الاثنين 19 آب (أغسطس) 2013

لا وقت لإرجاء مؤتمر جنيف

الاثنين 19 آب (أغسطس) 2013 par د. عبد الاله بلقزيز

يعرف الأمريكيون والروس أنه لا حل للأزمة السورية إلا من طريق التفاوض والتسوية السياسية، وأن الحسم العسكري للأزمة ممتنع - في الأمد المنظور- على الفريقين المتحاربين في الداخل السوري، وأن المعارك الجارية - على غير جبهة- قد تظل مستمرة إلى ما شاء الله من الزمن إن لم تتدخل في المشهد الدموي جراحة سياسية: إن بالحسنى أو بالإلزام (الخارجي) . وهم ليسوا في حاجة إلى ذكاء كبير ليدركوا امتناع الأزمة السورية على الحسم المسلح، فالنظام، كما لم ينفكوا يلاحظون، يسيطر على المدن والمراكز الكبرى، ويحرز انتصارات كبيرة في المواجهات، ويحافظ على تماسك جهازه العسكري والأمني، والمعارضة مازالت تستطيع أن تتلقى الدعم العسكري الخارجي الذي تصد به تقدم الجيش النظامي، أو تفتح به جبهات قتال أخرى عليه . وبكلمة، مازال بعض من توازن القوى - أو توازن الأذى - يفرض نفسه على معارك الداخل السوري فيعطل إمكان الحسم العسكري لمصلحة أي من الفريقين .

ليس الإدراك هذا، عند الروس والأمريكيين وربما عند غيرهم، جديداً أو وليد الأشهر الأخيرة من القتال الشرس في الجبهات السورية المختلفة، وإنما هو يعود إلى نهايات العام 2011 . وهو كان في أساس التوافق الأمريكي - الروسي على “بيان جنيف” الأول، الذي عطلته أوهام طارئة كان للأوروبيين - وللفرنسيين والأتراك بخاصة - دور في إشاعتها، و- بالتالي - في تعطيل صيغة جنيف من خلال مؤتمرات “أصدقاء سوريا” التي لم تسقط النظام ولا انجدت المعارضة!!! ثم لم يلبث الإدراك عينه أن تجدد، في ربيع هذا العام، فأفضى بالدولتين الكبيرتين إلى “اتفاق جنيف 2” .

غير أن تأجيل عقد مؤتمر جنيف، لمرتين أو ثلاث، بدا فعلاً مجافياً لمنطق ذلك الإدراك، وعاملاً جديداً من عوامل مفاقمة الأزمة السياسية السورية، المستفحلة أصلاً، إما من خلال تشجيع الخيار العسكري ومنحه- دولياً - فرصة جديدة لتجريب امكانه، أو - على الأقل - من خلال الإيحاء بأن فرص التسوية السياسية للأزمة لم تنضج بعد، مما يشجع هذا الفريق أو ذاك على الاستفادة من الوقت/ الفراغ الممنوح، وتجريب فرضية الحسم العسكري! وهذا، بالذات، عين ما يحصل في بلاد الشام، في معارك حمص ودمشق وريف اللاذقية، منذ ترحيل موعد عقد مؤتمر جنيف!

مع كل هذا الوضوح في الصورة، عند الأمريكيين والروس، ثمة لغز حقيقي في المشهد اسمه التأجيل: تأجيل مؤتمر جنيف إلى نهاية هذا العام! ومن يدري: ربما إلى ما بعد هذا الموعد؟! ما الذي يبرر هذا التأجيل مع علم أصحاب الدعوة أن لا حل للأزمة السورية إلا بالوسائل السياسية السلمية؟

إدارة أوباما صريحة - هذه المرة - في الإفصاح عن أنها من طالب بتأجيل المؤتمر . لكن مبرراتها في طلب التأجيل ليست وجيهة ولا هي عقلانية لأنها، بكل بساطة، تصطدم بوعي هذه الإدارة بأن الحل السلمي هو وحده الأفق المفتوح للخروج من نفق الأزمة في سوريا . ومن مبرراتها، التي أعلنت عنها بعد معركة القصير، أنه لابد من توازن عسكري لإنجاح مؤتمر جنيف، وأن الذهاب إليه الآن في ظل اختلال القوة لمصلحة النظام لن يثمر تسوية “متوازنة” . وهذا ما كان في أساس قرار إدارة أوباما تسليح المعارضة السورية، وإبلاغ الروس بتأجيل موعد المؤتمر . وما أغنانا عن القول إن المعنى الوحيد لهذه المبررات أنها تمنح الحرب في سوريا - وعلى سوريا - فرصة جديدة ستنتهي إلى المآلات عينها التي انتهت إليها الفرصة الممنوحة بين جنيف 1 وجنيف ،2 مع ما رافقها من وقت مهدور، ودم مهدور، وتعفن في جسم أزمة البلد اعتاص معه أي حل!

إن لعبة البحث للتسوية عن ميزان قوى عسكري لعبة قاتلة، ومهلكة سياسية للتسوية نفسها، ذلك أن من يشعر أن وضعه العسكري متوازن، ويسمح له بالصمود في المعارك، تغريه أوهام الحسم المسلح، ولا يعود يلتفت إلى شيء اسمه الحل السياسي . ولقد سمعنا كثيرين يقولون: أعطونا السلاح النوعي لمواجهة الجيش النظامي، وسترون أنه لا حاجة إلى الذهاب إلى مؤتمر جنيف 2! وإذا ظن الروس، أيضاً، أن هذا التأجيل قد يفتح باباً جديداً أمام إمكان استكمال النظام انتصاراته العسكرية - في القصير ثم في حمص - فهم سيغامرون بمستقبل تسوية جنيف أيضاً: إذ من ذا الذي سيجبر جيشاً نظامياً منتصراً على التفاوض مع مسلحين معارضين مهزومين؟!

لا تكون التسوية ممكنة إلا مع امتناع خيار الحسم العسكري، وحيث تصبح الحرب عبثاً، وهو عين ما يجري اليوم . وأي تغيير في هذه المعارك، وفي هذه الحالة، يغير من إمكان التسوية . ومن نافلة القول أن الزمن ثمين في مثل

هذه الحال، بحيث لا يقبل الهدر، وأن الإسراف في إنفاقه في الاحتمالات الخاطئة يجعل ما كان في حكم الممكن مستحيلاً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165848

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165848 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010