الأربعاء 28 آب (أغسطس) 2013

المصالحة ... حديث على إستحياء

الأربعاء 28 آب (أغسطس) 2013 par علي بدوان

يبدو بأن ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية قد ضاع في زحمة الأحداث الجارية في المنطقة، وقد أُسدل عليه الستار في المرحلة الحالية التي تتسم باختلاط وتداخل الأوراق في عموم المنطقة وانعكاساتها المباشرة على ساحة العمل الوطني الفلسطيني في الداخل والشتات. فقد بات أمر المصالحة الوطنية وكأنه واقع مؤجل بانتظار ما ستؤول اليه مخاضات الحالة العربية المهتزة على امتداد العالم العربي، وارتفاع منسوب الضغط على عموم الحالة الفلسطينية بعد العودة غير الحميدة للعملية السياسية التفاوضية بين الاطار الرسمي الفلسطيني ودولة الاحتلال «الاسرائيلي»، وهي العودة التي تمت تحت وطأة الاصرار الأميركي ومحاولات واشنطن تحقيق اختراق ولو محدود على جبهة المفاوضات، فيما عارضتها مُعظم ان لم نَقُل كل القوى الفلسطينية باعتبارها «تكراراً للمكرر وتجريباً للمُجرّب» في ظل بقاء المواقف «الاسرائيلية» على ما هي عليه بل واتساع يمينيتها وغطرستها. فالتفاهمات الفلسطينية الداخلية كانت قد حددت بأن مسار اعادة الوحدة للبيت الفلسطيني ومسار العملية الاصلاحية الداخلية يفترض بهما أن ينتجا عملية مترافقة في رزمة متكاملة، تبدأ من تشكيل حكومة وحدة وطنية من تكنوقراط، وتمر على مسار العودة لصندوق الاقتراع لانتخابات تشريعية جديدة للمجلس التشريعي للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وانتخابات رئاسية عامة. فضلاً عن البحث باعادة بناء منظمة التحرير وبامكانية اجراء انتخابات وطنية شاملة لمجلس وطني فلسطيني جديد يشارك فيها فلسطينيو الشتات بانتخاب (برلمان موحّد) يمثل كل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، يكون من ضمن أعضائه جميع أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين عن الضفة الغربية والقدس والقطاع كممثلين للناس في تلك المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 . ومع هذا، وحتى نكون صريحين مع أنفسنا ومع ذاتنا، نقول ان أمر المصالحة الوطنية الفلسطينية ومع أهميته القصوى لم يعد مطروحاً بالزخم المطلوب، بل يتم الحديث عنه الآن بشيء من الاستحياء والخجل ورفع العتب من قبل معظم القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية التي يبدو وكأنها استسلمت للواقع القائم وهي تقبع في الموقع الانتظاري على أمل حدوث متغيرات أو طفرات مفاجئة لانقاذ الحالة الراهنة من المراوحة بالمكان. ونحن هنا لا نبخس الأمور أشياءها، حين نُقّر ونؤكد أن بعض الانجازات المتواضعة تم تحقيقها في مسار الحوارات الفلسطينية التي تمت خلال الفترات الماضية. فقد كان من الانجازات الأولية الهامة التي تم التوصل اليها في الحوارات الفلسطينية التي دارت في العاصمة المصرية القاهرة قبل أكثر من ثلاث سنوات الاعلان عن تشكيل اطار قيادي فلسطيني مؤقت، وانطلاقته في اجتماعات عمل بمشاركة حركتي حماس والجهاد الاسلامي في العاصمة الأردنية عمان، حيث شكّل في حينها خطوة متواضعة وأولية على طريق اعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وعلى طريق احداث ثورة ربيع حقيقي داخلها وداخل مؤسساتها بعد سنوات طويلة من التهميش ومن حالة السبات العميقة التي مازالت غارقة فيها. ولكن وللأسف، فان اجتماعات الاطار القيادي المؤقت للمنظمة، كانت ومازالت متقطعة دون انتظام، ودون عَمَلٍ مُثمر، واعلامية لا أكثر ولا أقل، فيما القلق المشوب بالحذر مازال مُخيماً على الموقف في الشارع الفلسطيني بين عموم الناس نظراً للتجارب المريرة التي عاشوها ومروا بها، حيث لم تستطع حتى الآن كل الحوارات واللقاءات والاتصالات أن تخطو خطوة جديدة مقنعة ذات بعد استراتيجي بالنسبة لمشروع اعادة بناء المنظمة ومؤسساتها، واعادة بناء الائتلاف الوطني العريض داخل أطر الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. وبالطبع، فان الشعب الفلسطيني يعي بأن الأمور تحتاج لارادة وطنية تتغلب على المصالح الفئوية الضيقة لهذا التنظيم أو ذاك، وتتغلب على نزعات الاستحواذ والهيمنة ورفض الرأي الآخر، ورفض النزول عند رغبات الناس والشارع الفلسطيني، وبالتالي الخروج من الأمراض الفصائلية التي مازالت تفتك بكل الجهود الوحدوية وتعطل من امكانية تحقيق النقلات النوعية المطلوبة. فالطامة الكبرى في هذا المجال مازالت تعبر عن نفسها من خلال «عشعشة» العقلية الفصائلية الضيقة عند معظم القوى الفلسطينية. ان الشعب الفلسطيني بحسه الفطري والعفوي، صاحب خبرات وتراكمات، وصاحب أطول عمليات كفاحية وانتفاضية شهدها التاريخ الحديث والمعاصر للانسانية برمتها منذ اضرابه واعتصامه التاريخي في العام 1936 «الاعتصام والعصيان المدني المعروف باضراب الستة أشهر زمن الانتداب البريطاني على فلسطين»، وبالتالي من المنطقي القول ان أمر استمرار الانقسام وواقع المنظمة الحالي على ما هو عليه، ونقصد منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها التكوين الائتلافي لقوى ومكونات الشعب الفلسطيني السياسية بمختلف مشاربها، لم يعد يحتمل على المستوى الشعبي الفلسطيني العام، ولا ينسجم مع ارادة الشعب الفلسطيني وربيعه المنشود، ولاينسجم مع أجواء ومناخات التطوير والتغيير التي تكتسح العالم والعقل البشري. وفي هذا السياق، فان رياح التغيير (لم ولن) تنأى بنفسها عن الساحة الفلسطينية لكن هناك «صادات» كبيرة وواسعة قد اعترضتها او تعترضها الآن، فالمعوقات التي حدّت من انطلاق ربيع فلسطيني حقيقي، تمثلت بعدد من العوامل التي جاءت على خلفية الخصوصية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني في الداخل تحت السيطرة الفعلية للاحتلال، ووجود فلسطينيي الشتات تحت ظروف استثنائية. فلو كان الشعب الفلسطيني على بقعة جغرافية واحدة وخارج سيطرة الاحتلال، وخارج تداخلات النظام العربي على من هم في الشتات من الفلسطينيين، لشهدنا ثورة الربيع العربي في فلسطين قبل أي قطر عربي آخر. ومن دون شك، ان الشعب الفلسطيني يؤثر ويتأثر بمحيطه العربي، وبالتحولات السياسية والفكرية التي تعتلج كل يوم في بيئتنا العربية، وبالتالي فان حراكات مايسميه البعض بـ «ثورة الربيع العربي» وجدت أصداءها العميقة في الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج، حيث كان فلسطينيو الشتات وخصوصاً منهم فلسطينيي سوريا ولبنان، هم الأكثر تأثراً بها نظراً لحالة اليأس وطبقات الاحباط التي عمت الشتات الفلسطيني خلال العقدين الماضيين وقد أعطت تراكماتها السلبية رويداً رويداً، مع حالة العزل والاقصاء التي باتوا يشعرون بها بعد انتقال ثقل العملية الوطنية الفلسطينية للداخل منذ نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية ووقوع حالة التهميش للشتات الفلسطيني. ان طريق التحول الديمقراطي الهادف لاعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وانهاء الانقسام، وصياغة وانتاج البديل للفصائل وللمنظومات السياسية الفلسطينية القائمة من داخل الأطر الموجودة دون اللجوء للخيارات الانشقاقية المدمرة أو خيارات البدائل التي عَفَت عنها وتجاوزتها التجربة القاسية والمريرة للشعب الفلسطيني، ان هذا الطريق يمكن تعبيده وفتحه بالنفس الصبور، والروح المثابرة، وهو وحده الطريق السليم لاحداث التحول الديمقراطي المطلوب في الساحة الفلسطينية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2165797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010