السبت 24 آب (أغسطس) 2013

أسرى الـ48: كالأيتام على موائد اللئام

السبت 24 آب (أغسطس) 2013 par زهير أندراوس

منذ أنْ أعلن رئيس سلطة الحكم الذاتيّ المنقوصة، محمود عبّاس، موافقته على العودة إلى المفاوضات مع دولة الاحتلال، دون قيدٍ أوْ شرطٍ، ربّما تماشياً وتماهياً مع تصريح رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، بأننّا نحن العرب نعاج، وجّه عميد الأسرى الفلسطينيين، كريم يونس إلى فخامته رسالتين، طالبه فيهما بالعمل على إقناع أقطاب تل أبيب بإطلاق سراح الأسرى ما قبل توقيع اتفاق الذلّ والعار، المُسّمى اتفاق أوسلو، الأسرى من الداخل الفلسطينيّ، مع أنّ الاتفاق المشؤوم ينصّ بصورةٍ واضحةٍ على أنّ إسرائيل مُلزمة بتنفيذ هذا الاستحقاق منذ عشرين عاماً.
قرأت الرسالتين بتمعنٍ، ذلك أنّ الحديث هو عن مناضلٍ شرسٍ قدّم حتى الآن من حياته، 30 عاماً خلف القضبان من أجل قضية شعبه الذي هُجّر من أرضه، وسُلب وطنه منذ 65 عاماً.
حتى اليوم، لم نسمع من القيادة الفلسطينيّة رداً على رسالتي يونس الاثنتين، سوى التصريحات الناريّة التي أطلقها رئيس سلطة أوسلو - ستان، والتي قال فيها خلال استقباله الأسرى المحررين في المقاطعة برام الله المحتلّة، إنّ هذه البداية، وقريباً سنلتقي في القدس. فعلاً، اللقاء حصل في القدس، ولكن بين كبير المفاوضين، صائب عريقات، وتسيبي ليفني، ضابطة الموساد السابقة، والمحامي يتسحاق مولخو، والمسؤول الأميركيّ، مارتن إنديك، الذي خدم مرتين سفيراً لواشنطن في تل أبيب، وهو من أشدّ المؤيدين لرئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، وليس لكونه يهودياً فقط. وأظنّ، مع أنّ بعض الظنّ إثمُ، أنّ قضية الأسرى عموماً، وأسرى الداخل خصوصاً، لم تُطرح على أجندة المفاوضات، التي باعتقادنا المتواضع تدور بين إسرائيل وأميركا، فيما يقوم المفاوض الفلسطينيّ بأداء دور شاهد الزور على بيع ما بقي من فلسطين، وإلا فكيف يُمكن أنْ نُفسّر لأنفسنا ولأبناء شعبنا أنّ الوسيط النزيه في المفاوضات، وزير الخارجيّة الأميركيّة، يُطلق تصريحاً مفاده أنّ 85 بالمئة من المستوطنات الاستعماريّة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة المحتلّة ستبقى تحت السيادة الإسرائيليّة بعد التوصّل إلى الحل النهائيّ للقضية الفلسطينيّة؟
■ ■ ■
مع أننّي لست قانونياً ولا أطمح إلى أنْ أكون كذلك، لأنّ العدل في هذا الزمن الرديء بات عملة صعبة جداً، إنْ لم تكُن نادرة، إلا أنّ من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ القانون الدوليّ يؤكّد أنّ الاحتلال، أيّ احتلال، يتحتّم عليه اعتقال السجناء السياسيين في المناطق المحتلّة فقط، ولكن بما أنّ إسرائيل هي فوق القانون، فإنّها تحتجز الأسرى الفلسطينيين داخل ما يُسّمى الخط الأخضر في انتهاكٍ سافرٍ لجميع المعاهدات والمواثيق الدوليّة.
وبما أنّ دولة الأكثريّة اليهوديّة هي دولة مارقة ومعربدة فإنّها تُجيّر القانون وفق مصالحها التكتيكيّة والاستراتيجيّة على حدٍّ سواء، وهذا ما حدث مع أسرى الداخل الفلسطينيّ. وهذا يعيدنا إلى الأساس الذي أُقيم عليه اتفاق أوسلو، ذلك أنّ التعريف العمليّ لهذا الاتفاق بأنّ الفلسطينيّ هو مَنْ كان في الضفة والقطاع حين توقيع الاتفاق، وبأنّ فلسطين هي الضفّة والقطاع وتستثنى منها المستوطنات. وبهذا المعنى، إنّ المناضلين من مناطق الـ48 ليسوا مشمولين كأسرى تماماً، كذلك إنّ جميع فلسطينيي الداخل ليسوا فلسطينيين، بل إسرائيليون، وهذا يجعل من مناضلي 1948 مجرد معتدين على دولة مسالمة! المفاوض الفلسطينيّ، الذي وقّع اتفاق أوسلو، وافق، نعم وافق، على الشرط الذي وضعه نظيره الإسرائيليّ، مع أنّ استعمال مفردة نظيره في هذه العُجالة، ليس مناسباً، لأنّ عدم التكافؤ بين الطرفين يجعل النظير في مرتبةٍ لا يستحقها.
وافق على وجهة نظر الدولة العبريّة القائلة إنّ أسرى الداخل الفلسطينيّ يختلفون عن أسرى الضفة الغربيّة وقطاع غزّة، ذلك أنّ الحديث، وفق المنطق الصهيونيّ، يجري عن مواطنين إسرائيليين، خانوا دولتهم وقدّموا المساعدة للعدو في أثناء الحرب. لنتذكر في هذا السياق أنّ إسرائيل نعتت المجموعة الفدائيّة التي اعتقلت عام 1972 بـشبكة التجسس العربيّة الإسرائيليّة، والتي منها المرحوم داوود تركي وأودي أديف ورامي ليفني وغيرهم.
بكلمات أوْ بأخرى، الاحتلال يُحوّل سكان فلسطين الأصليين إلى مواطنين عندما يصبّ الأمر في مصلحته، طبعاً على الورق، في ما على أرض الواقع يُمارس ضدّهم أبشع صنوف التمييز العنصريّ، وحكومة نتنياهو الثالثة، أيْ الحالية، هي الأكثر مغالاة في العنصريّة، وتسير بخطى حثيثة ومدروسة ومنهجيّة نحو تطبيق سياسة العزل العنصريّ (الأبرتهايد) ضدّ أكثر من خمس سكّان الدولة، الذين كانوا هنا قبلها، وسيبقون هنا إلى أبد الآبدين.
■ ■ ■
الأخطر من ذلك، أنّ القيادة الفلسطينيّة، التي استحوذت على السلطة بطرقٍ غير مشروعة، لم تُوافق على الشرط الإسرائيليّ في ما يتعلّق بأسرى الداخل، من منطلق عدم تكافؤ القوى، أوْ أنّها قررت تأجيل النظر في القضية إلى موعدٍ لاحقٍ. ولكي نضع النقاط على الحروف حتى لا نُتّهم بالتجني على هذه القيادة، فلنتذكّر أن مهندس اتفاق أوسلو كان محمود عبّاس عينه. وعبّاس، وهذه كلمة حقّ يُراد فيها حقّ، أعلن مراراً وتكراراً، قالها جهاراً ونهاراً، إنّه لا يريد العودة إلى مسقط رأسه صفد، أيْ إنّه تنازل عن حقّ العودة، وبالمناسبة العودة أهمّ من الدولة، علاوة على ذلك، لم يُخفِ الرجل أفكاره ومعتقداته عن الفلسطينيين الذين ما زالوا يتشبثون بأرضهم داخل الخط الأخضر؛ ففي لقاء عقده مع النائبة العربيّة السابقة في الكنيست الإسرائيليّ، ناديا الحلو، في المقاطعة، يوم السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2007 اتهّم عرب الداخل بأنّ مواقفهم المتشنجة تعرقل التوصّل إلى السلام المنشود مع الإسرائيليين، وتابع قائلاً: أُريدهم أنْ يكونوا جسراً للسلام بين الشعبين الفلسطينيّ والإسرائيليّ، وأرفض التعصّب في مواقفهم، وأحثّهم على النضال السلميّ، الأمر الذي أثار ضجةً كبيرةً في مناطق الـ48، وخصوصاً أنّه أطلق هذه التصريحات خلال اجتماع مع نائبة تنتمي إلى حزب صهيونيّ، كان يترأسه في ذلك الحين، مجرم الحرب إيهود باراك، الذي يهوى الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكيّة قبل إصدار الأوامر بقتل الأطفال الفلسطينيين وخلاله وبعده.
وحينها قال النائب د. جمال زحالقة، لكاتب هذه السطور تعقيباً على هذه الأقوال: هذه التصريحات من علامات المرحلة ورسالة مسيئة إلى الفلسطينيين في الداخل. وأشار إلى أنّها تأتي في وقت تخوض فيه القوى الوطنيّة الفلسطينيّة في صفوف جماهيرنا في الجليل والمثلث والنقب، معركة ضد محاولات الأحزاب الصهيونية ووكلائها من العرب تزييف إرادة هذه الجماهير وجرّها لدعم جلادها والمسؤول عن مآسي شعبها. فضلاً عن أنّ عبّاس قال لي خلال لقاء صحافيّ، في آب (أغسطس) من عام 2000 بعد أنْ فرضته أميركا على عرفات: أنتم عرب إسرائيل، ولا دخل لكم في القضية الفلسطينيّة. وبالمناسبة، أوّد أنْ أقول له ولمَن لفّ لفه إننّي لا استمد فلسطينيتي منه، ومحاولاته دقّ الأسافين بين أبناء الشعب الواحد في جميع أماكن وجوده تدلّ على أنّ عبّاس بات على قناعةٍ تامّةٍ بتقسيم المقُسّم وتجزئة المجزأ، وما بات ينقصه الآن سوى تدوير المربّع.
■ ■ ■
وعودٌ على بدء: الأسرى من فلسطينيي الداخل ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال، فيما تقوم القيادة الفلسطينيّة، التي كان من بينها من حثّهم على الكفاح المسلّح، وفي مرحلة ما قبل الاستسلام تفاخروا بهؤلاء المناضلين المبادرين، تتفاوض مع الـ«عدو» الإسرائيليّ، وتُقيم معه علاقات متينة جداً من تنسيق أمنيّ مروراً بالاقتصاديّ وحتى الإقليميّ، أيْ إنّ هذه القيادة تركت هؤلاء الأسرى عن سبق الإصرار والترصّد، كالأيتام على موائد اللئام. وحتى لا ننسى حين لا ينفع النسيان: سلطة أوسلو - ستان، لم تُطلق منذ تأسيسها في عام 1994 سراح أيّ أسير من عرب الداخل، بينما تمكّنت الجبهة الشعبية - القيادة العامّة في عملية النورس عام 1985 بإملاء الشروط على الاحتلال وتحرير العشرات من أسرى الـ48. ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر، فإنّ إعلام سلطة أوسلو - ستان يهاجم بسُعار أحمد جبريل لأنّه الوحيد الذي دافع مقاتلوه عن مخيم اليرموك في سوريّا ضدّ عصابات الجيش الحر وجبهة النصرة! كذلك الأمر في الصفقة الأخيرة بين حماس وإسرائيل، أيْ إنّ اتفاق أوسلو على جميع عوراته، كرّس أيضاً التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وهذا عامل خطير للغاية.

ونُنهي بما جاء في رسالة عميد الأسرى لعبّاس: أين هو هذا الإنجاز؟ هل في تحويل إطلاق سراح الأسرى إلى أداة بيد الإسرائيليّ لابتزاز الطرف الفلسطينيّ أثناء المفاوضات بعد أن أصبح تنفيذ الاتفاق مربوطاً باستمرار المفاوضات واستمرارها لإطلاق سراح 2500 أسير إضافيّ وجدولة البقية، يا له من إنجاز عظيم! على حدّ تعبيره. وخلُص يونس إلى القول: التنازل في كلّ مكان وفي كلّ اتجاه، وقبول جميع الشروط الإسرائيليّة لهذا الحد تعني أنّ للمفاوض الفلسطينيّ لا توجد خطوط حمراء، وأنّ موافقته المعلنة شيءٌ وما يقوله داخل الغرف والاتفاقات شيءٌ آخر، وهذا يعني ببساطة واستخفاف واستهتار بعقول ذوي الأسرى وعقول أبناء شعبنا على حدٍّ سواء، قال عميد الأسرى. ولكن يبدو أنّ رسالته وصلت إلى العنوان غير الصحيح أو إلى الأذان الصّماء. بل وصلت، وقهقه عبّاس وألقى بها في سلة المهملات كما فعل بمسقط رأسه صفد!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2182165

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2182165 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40