الخميس 29 آب (أغسطس) 2013

اليوم التالي بعد ضرب سوريا

الخميس 29 آب (أغسطس) 2013 par د. فايز رشيد

إن الهدف الحقيقي من هذه الضربة فيما لو جرى توجيهها هو: مساعدة عصابات القتلة والإرهابيين على تحقيق مكتسبات عسكرية, وبخاصة أن جولات المواجهة الأخيرة بينها وبين الجيش السوري أسفرت عن: تحقيق نجاحات نوعية وانتصارات حاسمة للجيش, في أكثر من منطقة وبخاصة في شمال سوريا. لذا فإن الضربة تهدف إلى محاولة تدمير للجيش السوري ليستطيع التكفيريون إحراز انتصارات على النظام.

أوباما يقرع طبول الحرب, وقعقة السلاح تتعاظم. الأساطيل الأميركية تجوب البحر الأبيض المتوسط، التحالف الاستعماري الثلاثي: أميركا, بريطانيا, فرنسا، عاد من جديد, ولكن هذه المرة تدخل فيه تركيا المنتشية باقتراب ضرب سوريا, كما تدخل فيه أيضًا العديد من الدول التي قال عنها أحمد داود أوغلو: بأنها تبلغ سبعا وثلاثين دولة. كيري يهدد بتوجيه ضربة إلى الذين استعملوا الأسلحة الكيماوية في سوريا، غير أنه لم يحدد هذه الجهة التي على المراقبين أن يتوقعوها, وليس من الصعوبة بمكان ذلك, فهو يقصد النظام السوري. هولاند يصرح بأن: عدم الرد هو غير المتوقع، وأنه الاستثناء الوحيد الذي يجب التأكيد عليه. رؤساء أركان دول عديدة على رأسها أميركا يجتمعون في العاصمة الأردنية وعلى جدول أعمالهم نقطة واحدة: التعامل مع الوضع السوري, المتهم فيه النظام دون أدلة ودون إثباتات مادية بأنه استعمل السلاح الكيماوي ضد معارضيه (من السلفيين التكفيريين الذين يتلقون الأوامر من دول التحالف الاستعماري ومن بعض الدول العربية) والتي تخوض معركة غيرها ضمن المخطط الهادف باختصار إلى: تحطيم سوريا وتمزيقها, كخطوة أولى على طريق إنهاء أطراف المقاومة الثلاثة: إيران، سوريا، وحزب الله. الحليف الصغير للتجمع العدواني نتنياهو يتوعد سوريا أيضا.
الأجواء أشبه ما تكون بتلك التي سادت قبيل بدء العدوان على العراق واحتلاله. مثلما اخترعوا سبب الأسلحة الكيماوية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل (والتي أثبتت فيما بعد بطلانها وخلو العراق تمامًا من أية أسلحة للدمار) يظلون قادرين على اختراع نفس الأسباب فيما يتعلق ببدء الهجوم على سوريا, رغم إدراكهم بأن خمسين جنديًّا سوريًّا لقوا حتفهم نتيجة استعمال الأسلحة الكيماوية في الفترة الأخيرة، وعديدون أصيبوا. لا يمكن للنظام السوري أن يكون قد استعمل السلاح الكيماوي في الهجوم الأخير على الغوطة، ذلك لتزامن هذا الحدث مع بدء عمل فريق الأمم المتحدة للتحقيق في كيفية ومن استخدم السلاح الكيماوي, والذي وصل سوريا بموافقة النظام. من ناحية ثانية: جاء استعمال السلاح المحرم في يوم بدء تحقيق هذه اللجنة وهذا يجعل النظام يفكر عشرات المرات قبل استعماله. للعلم كان بإمكان النظام السوري استعمال السلاح الكيماوي لو أراد عندما حاصر ثلاثة آلاف ممن يسمون: بالمعارضة في أحد أحراش دمشق منذ فترة، لكنه لم يستعمله. أميركا تؤكد ثبوت استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي, رغم أن اللجنة الدولية لم تصدر تقريرًا لأنها ما زالت تحقق بعد.
كافة المراقبين يتوقعون ضربة عسكرية محدودة, لأهداف عسكرية, وبنيوية تحتية سورية, تقريبًا مثلما جرى على وجه التقريب في ليبيا، وبالتأكيد فإن الحلف العدواني لا يتوقع ردًّا سوريًّا, وبخاصة أن روسيا الحليف الأساسي لدمشق, وعلى لسان وزير خارجيتها لافروف جاء في تصريح له: بأن روسيا لن تُستدرج إلى حرب بالرغم من إمكانية توجيه الأطلسي ضربة عسكرية إلى سوريا. لا يتوقع العدوانيون ردًّا سوريًّا, لعجز دمشق عن إمكانية الرد (من وجهة نظرهم)، فالطائرات الأميركية الموجودة على البوارج في البحر المتوسط, قادرة على إصابة الأهداف السورية دون دخول أجوائها, بل عن بعد 150 كم! لا يتوقعون ردًّا سوريًّا, لأن الأخيرة لم ترد على الاعتداءات العسكرية السابقة من العدو الصهيوني, وربما لأسباب عديدة أخرى في عقولهم!
ليسمح لنا أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن ولندن وباريس وأنقرة وتل أبيب, القول: إنهم مخطئون في تصوراتهم، وبالتأكيد فإن من يعتمد الصلافة والعنجهية وسياسة تربية الدول واعتماد قانون الغاب والاستفراد بالعالم حتى دون قرارات موافقة من مجلس الأمن (بسبب من الموقفين الروسي والصيني الرافضين لتوجيه مثل هذه الضربة في الحالة السورية) فإنه غالبًا لا يعتمد التحليل المنطقي, بل يتجاوزه إلى عنجهيته التي تتحكم بخطواته العدوانية. لكل ذلك يمكن القول: إنهم سيقترفون حماقة الاعتداء على سوريا. لكنهم لا يدركون بأنهم إذا ابتدأوا عدوانًا على سوريا فإن تداعياته ستجعل من الصعوبة بمكان تحديد مواعيد زمنية لإنهاء هذه التداعيات الممكنة، والتي سيكون لها تأثير تدميري كبير في المنطقة أولًا, وانعكاس ذلك على الصعيد الدولي بالسلب ثانيا. نقول ذلك للأسباب التالية:
أولًا: إن سوريا ليست ليبيا, ففي الأخيرة لم يكن هناك جيش بالمعنى الحقيقي, بينما في الأولى فإن مؤسسة عسكرية صلبة ومتماسكة, موجودة, بالرغم من المواجهات التي تديرها للسنة الثالثة على التوالي بكفاءة عالية.
ثانيًا: إن الهدف الحقيقي من هذه الضربة فيما لو جرى توجيهها هو: مساعدة عصابات القتلة والإرهابيين على تحقيق مكتسبات عسكرية, وبخاصة أن جولات المواجهة الأخيرة بينها وبين الجيش السوري أسفرت عن: تحقيق نجاحات نوعية وانتصارات حاسمة للجيش, في أكثر من منطقة وبخاصة في شمال سوريا. لذا فإن الضربة تهدف إلى محاولة تدمير للجيش السوري ليستطيع التكفيريون إحراز انتصارات على النظام. الهدف الآخر للعدوان هو: الحفاظ على ما يسمى بأمن إسرائيل من خلال تدمير سوريا وتمزيقها, وإزالة طرف رئيسي من أطراف الممانعة والمقاومة العربية ممن تقف في وجهها.
ثالثًا: إن إيران وحزب الله الحليفان الاستراتيجيان لسوريا، لن يقفا مكتوفي الأيدي في حالة ضرب سوريا, فهما يدركان أنه لو نجح الحلف الاستعماري في تدمير سوريا والقضاء على جيشها, فسيأتي الدور عليهما واحدة بعد الأخرى, وفي القريب العاجل. ولذلك فقضية الحفاظ على سوريا وعدم السماح بانهيارها هي مصلحة استراتيجية وقضية مركزية ومهمة للطرفين إيران وحزب الله، والمعروف أن الحزب يقاتل التكفيريين والسلفيين في سوريا جنبًا إلى جنب مع الجيش السوري, ولقد سبق وأعلن الناطق الرسمي الإيراني: “بأن ضرب سوريا هو خط أحمر لإيران”، ولا نعتقد أن إيران تبالغ في وجهة النظر هذه. فهي واضحة تمامًا حتى في انتقاء الكلمات.
رابعًا: الموقف الروسي معروف كما ذكر وزير الخارجية لافروف, ولكن هذا الموقف قابل للتغيير بناء على التداعيات غير المتوقعة, بل في حالة ضربة محدودة فقط. أما وصف هذه الضربة بـ(المحدودية) فهو مفهوم نسبي ومطاط, فما هي حدود هذه المحدودية؟ بالتأكيد لن يوجد أحد قادر على إعطاء الرد الجواب سوى أولئك العدوانيين الذين سيقومون بتوجيه الضربة.
لكل هذه الأسباب، فالتداعيات المحتملة كثيرة وخطيرة ومن أبرزها: إمكانية قصف إيران وحزب الله وسوريا لأهداف إسرائيلية وأخرى أميركية متواجدة في المنطقة. إمكانية إغلاق إيران لمضيق هرمز، وبالتالي قطع طريق النفط وإمداداته لأوروبا والولايات المتحدة, والحالة هذه ستنشأ مستجدات إضافية تنذر كلها بتوسيع رقعة الحرب. إمكانية قصف أهداف بترولية في المنطقة وهو ما سيترك تداعيات خطيرة على كل الدول بالمعنى الإقليمي.
يبقى القول: إنه بالفعل من الصعب حصر المحدودية والتداعيات للضربة العسكرية لسوريا بما يتصوره الحلف الاستعماري, وإن الحقيقة الأكيدة تتمثل في: أن من يبدأ الحرب لن يستطيع التحكم في موعد إنهائها ولا مدى حدودها وشموليتها؛ فالطرف أو الأطراف المعتدى عليه أو عليهم له ولهم ردود أفعالهم وتصوراتهم, فالمعركة بالنسبة إليهم ستكون: معركة وجود وكسر عظم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2178029

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178029 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40