الجمعة 23 آب (أغسطس) 2013

كيري والمفاوضات و”حل الدولتين”

الجمعة 23 آب (أغسطس) 2013 par عوني صادق

“لقد أصبحت عبارة - دولة فلسطينية إلى جانب دولة “إسرائيل” رمزاً للخداع والنفاق والسذاجة” . عوزي برعام/ أحد قادة حزب العمل - (هآرتس-18/6/2013) .

في واحد من تصريحاته الأخيرة النادرة، بعد استئناف المفاوضات، بدا رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، اليميني المتطرف، وكأنه زعيم ما يطلق عليه “اليسار الإسرائيلي”، حيث تبنى أهم مقولاته . ففي رده على سؤال صحفي، قال مبرراً موافقته على العودة إلى المفاوضات برغبته في أن لا يصبح “الخيار الإسرائيلي” لحل الصراع مع الفلسطينيين “دولة واحدة ثنائية القومية”!

لقد انتهى “الإبداع” الأمريكي لحل القضية الفلسطينية، بعد توقيع (اتفاق أوسلو)، إلى “دولتين لشعبين”، و”قبل” الطرفان الخصمان بهذا الحل . لكن لا شيء على الأرض، وكذلك لا شيء فيما يصدر من تصريحات أو مواقف صانعي القرار في الكيان الصهيوني، يشير إلى ما يفيد أن الطرفين يتحدثان عن “مفهوم” واحد للحل، أو “هدف” واحد للمفاوضات، بل هما في تعريفاتهما لمفهوم “حل الدولتين”، وتحديد “الهدف” من المفاوضات، متناقضان إلى حد التضاد، حيث يصبح الاستنتاج الوحيد الممكن من تلك الوقائع والتصريحات والمواقف، هو أن الحل المقترح والذي يفترض أن المفاوضات تدور حوله ومن أجل تحقيقه، هو حل مستحيل تماماً . وهذا ما يجعل هذه المفاوضات أكذوبة .

ف “الدولة الفلسطينية”، مثلاً، التي يفترض أن تكون الحل المنشود، هي في مفهوم السلطة الفلسطينية المعلن “دولة مستقلة ذات سيادة، في حدود ،1967 والقدس الشرقية عاصمتها”، ما يفترض وجوب إخلاء المستوطنات، حتى لو سلمنا بفكرة “تبادل أراض طفيف” . لكن “الدولة الفلسطينية” هذه في المفهوم “الإسرائيلي” المعلن، هي “دولة منزوعة السلاح، لا سلطة لها على أرضها أو سمائها، أو حدودها أو مياهها، وأيضاً أمنها خاضع للأمن “الإسرائيلي” . “الدولة الفلسطينية” هذه في المفهوم “الإسرائيلي”، كما هو واضح، هي مجموعة من الكانتونات، أو الجزر المعزولة، بدون القدس الشرقية، وناقصة 85% مما تغطيه المستوطنات في الكتل الكبرى، كحد أدنى” (كما صرح بذلك وزير الخارجية الأمريكية جون كيري مؤخراً)، يوضع عليها يافطة تقول إنها “دولة”! أما المفهوم الأمريكي لهذه “الدولة” فهو كذباً “دولة قابلة للحياة”! ولا نعرف، ويبدو أنه لا يهم، إن كانت هذه “القابلية” نابعة من ذاتها أو من “الأجهزة” التي تمدها بالحياة، كالميت سريرياً إن رفعت عنه “الأجهزة” أعلنت وفاته .

لقد حدد كيري مدة أقصاها تسعة أشهر للوصول إلى اتفاق حول “قضايا الحل النهائي”، ولكن على أي أساس لا أحد يدري . فالواضح أن استراتيجية نتنياهو تقوم على أساس كسب الوقت للحصول على ما يريد، وإلا فإن بطاقة إفشال المفاوضات في جيبه، وهو إن لم يحصل على ما يريد سيفشلها . جريدة (هآرتس- 11/8/2013) تبدو متأكدة من ذلك، وتقول في افتتاحيتها، تعليقاً على قرار للإدارة المدنية: “ستفعل “إسرائيل” كل شيء كي تفشل المفاوضات مع الفلسطينيين . . إن الحكومة ستعمل كل شيء كي تثبت حقائق على الأرض من طرف واحد” . وكما يقول جون ويتبك، مستشار الفريق الفلسطيني المفاوض، في مقال نشر “بالنسبة مؤخراً ل”إسرائيل”، فإن الفشل دائماً ما شكل النجاح، إذ سمح لها بالاستمرار في مصادرة الأراضي الفلسطينية وتوسيع نطاق مستعمراتها في الضفة الغربية، وجعل احتلالها لفلسطين أكثر ديمومة وثباتاً” .

ولا يخفي نتنياهو هذه الاستراتيجية التي يتبعها ويتمسك بها، بل يلقيها هكذا في وجه الأمين العام للأمم المتحدة بلا لف أو دوران . فعندما استقبله بعد انتهاء جلسة المفاوضات التي عقدت يوم 14/8/،2013 قال له: “إسرائيل تنوي ضم الأحياء الاستيطانية في القدس والكتل الاستيطانية الكبرى، التي يعيش فيها معظم “الإسرائيليين” البالغ عددهم 360 ألفاً في الضفة الغربية، في إطار أي سلام مع الفلسطينيين”! وأضاف: “الأمر لا يتعلق بالمستوطنات، وهي ليست سبب استمرار النزاع . . إن القضية الحقيقية هي كيف نجعل دولة منزوعة السلاح تعترف وتقبل الدولة اليهودية”! هكذا يصبح الفلسطينيون هم سبب استمرار النزاع، ومعرقلو الاتفاق، وأعداء السلام!

وجاءت أقوال نتنياهو للأمين العام للأمم المتحدة، بعد ساعات من لقاء كان قد تم بين الأخير والرئيس محمود عباس في رام الله، حيث أدلى (الأمين العام) بتصريح بعده قال فيه: إن “الاستيطان يجعل حل الدولتين أمراً مستحيلاً” .

لقد كان الحديث عن “الدولتين” حديثاً مخادعاً منذ اللحظات الأولى من تاريخ القضية الفلسطينية، وليس الآن فقط . وقد رفضت الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة فكرة “الدولة الفلسطينية المستقلة” منذ بن غوريون وحتى نتنياهو . ففي الوقت الذي أقرت الأمم المتحدة بقرار تقسيم 1947 (رغم الجور الذي انطوى عليه) إقامة دولة فلسطينية على 46% من فلسطين، إلا أن الحرب التي شنتها العصابات الصهيونية في العام نفسه تجاوزت تلك الحدود واحتلت مناطق داخل حدود “الدولة الفلسطينية” المفترضة، ثم عرقلت كل جهد بذل لتنفيذ القرار الدولي . وبعد حرب حزيران ،1967 بدأ فرض “الحقائق الجديدة”، وغابت الفكرة تماماً، وللأمريكيين فضل كبير في ذلك .

اليوم يعود هذا الحديث، وتعود المفاوضات . . وتستمر عملية الخداع .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2165265

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165265 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010