الاثنين 19 آب (أغسطس) 2013

مصر وحماس وفلسطين

الاثنين 19 آب (أغسطس) 2013 par د. فايز رشيد

مما لا شك فيه أن حركة حماس هي من أكثر المتضررين من عزل الرئيس مرسي ومن إسقاط حكم الإخوان المسلمين في مصر، ذلك أنها امتلكت أفضل العلاقات مع حزب الحرية والعدالة ومع الرئيس المعزول تحديداً . لقد صاغت حماس (باعتبارها فرعاً من فروع الإخوان المسلمين) أفضل العلاقات مع مرسي والإخوان، حتى أنها وعندما قام (استجابة لطلب أمريكي “إسرائيلي” مشترك) بإغراق الأنفاق في رفح بالمياه العادمة، لم تُصدر بياناً يدين هذه الخطوة! لقد تجسد أوج هذه العلاقة عندما اقترح مرسي على حماس بقبول وقف لإطلاق النار مع الكيان الصهيوني (وفقاً لطلب أمريكي) في اعتداء نوفمبر/تشرين الثاني 2012 على القطاع وقبلت الأخيرة . بعد ذلك ابتدأت حماس انتهاج سياسات جديدة متعارضة مع ما روجت له سابقاً سواء بالنسبة لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، حيث خفت هذا الشعار في خطابها، كذلك قبول دولة فلسطينية على حدود عام 1967 إذ أصبحت تقبل بهذا الأمر (وهذا ما صرح به كثير من قادتها أبرزهم خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي في مقابلة له مع فضائية سي .إن .إن الأمريكية) أو في العلاقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً (تصريح الناطق الرسمي باسم حماس أحمد يوسف: من أن مسألة إزالة حركة حماس عن قائمة الإرهاب أوروبياً وأمريكياً هي مسألة وقت . واستغرب الناطق كيف أن هذه الدول تقيم أفضل العلاقات مع الإخوان المسلمين وتضع فيتو على حماس) .

موقف حماس من حراك يونيو في مصر تماهى تماماً مع موقف الإخوان المسلمين في مصر، فقد عدّت ما قام به السيسي انقلاباً وطالبت - وما تزال - بعودة مرسي كونه (من وجهة نظرها) رمزاً للشرعية وهي تقف (تقريباً) في موقف العداء بالنسبة للحكم الجديد، وخريطته للمستقبل التي حددها السيسي . ليس ذلك فحسب، بل جعلت حماس من الفضائيات التابعة لها، الأقصى والقدس ناطقاً رسمياً باسم الإخوان المسلمين في مصر، واقتصرت برامجها على تأييدهم . وفتحت قناة اتصال مباشرة مع ميدان رابعة العدوية في القاهرة، وكذلك مع كل الميادين التي يعتصم فيها الإخوان . النقطة الأبرز في عداء حماس للحكم المصري الجديد تمثلت في تصريح ناري لأحد المتحدثين باسمها وهو من قادتها سامي أبو زهري أيضاً عندما صرّح (بالحرف الواحد) قائلاً: إن قرار الاتهام الذي وجه للرئيس محمد مرسي بالتخابر مع حماس، يؤكد أن السلطة القائمة في مصر تتنصل من القضايا القومية، وتتقاطع مع أطراف أخرى, للإساءة إليها، وفي مقدمتها قضية فلسطين! إن هذا التصريح بعيد عن الدبلوماسية ويحمل في طياته اتهامات خطرة، ويعمل على قطع شعرة معاوية بين مصر وحركة حماس .

بدايةً، ليسمح لنا أبو زهري بالقول إن تنصيب نفسه وحركته ناطقاً رسمياً باسم فلسطين هوخطأ كبير، ففي فلسطين فصائل وطنية وإسلامية أخرى لها موقف مغاير لموقف حماس التأييدي بدرجة مطلقة من مرسي والإخوان، فمنها من وقف مع التغييرات الجديدة وعدّها خطوة إيجابية جديدة في تأكيد والالتزام المصري نحو القضية الفلسطينية، ومنها من نأى بنفسه عن التدخل في الشأن المصري وعدّ ما جرى سياسة داخلية مصرية . هذه الفصائل أدركت أن ما مارسه مرسي بالنسبة لفلسطين متماه مع ما مارسه حسني مبارك تجاهها وبشكل قاطع . كان الأولى بحماس ولاعتبارات خصوصيتها الفلسطينية أن تنأى بنفسها عن تأييد طرف دون آخر في ما جرى في مصر من أحداث . نقول ذلك لأن هذا التأييد من قبل حماس للإخوان، جعل حماس هدفاً لاتهام كثير من المصريين وكثير من الجهات بالتخابر مع الرئيس المصري المعزول من أجل تهريب المساجين أثناء انتفاضة 25 يناير . كذلك الاتهام لحماس بقتل عدد من الجنود المصريين في سيناء ومساعدتها للاتجاهات السلفية، واتهامها بتهريب الأسلحة إلى سيناء أيضاً، وغيرها من الاتهامات، هذا أولاً .

ثانياً، موقف حماس أعطى نمطاً من المبررات، لبعض المتصيدين في الماء العكر حتى أن إعلاميين كثراً، وكتّاباً ومحللين سياسيين ووجوهاً سياسية عديدة قاموا بتصعيد الحملة الإعلامية على كل الفلسطينيين الذين وقفوا في معظمهم مع التغييرات المصرية الجديدة، وقاموا بمسيرات عدة تأييداً لحراك 30 يونيو/حزيران . إن الموقف الشعبي الفلسطيني هو التضامن بالكامل مع الموقف الجماهيري الشعبي المصري، الذي عبّر عن نفسه في السادس والعشرين من يوليو/تموز الماضي، استجابة للنداء الذي أطلقه السيسي قبل هذا التاريخ، ودعوته للشعب المصري للخروج الى الساحات لتفويض الجيش بمقاومة الإرهاب . إثر النداء خرج ما يقارب الخمسة وثلاثين مليوناً في ميادين التحرير وبقرب قصر الاتحادية وفي الإسكندرية، وفي أغلبية المدن المصرية، ذلك باعتراف جهات إحصائية عدة .

كان الأولى بحماس تغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية على المصالح التنظيمية الضيقة الأفق، سواء باتخاذ مواقف موضوعية تجاه ما جرى ويجري في مصر، أو بالنسبة لإصدار مواقف واضحة تدين الإرهاب في سيناء . لقد وقفت مصر عبدالناصر مع القضية الفلسطينية قلباً وقالباً، وعدّتها قضية مركزية لها . في عهد السادات رفض الشعب المصري اتفاقية كامب ديفيد، وفي كل التظاهرات التي قامت ضد الاتفاقية تم رفع الأعلام والشعارات التي تطالب بتحرير فلسطين . في عهد مبارك قامت تظاهرات تطالب برفع الحصار عن غزة، وفي انتفاضة 25 يناير هوجمت السفارة “الإسرائيلية” في وسط القاهرة وتم إتلاف محتوياتها . هذا غيض من فيض التأييد الشعبي المصري لفلسطين وقضيتها، تماماً مثل كل شعوب أمتنا العربية المجيدة من المحيط إلى الخليج . إن الرؤية من المنظار الضيق للظاهرة لا يمكنها أن تميز بوضوح، فهي تظل محدود بإطارها التنظيمي المصلحي الضيق، علينا أن نرى بوضوح اللوحة الشاملة للحدث أو الظاهرة، وهذا ما نتمناه للإخوة في حركة حماس .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165976

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165976 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010