اسرائيل” علماً بتوقيت الضربة بغية اتخاذ الاحتياطات اللازمة، كما إعطاء “اسرائيل” حرية العمل في حال تعرضها لأي هجوم عسكري سوري (راجع مقالة المحلل العسكري يوسي يهوشواع في صحيفة “يديعوت أحرونوت” (27-8-2013) .

هل تمتلك سوريا القدرة اللازمة للرد على أمريكا في “إسرائيل”؟

يبدو انها تستطيع . فقد نقلت وكالة “انتر فاكس” عن مصدر عسكري روسي قوله إن أي تدخل غربي “لن يحقق نصراً سهلاً لأن سوريا تمتلك ما يصل إلى 10 بطاريات من نظام بوك-ام،2 أي صواريخ متوسطة المدى مصممة لاعتراض صواريخ “كروز” والقنابل والطائرات من دون طيار” .

هل من جدوى للتدخل العسكري طالما انه ينطوي على كل هذه التعقيدات والمخاطر والحساسيات؟

المحلل الاستراتيجي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن وصاحب كتاب “منطق الحرب والسلام” ادوارد لوتورك نشر مقالة في صحيفة “واشنطن بوست” اظهر فيها حججاً دامغة ضد التدخل العسكري، كونه ليس في مصلحة الولايات المتحدة . فهو يعتقد أن انتصار الأسد يعني استمرار نظام الاستبداد، وان انتصار المعارضة التي باتت خاضعة ل تنظيم “القاعدة” يعني اقامة حكومة إسلامية متطرفة معادية للولايات المتحدة ول “إسرائيل”، وان الخيار الافضل بالنسبة للولايات المتحدة هو المزيد من الشيء نفسه، أي استمرار الوضع الحالي حيث يستنزف الطرفان نفسيهما و . .سوريا أيضاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165859

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165859 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010