السبت 24 آب (أغسطس) 2013

محاولة« أسرلة» الفلسطينيين المسيحيين

السبت 24 آب (أغسطس) 2013 par مأمون كيوان

لم تكتف “إسرائيل” على مدار 65 عاماً بطردها للفلسطينيين من وطنهم وتحويلهم إلى “أقليات” في الدول المجاورة لفلسطين وجماعات هامشية في بلدان أخرى . بل تجاوزت ذلك إلى الفلسطينيين الذين صمدوا وأقاموا بوصفهم “أقلية” في وطنهم وفي دولة ليست دولتهم، أي فلسطينيي 1948 الذين تم تقسيمهم وفق التصنيفات الصهيونية إلى: مسلمين سنة وغير سنة ودروز ومسيحيين عرب ومسيحيين غير عرب وبدو وشركس .

وتنقسم التجمعات المسيحية في “إسرائيل” حالياً، وفق المذاهب المسيحية الأساسية إلى: الأرثوذكسية و الأرثوذكسية غير الخلقدونية و الكاثوليك والبروتستانت . وتعتبر البطريركية الأرثوذكسية اليونانية نفسها الكنيسة الأم لجميع الكنائس في القدس حيث تم منحها الصفة الرسمية من مجمع خلقدونية عام 451 ميلادي . وقد انفصلت هذه الكنيسة عن روما عام ،1054 وحالياً تعد الكنيسة الرئيسة في “إسرائيل” حيث تضم نحو 120 ألف مسيحي أرثوذكسي من إجمالي 190 ألف مسيحي تقريباً في “فلسطين 48” والضفة الغربية وقطاع غزة .

وتوجد إلى جانب الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية كنائس أرثوذكسية أخرى في “إسرائيل” هي: الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والكنيسة الأرثوذكسية الرومانية . أما الكنائس غير الخلقدونية فتضم الأرمن والأقباط والأثيوبيين والسوريين . وهي الكنائس التي تعترض على تعاليم مجمع غير خلقدونية حول الطبيعة المزدوجة لمسيح الناصرة حيث تؤمن بالطبيعة الواحدة له . ويرجع تواجد الأرمن الأرثوذكس في القدس إلى القرن الخامس الميلادي . وقد أعطى الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب صفة رسمية لرئيسهم أبراهام عام 638 . وأسست هذه الكنيسة بطريركية لها في القدس عام 1311 للميلاد . وخلال القرن التاسع عشر وأثناء وبعد الحرب العالمية الأولى نمت التجمعات الأرمنية في القدس بشكل غير مسبوق نتيجة للمذابح التي تعرض لها الأرمن خلال هذه الحرب في أرمينيا . حيث وصل عددهم قبل عام 1939 إلى ما يزيد على 15 ألف شخص . وكانت تعتبر ثالث أكبر تجمع مسيحي . إلا أن عدد المسيحيين الأرمن الأرثوذكس في “إسرائيل” لا يزيد حالياً على 4 آلاف شخص فقط، يتمركزون في القدس وحيفا وبيت ساليم .

وتتبع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا القبطي الأنبا شنودة في مصر . ويرجع تأسيس هذه الكنيسة في مصر إلى القرن الأول الميلادي . وقد أوفدت الكنيسة المصرية بعثة كبيرة إلى القدس وفق دعوة الملكة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين خلال الحكم المملوكي (1250-1517)، وخلال حكم محمد علي باشا أصبح لبابا الإسكندرية ممثل في القدس . . واليوم يضم التجمع القبطي الأرثوذكسي في “إسرائيل” نحو 1000 شخص فقط يتركزون في القدس والناصرة وبيت ساليم .

وتعرض المسيحيون الفلسطينيون منذ عام ،1948 للقمع والقتل والتدمير، وقد حاول الصهاينة أن يلعبوا على وتر الطائفية لإثارة المشاكل بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين . و من أبرز الممارسات الصهيونية ضد المسيحيين الفلسطينيين نذكر ما يلي:

- في عام ،1953 وبعد قيام دولة الكيان على أرض فلسطين أقدمت قوات الاحتلال على الاستيلاء على أملاك قريتي إقرت وكفر برعم وجميع أهالي القريتين من المسيحيين الفلسطينيين الموارنة . وطردت القوات “الإسرائيلية” أهالي القريتين قسراً .

- يذكر السيد قسطنطين قرمش عام 1993 وكان وقتها الرئيس الروحي للروم الأرثوذكس في القدس أنه في عام 1922 كان في فلسطين 196 ديراً وكنيسة لم يتبق منها عام 1993 إلا 48 كنيسة و47 ديراً . فقد هدمت منها كنيسة البصّة وكنيسة الشجرة وفي 23/7/1992 هدم “الإسرائيليون” كنيسة القديسة بيلاجيه في جبل الزيتون . ودمروا دير شعار والكنيسة التي بداخله على طريق بيت لحم الخليل .

- صادرت السلطات “الإسرائيلية” العديد من الكنائس والأراضي التابعة لها مثل كنيسة المنصورة، وكنيسة إقرت وأراضي كنيسة البصة المهدومة . كما استولت على كنيسة الأرثوذكس في حيفا . ومنعت إقامة الصلاة فيها لثلاث سنوات وبعد إعادتها للمسيحيين الفلسطينيين أخذ المتطرفون اليهود بإلقاء القاذورات على رؤوس المصلين . وصادرت السلطات “الإسرائيلية” الكنيسة المسكوبية في الناصرة . وفي القدس تمت مصادرة أراضِ تابعة للكنيسة الروسية وبُني عليها مشفى هداسا في عين كارم . وفي عام 1948 صادرت السلطات “الإسرائيلية” عقارات وأملاك المجلس الملي الأرثوذكسي في حيفا وأجّرتها السلطات إلى يهود بأجور زهيدة .

- لحق التدمير المقابر المسيحية منذ 1948وقامت الجرافات بحراثتها وتحويلها إلى حقول وبيارات مثل مقابر سيرين، معلول، البصة، ومقبرة المنصورة التي حوّلت إلى مزبلة . وتعرضت كنائس أخرى للحرق المتعمد، فقد قامت عصابة يهودية بحرق الكنيسة المعمدانية في مدينة القدس بما فيها مكتبتها وذلك بتاريخ 8/11/1982 . وفي عام ،1987 اعتدت مجموعة من أنصار الحاخام العنصرية مائير كاهانا على الكنيسة الأسقفية الإنجيلية في عكا وأحرقوا محتوياتها .

وشملت الممارسات الصهيونية اعتداءات على رجال دين مسيحيين . ففي عام ،1948 قُتل راهبان أرثوذكسيان في القدس على أيدي عصابات يهودية . كما قتل طالب لاهوتي أرثوذكسي في دير القطمون بالقدس على أيدي يهود . وفي عام ،1979 أيضاً قُتل الأرشمندريت فيلو مينوس في الدير الأرثوذكسي في مدينة نابلس على أيدي يهود . وفي العام ،1983 قتلت راهبتان روسيتان في عين كارم بالقدس، كما تعرض عدد من رجال الدين المسيحي للنفي خارج البلاد واعتقل عدد آخر منهم، تعرضوا خلالها لأنواع مختلفة من التعذيب والإهانات . وكان على رأس المعتقلين المطران كبوشي الذي كان بطريرك القدس للطائفة الأرثوذكسية بحجة مقاومة الاحتلال .

ومؤخراً، وفي سياق مشروع فرض الخدمة العسكرية تحت تسميات مختلفة (“الوطنية”، المدنية) على الشباب الفلسطيني داخل ما يسمى “الخط الأخضر” أحد أركان مشروع “الأسرلة” . وتقع الخدمة المدنية أو “الوطنية” في دائرة الخدمة العسكرية . وبعد نجاحها النسبي والمحدود في فرض التجنيد الإجباري على العرب الدروز . فقد أمرت الحكومة “الإسرائيلية” بإقامة هيئة مشتركة تضم ممثلين من الحكومة والفلسطينيين المسيحيين لدفع عملية تجنيد الشبان الفلسطينيين المسيحيين، الذين يعيشون في الداخل الفلسطيني ويحملون جوازات السفر “الإسرائيلية”، للجيش “الإسرائيلي” والخدمة المدنية .

وتواجه هذا الأمر المبادرة المسيحية الفلسطينية (كايروس فلسطين)، وهي عبارة عن مجموعة من رجال الدين المسيحيين الفلسطينيين والعلمانيين الذين صاغوا “وثيقة وقفة حق”، وجاء فيها: هذه الوثيقة هي كلمة الفلسطينيين المسيحيين للعالم حول ما يجري في فلسطين . هي وثيقة كتبت في هذه اللحظة الزمنية التي نريد أن نرى فيها تجلي نعمة الله في هذه الأرض المقدسة وفي المعاناة التي نمر بها . وبهذه الروح تطالب الوثيقة المجتمع الدولي بوقفة حق تجاه ما يواجهه الشعب الفلسطيني من ظلم وتشريد ومعاناة وتمييز عنصري واضح منذ أكثر من ستة عقود . وهي معاناة مستمرة تمر تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الصامت والخجول في نقده لدولة الاحتلال “إسرائيل” . كلمتنا هي صرخة رجاء وأمل مغلفة بمحبة صادقة مقرونة بصلاتنا وإيماننا بالله نوجهها إلى أنفسنا أولا وإلى كل الكنائس والمسيحيين في العالم نطالبهم بها بالوقوف ضد الظلم والتمييز العنصري ونحضهم على العمل من أجل السلام العادل في منطقتنا داعين إياهم إلى إعادة النظر في أي لاهوت يبرر الجرائم المرتكبة ضد شعبنا ويبرر قتله وطرده من وطنه وسرقة أرضه .

وأعلنت المبادرة: “نحن الفلسطينيين المسيحيين في هذه الوثيقة التاريخية نعلن أن الاحتلال العسكري لأرضنا هو خطيئة ضد الله والإنسان وأن اللاهوت الذي يبرر هذا الاحتلال هو لاهوت تحريفي وبعيد جداً عن التعاليم المسيحية، حيث إن اللاهوت المسيحي الحق هو لاهوت محبة وتضامن مع المظلوم ودعوة إلى إحقاق العدل والمساواة بين الشعوب . هذه الوثيقة ليست عفوية أو وليدة صدفة” .

ورفضت المبادرة أن يتجند الفلسطينيون في الجيش “الإسرائيلي” لاعتبارات، أخلاقية ولاعتبارات تتعلق بانتمائهم وهويتهم الوطنية، “ولن يحمينا إلا تمسكنا بانتمائنا العربي الفلسطيني، ولن يكون خيارنا خياراً طائفياً بل خيار الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب العربي الواحد بكافة أطيافه الدينية والمذهبية . والمقاومة غير العنفية لهذا الظلم هو حق لجميع الفلسطينيين وواجب عليهم” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2178498

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178498 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40