الجمعة 23 آب (أغسطس) 2013

المفاوضات السرية والفعلة الشنيعة

الجمعة 23 آب (أغسطس) 2013 par نافذ أبو حسنة

ليس هناك ما يدفع إلى تكذيب الحديث المتواتر عن لقاءات سرية تعقد بين وفود فلسطينية، وأخرى صهيونية في أماكن متفرقة من العالم، بهدف دفع المفاوضات التي انخرط فيها الجانبان، برعاية أميركية، فلا التجربة السابقة تشجع على دحض المعلومات عن هذه اللقاءات، ولا طبيعة المفاوضات الراهنة، تمنح القدرة على القول: لطالما توجد محادثات بين وفود معينة، ويتم الإعلان عنها، فلماذا اللقاءات السرية، ذلك أن هذه المفاوضات تكتسي طابعا من السرية أيضاً.

كالعادة، فإن المصادر الفلسطينية سواء “الرسمية” أم غير الرسمية، لا تقول شيئاً عن اللقاءات أو المفاوضات السرية، وغالباً ما تنكر وجودها حين تسئل عنها، وعندما تنشر وسائل إعلام الاحتلال، أو يدلي مسؤولوه بأحاديث عن لقاءات سرية، أو حتى يذكرون نتائج هذه اللقاءات يتطوع المسؤولون الفلسطينيون بالنفي والإنكار، ثم تكذبهم الوقائع، فيحين وقت الكلام عن الطابع غير الرسمي لتلك اللقاءات.. وبقية الحكاية المعتادة وشبه المعتمدة.

في الأيام القليلة الماضية، كشفت وسائل إعلام عبرية النقاب عن لقاء “فلسطيني - إسرائيلي” عقد بين مسؤولين فلسطينيين وقيادات من حركة فتح من جهة، وأعضاء في “الكنيست الإسرائيلي” في العاصمة المجرية “بودابست” لبحث استئناف المفاوضات بين السلطة ودولة الاحتلال.

وأوضحت صحيفة “معاريف” العبرية، في عددها الصادر يوم الأحد 18/8، أن الاجتماع ضم أعضاء من حزب “يوجد مستقبل” اليهودي، وهم أعضاء الكنيست دوف ليفمان، يفعات كريب، بوعز توبروبسكي، وموشيه مزراحي من “حزب العمل”، وديفيد تسور من “هتنوعاه”، ومن الجانب الفلسطيني كلاً من قدورة فارس، وسميح العبد، وعضو المجلس التشريعي عبد الله عبد الله، وجمال زقوت، مستشار رئيس الوزراء السابق سلام فياض.

ونقلت الصحيفة ذاتها عن عضو “الكنيست”، يفعات كريب، قولها “نحن هنا من أجل دعم العملية السلمية، وكلما توصلنا إلى حل الدولتين بشكل أسرع، كلما كان ذلك أفضل للجانبين”، وأضافت كريب: “من حديثنا مع الفلسطينيين، خرجت بانطباع أن هناك من يمكن الحديث معهم، وعليه فإن أي إعلان عن البناء في المناطق (الاستيطان) أو أي دعم لفكرة الدولة الواحدة بين النهر والبحر يلحق الضرر بالعملية السلمية، وعلى الحكومة الإسرائيلية اتخاذ قرارات مسؤولة وشجاعة”.
وأشارت “معاريف” إلى أنه في نهاية اللقاء اتفق الطرفان على إعداد إعلان مشترك يدعم العملية السلمية، لتشكيل ضغط سياسي على قادة الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاق، كما أبدى الطرفان دعمهما للحلول التي تستند إلى مبادرة “جنيف”.

اللقاءات السرية

بالعودة إلى السؤال عن سبب المفاوضات السرية بوجود إطار علني للتفاوض ينبغي توضيح جملة من المسائل المهمة، يقال عادة: إن ضمان قدر من السرية في بعض الأنشطة السياسية يوفر فرص نجاح لها، حيث يشكل الإعلام ونشر المعلومات عن الموضوعات الدبلوماسية، والمحادثات ضغطاً على المتفاوضين، ويعيق توصلهم إلى اتفاقات.

بقدر ما يمكن أن يكون هذا القول صحيحاً، بقدر ما يعتبر خطيراً جداً وضاراً في الحالة الفلسطينية، وذلك لسببين أساسيين: أولاً: ما يجري التفاوض حوله هو قضية شعب وحقوقه، والمفاوضات تجري مع رفض غالبية الشعب لها، ودون وجود أي نوع من التفويض للمفاوضين الذين يتحركون سراً أو علانية، ثانياً: في المفاوضات السرية يخسر الطرف الضعيف كثيراً، ويستطيع الطرف القوي فرض شروطه، ويحرم الضعيف نفسه من عناصر قوة كثيرة، واستناداً إلى ذلك، كان متوجباً على السلطة ووفدها التفاوضي رفض أي نوع من التفاوض السري، وإعلان أجندة المفاوضات، والمواقف المحددة إزاء كل نقطة منها، وبذا كانت تستطيع التعويض عن نقاط الضعف التي طوقت نفسها بها، قبل الدخول في جولة جديدة من العبث، وتضييع الحقوق الوطنية الفلسطينية.

لقد خاضت منظمة التحرير الفلسطينية مفاوضات سرية في أوسلو، أنتجت المفاوضات اتفاقاً كارثياً على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، السلطة تكرر المأساة من خلال التفاوض السري الجديد، وهي ترفض التعلم من الدروس، فضلاً عن إصرارها “المرضي” على رفض الاستفادة من عناصر القوة المتوفرة لديها، وأولها موقف الشعب الفلسطيني الرافض للمفاوضات العبثية والمتمسك بحقوقه الثابتة والمشروعة.

اللقاءات السرية.. ووثيقة جنيف

عدا المفاوضات السرية التي تتم وفق أطر محددة، كما هو حال مفاوضات عريقات - ليفني الراهنة، فهناك جولات التفاوض على غرار تلك التي كشفت عنها صحيفة “معاريف”، وفيها يلتقي الطرفان تحت عناوين التشاور وتبادل الآراء، وغالباً ما يقوم الصهاينة باكتشاف الكثير من التوجهات والرؤى، استناداً إلى تلك المشاورات غير الرسمية.

تختتم معاريف خبرها حول لقاء “بودابست” بالحديث عن اتفاق الطرفين على دعم العملية السلمية، ودعم حلول على أساس “وثيقة جنيف”، للتذكير: نتجت هذه الوثيقة عن اجتماع شبيه بذاك الذي شهدته العاصمة المجرية، وتضمنت سلسلة من أخطر التنازلات عن الحقوق الوطنية الفلسطينية، وفيها جرى صك مصطلح “الحل العادل والمتفق عليه لقضية اللاجئين”، ووردت عبارة تقول: “يختار اللاجئ مكاناً مناسباً لسكنه” خارج فلسطين طبعاً، فضلاً عن مواقف خطيرة تتصل بوضع مدينة القدس، وموضوعات أخرى، ويكفي القول: إن ياسر عبد ربه كان من بين صانعي هذه الوثيقة، كي يعرف حجم التنازل الذي تضمنته، في حينه، وعندما جرى الكشف عن وجود هذه الوثيقة قبل سنوات، قالت منظمة التحرير: الوثيقة صدرت عن لقاء غير رسمي، وهي لا تمثل الموقف الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية، (كيف هذا بحضور أمين سر اللجنة التنفيذية والعضو الدائم فيها؟) ولا تعبر عن موقف السلطة. وبعد ذلك تمكن كل متابع للشأن الفلسطيني، من اكتشاف التطابق الكامل بين مواقف السلطة التفاوضية، وبين ما جرى النص عليه في الوثيقة المذكورة، بحيث بدت الأخيرة أشبه بدليل عمل، أو قواعد اتفاق أساسية، يجري البناء عليها، بشأن كل مفردة من مفردات التفاوض، وهذا هو الهدف المقصود من لقاءات كهذه، عملية استطلاع سياسي، يستفيد منها الاحتلال، ويسجل فيها المفاوضون الفلسطينيون تنازلات جديدة.

من المتصور أن ما جرى التوافق عليه في بودابست، هو نوع من إحياء وثيقة جنيف سيئة الصيت، وهذا سياق يخدم مسار المفاوضات الراهنة، سرية الأجندة، والمصممة لتنازلات كبيرة وواضحة تحت غطاء السرية، وسيكون هناك حديث عن “الورقة غير الرسمية” الناتجة عن لقاء بودابست، ثم تعاود السلطة سيرتها الأولى.

ما يفعل في السر عادة، هو ما يخشى من فعله في العلن، المفاوضات الجارية سيئة إلى هذا الحد، هي فعلة شنيعة يخشى القائمون بها انكشاف أمرها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165986

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165986 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010