الأحد 18 آب (أغسطس) 2013

مفاوضات .. و“استيطان” مقابل أسرى !

الأحد 18 آب (أغسطس) 2013 par عبداللطيف مهنا

بين يدي أنديك ، ممثلاً لراعيها الأميركي ، انطلقت قبل أيامٍ المفاوضات بين المحتلين الصهاينة والفلسطينيين الأوسلويين . اختارت اطراف الحدث أمكنتةً وأزمنتةً وأجواءه وجميعها لاتخلو من دلالاتٍ . بدايةً كان التمهيد الإحتفالي لها بين يدي راعيها في واشنطن ممثلاً بجون كيري ، اما الانطلاق ، ففي حضرة القائم عليها ، مبعوثه مارتن إنديك ، في القدس المحتلة ، حيث يشنِّف آذان المتفاوضين أزيز الجرَّفات الفاغرة أفواهها باحثةً عن بقايا من أشبارٍ في المدينة لم تهوَّد بعد . هذه الجرافات النشطة التي ليس لصدفةٍ تضاعف ضجيجها بالتزامن مع انطلاقها ويتصاعد أكثر برفقتها . أما زمنياً ، فلدينا مفارقة أوسلوية بامتيازٍ ، هي أن دوران عجلتها يتصادف مع انقضاء آخر المواعيد المضروبة ، التي دأب معهود التكاذب الفلسطيني حول إنجاز ما أصطلح على نعته ب“المصالحة الوطنية” على التبشير بها ... التكاذب الذي يأتي إعلان قبول الحمدالله تشكيل حكومة سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الإحتلال في رام الله في يوم انقضاء موعده المستحيل كإجهازٍ على حديثه ولو إلى حين ... بالمناسبة ، الحمدالله قبل المهمة وفق قواعد لعبتها التي كان قد استقال محتجاً عليها ، وسيشكِّل حكومته كما كانت قد شُكِّلت له في حينها ، حين ورثها شبه كاملةٍ عن سلفه ، وستظل حكومة سيدها وصاحبها رئيس السلطة ، المنتهية ولايتة وفق قانونها الأوسلوي ذاته ومنذ أمدٍ لايهم !
بالنسبة للأجواء التفاوضية ، يتم التقيد بالسرية التامة المتفق عليها ، تلكم المعلنة سلفاً من قبل كيري إبان احتفالية الإيذان بالإنطلاق في واشنطن . كان قد قرر أن له وحده حصراً امتياز حق الكلام باسمها وحولها ، وهاهم حتى احتفظوا بسرية مقر انعقاد مفاوضاتهم المقدسي . أما ماخلا ذلك فلكلٍ من طرفي التفاوض أن يختلق أجواءه الخاصة به ويوظِّفها ماامكنه ووفق مشتهاه . الصهاينة ، استبقوها ورافقوها بإطلاق سيلٍ عرمٍ ومعلنٍ من قرارات “الإستيطان” وتأكيد نواياهم مواصلة اتمام الخطوات المرصودة المتبقية لانجاز استراتيجية كامل التهويد المبتغى لما تبقى بعد ولم يهوَّد من فلسطين . قبل يومين فحسب من انطلاقها قرروا بناء 1200 وحدة سكنية اضافية في مستعمرات الضفة ، ومع انطلاقها أعلنوا عن 942 أخرى في مستعمرة جيلو جنوبي القدس . وصرَّح وزير اسكانهم اوري اريئيل عن نية بناء الآلاف منها فيما يعرِّفونها بالمستعمرات المعزولة ، وجزم في مقابلةٍ تلفازيةٍ أن “لااحد يملي علينا أين نبني” ... مستجد هذه الهجمة التهويدية المُتقصَّد في تزامنه مع انطلاق هذه المفاوضات أبلغ نتنياهو حلفائه الأمريكان به مسبقاً قبل ثلاثة اسابيع ، هذا وفقما سرِّب لها ونشرته صحيفة “هآرتس” ، وقال مارك ريغيف المتحدث باسم حكومته حول هذا المستجد التهويدي ، “إن ذلك لن يغيِّرفي حال الخريطة النهائية للسلام” !
بالمقابل ، فلسطينيو التفاوض والتفاوض الى ماشاء الله كان كل مالديهم لايعدو ترداداً لذات الإكليشيه التي مانفكوا يعقبون بها على كل مستجدٍ تهويديٍ . رأى المفاوض محمد اشتية ، إنه إنما “يدل على عدم جدية اسرائيل في المفاوضات” ، اما كبير المفاوضين ، وصاحب نظرية “المفاوضات حياة” ، صائب عريقات ، فعبر عن تفاؤله “باستمرار المفاوضات” ، مع تحذيرٍ للطرف الآخر ، اقتبسه من مأثور اغاني السيدة أم كلثوم ، “انما للصبر حدود” !!!
لكنما هناك مااتفق الطرفان معاً عليه ليوظِّفه كلٍ منهما وفقما اراده منه ، إنه ادخال ألأسرى الفلسطينيين بازار المساومات . أطلق الصهاينة مع بدء المفاوضات 26 أسيراً من قدماء الأسرى ، 25 منهم كان من المفترض اطلاقهم منذ زمن الإقدام على جريمة توقيع اتفاقية أوسلو الكارثية ، ذلك كدفعةٍ أولى من اربعٍ لما لايزيد عن 104 من الأسرى أعلنوا عن ازماعهم على اطلاقهم على دفعاتٍ وبمايتفق مع سير المفاوضات . حاولوا استثمار هذا كتضحيةٍ ثمينةٍ منهم على مذبح التفاوض ، وتوظيفها كونياً كلفتةٍ انسانيةٍ مزعومةٍ يتسترون بها على وحشيتهم ، كما افادوا منها ، تحت ستارٍ من مزاعم تهدئة متطرفيهم ، في اطلاق العنان لجرافات “الإستيطان” . أما فلسطينيو أوسلو فحاولوا الإيهام بأن هذا الأفراج وفقما تم هو منجز تفاوضي ، وتعلَّةٍ تبررعودتهم للمفاوضات وفق شروط المحتل ... وفي حين يحق لأسر الأسرى وذوي الأبطال المفرج عنهم الفرحة ، أشاعت سلطة رام الله أجواءً احتفاليةً بالمناسبة تهدف للتغطية على الرفض الشعبي لهذا الفصل من فصول كارثة المسيرة التفاوضية التنازلية .
مفاوضات الرباعي ليفني وملوخو وعريقات وشتية وخامسهم إنديك ، رغم كل ماتقدم ، وما يشيعه الصهاينة عن حصيلتها من اجواءٍ تشاؤميةٍ ، ناهيك عما يمارسونه عملياً ، قد لاتعدم حظاً ، في ظل الراهن الفلسطيني والواقع العربي والسائد الدولي ، الأكثر رداءةً أو تهيئةً لتصفية القضية الفلسطينية ، في مفاجئتنا بمحصلةٍ تسفر عن دويلة نتنياهو الفلسطينية المقترحة ، بمزقها الكانتونية المبعثرة ، وحدودها المؤقته ، وشكل ما من ارتباطٍ بالأردن ، ونوعٍ من السيادة الأمنية والإقتصادية الصهيونية عليها ، وفوق هذا وكله ، منزوعة السلاح ، ومعترفة لنتنياهو بيهودية كيانة ... وإلا ، يكفي نتنياهو “الاستيطان” المنفلت مقابل قليلٍ من الأسرى !!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2178780

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178780 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40