الأربعاء 21 آب (أغسطس) 2013

المفاوضات ولعبة البينغ بونغ

الأربعاء 21 آب (أغسطس) 2013 par علي بدوان

باتت مفاوضات التسوية (ونقول التسوية وليست مفاوضات السلام) الفلسطينية ـ الإسرائيلية أشبه بلعبة طاولة البينغ بونغ، كرة مقذوفة وكرة مرتدة، تتقاذفها أفعال وردود أفعال متبادلة دون أن تنتهي إلا بعد تَعَبِ كلٍ من الفريقين وخضوع الفريق الفلسطيني لضغوط هائلة لتعود اللعبة ذاتها بعد استراحة معينة وعلى المنوال ذاته.
اللعبة تُعاد الآن، بطريقة تراجيدية مكررة لأكثر من مرة، فالفلسطينيون على مستوى الإطار الرسمي وحتى عامة الناس في الداخل تحت وقع الضغوط التي لا تنتهي لدفعهم للعودة لطاولة المفاوضات المختلة والبعيدة عن التوازن : ضغوط سياسية، وضغوط اقتصادية وغيرها، وابتزاز أميركي إسرائيلي لاينتهي وقد وصل في أحايين كثيرة منه إلى لقمة عيش المواطنين الفلسطينيين من خلال التهديد بتجميد تدفق أموال الدول المانحة للسلطة الوطنية الفلسطينية وبالتالي في قطع رواتب العاملين في عموم المؤسسات في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1967، خصوصاً في ظل غياب (شبكة الأمان العربية المالية) التي جرى الحديث عنها مراراً وتكراراً، والمفترض توفيرها للسلطة الوطنية وللشعب الفلسطيني.
هذا مايجري الآن من تقاذف متبادل في الكرة الواحدة، بعد جولة واشنطن التفاوضية الأولى التي عقدت قبل أسبوعين بعد العودة للمفاوضات، وبعد الجولة الثانية التي بدأت قبل أيام في القدس الغربية والتي جرت في أحد فنادق المدينة واستمرت لمدة خمس ساعات وسط تكتم شديد والتزاماً بما تم الاتفاق عليه وفق مصادر الاجتماع، حيث امتنع المشاركون عن الإدلاء بأي تصريحات ولم يصدروا أي بيان، بينما تشير معلومات جرى تسريبها بأن الطرفين المتفاوضين دخلوا في نقاش عقيم لتحديد إطار المفاوضات حتى يباشرا معالجة القضايا الجوهرية خلال اللقاء المقبل المقرر عقده في مدينة أريحا بالضفة الغربية، وهو نقاش مستديم جرى تناوله على امتداد العملية التفاوضية منذ سنوات. وبذلك انتهت الجولة الثانية التي عقدت بالقدس بمجاملات وكلام عام دون تحديدات، بل إن الإطلالة على المشهد الراهن، ومن منظور سياسي موضوعي بالدرجة الأولى، لا تكاد تُبشر بالكثير، وتشير الى أن فرص نجاح العملية التفاوضية ونجاح مايُعرَفُ بحل الدولتين هي ضئيلة جداً، فالطريق لا يزال وعراً ومحفوفاً بالعثرات والمطبات، خصوصاً مع وجود المنسق (مارتن إنديك) الذي يشكّلُ بحد ذاته إشكالية في الاختيار كونه يهوديا أولاً، وله نشاطات في المجتمع اليهودي والصهيوني ومنظمة (الإيباك) ثانياً، وهو شخص غير حيادي ومنحاز بالكامل لصالح الرؤية والموقف الإسرائيلي فهو ليكودي أكثر من نتانياهو ذاته ثالثاً. وللأسف إن معظم الدبلوماسيين الأميركيين الذين عملوا على الملف التفاوضي الفلسطيني الاسرائيلي منذ عقدين من الزمن هم من يهود الولايات المتحدة ومن نشطاء منظمة (الإيباك) وهو أمر له دلالاته ولم يتأت عفوياً دون دراسة وتمعّن وتقّصد.
إن المنجز الوحيد الذي تَبِعَ الجولة التفاوضية الثانية التي عقدت في القدس المحتلة، لم يكن سوى الإفراج عن بعض المعتقلين والأسرى الفلسطينيين القدامى في سجون ومعتقلات الاحتلال وعددهم (26) معتقلاً وأسيراً فلسطينياً من معتقلي ما قبل اتفاق أوسلو الأول في إطار ما أسمته الإدارة الأميركية تسهيل عملية استئناف المفاوضات في حين وصف وزير الخارجية الأميركية جون كيري تلك الخطوة بأنها تعبر عن قدرة نتانياهو على اتخاذ القرارات الصعبة (وهو قولٌ مُضّحك على كل حال ومثير للتعجب..!). فإذا كان قرار الإفراج عن دفعة من الأسرى الفلسطينيين صعباً ويحتاج لجرأة عالية على حد تعبير الوزير الأميركي جون كيري فكيف بنا أمام القضايا الكبرى المتعلقة بالعملية السياسية التفاوضية وعلى رأسها مسائل القدس واللاجئين وتفكيك المستعمرات والاستقلال الاقتصادي إلخ ...
وبالطبع، لايمكننا إلا أن نُرحّب بإطلاق تلك الدفعة من الأسرى والمناضلين الفلسطينيين الذين ذاقوا وتجرعوا ويلات السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وهم الدفعة الأولى في أول نبضة من أربع نبضات قيلَ إنها سترافق أشهر المفاوضات التسعة كما هو مقرر. ولكن للأسف إن هذا المُنجز مُرتبط بتوسيع عملية الاستيطان والتهويد كما تقول العديد من المصادر. فالمصادر الإسرائيلية وعلى صفحات العديد من المطبوعات العبرية الصادرة قبل أيام في القدس وتل أبيب أشارت سلفاً إلى اتفاق أُبرم بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو وحزب البيت اليهودي الشريك الأساسي في الائتلاف الحكومي، ويقوم على مقايضة السكوت من قبل الائتلاف الحكومي على الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مقابل توسيع المستعمرات المقامة في مناطق القدس وبعض مناطق الضفة الغربية وهذا مايفسر إعلان حكومة نتانياهو بالمصادقة على حملة عطاءات لبناء وتوسيع بعض المستعمرات في أجواء الجولة الثانية من المفاوضات والتي ووجهت بحملة سياسة فلسطينية من قبل كل الفصائل التي ترفض العودة للعملية التفاوضية مادامت عمليات التهويد متواصلة، ومادامت تلك المفاوضات بعيدة عن مرجعية الشرعية الدولية ودون رعاية مباشرة من الأمم المتحدة.
فالإعلان الإسرائيلي بالموافقة على عطاءات استيطانية جديدة تم بموافقة أميركية مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين وهو مايزكي صوابية الموقف المعلن من قبل الغالبية الساحقة من فصائل العمل الوطني الفلسطيني بما في ذلك غالبية قيادات حركة فتح، وهو الموقف الذي عارض بشدة القرار الرسمي الفلسطيني بالعودة للمفاوضات دون التزام الحكومة الإسرائيلية بوقف كل أشكال النشاطات الاستيطانية وإعلانها الصريح بأن حدود الرابع من يونيو عام 1967 هي الحدود الفاصلة بين الدولتين (أي حل الدولتين الذي بدأ يتلاشى كما تشي كل الوقائع والمعطيات ...؟) وبأن قرار العودة للمفاوضات كان خطأً وخطوة مجانية دفعت إسرائيل لمزيد من التعنت وفتحت شهيتها على المزيد من مصادرة الأرض الفلسطينية وتكريس احتلالها لها.
إلى ذلك، لا يكفي هنا، والحالة هذه إدانة تلك العطاءات الاستيطانية كما صدر عن الجميع من القوى والفصائل الفلسطينية بما في ذلك السلطة الفلسطينية وعلى لسان الرئيس محمود عباس، فالموقف الأنجع والأفضل كان بالإعلان فوراً عن وقف العملية التفاوضية والتأكيد القاطع على أن العودة إليها لن يتم ما لم تلتزم الحكومة الإسرائيلية بوقف كل أشكال النشاطات الاستيطانية، وفي نفس الوقت متابعة الجهود الدبلوماسية لتوسيع حضور فلسطين كدولة وكيان للشعب الفلسطيني داخل أروقة المجتمع الدولي والانضمام إلى ما هو ممكن ومناسب من المؤسسات والوكالات والمنظمات والاتفاقيات والمعاهدات التابعة للأمم المتحدة، كي تكون هذه الأخيرة وسيلة ومنبراً وساحة لمقارعة إسرائيل قانونياً وسياسياً ودبلوماسياً.
أخيراً، إن العَتَب الفلسطيني (الشعبي والرسمي) كبير على الحالة العربية الرسمية حيث باتت القضية الفلسطينية عنواناً ثانوياً على أجندتها، في ظل الاضطرابات الهائلة التي تشهدها المنطقة، وفي ظل الغياب العربي الواضح عن التأثير على مسار العملية السياسية الدبلوماسية على المستوى الدولي من أجل إعادة التوازن للعملية التفاوضية من خلال دعم الموقف الفلسطيني بدلاً من ترك الفلسطينيين وحدهم تحت المطرقة الإسرائيلية والسندان الأميركي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2177908

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2177908 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40