الاثنين 28 حزيران (يونيو) 2010

حماس وعباس : صراع الاتزانات ....

الاثنين 28 حزيران (يونيو) 2010 par أيمن اللبدي

سألني أحد الأخوة قبل أربع سنوات متى ينتهي هذا الذي رأيناه في غزة، وأجبت يومها سيحتاج الأمر عقداً أو يزيد، أما محمود عباس فقد سبق له أن قال بأن حماس عرضت عليه أو سألته أن يتم التمديد لعشر أو يزيد، وإن كان صادقاً فيما قال فهذه تمام العقد من جهة حماس، وإن كان غير ذلك فهذه أيضا تمام العقد من جهته هو هذه المرة، ولتبقى مسألة الورقة المصرية تتهادى على إيقاع أغنية الراحل، «بابوري رايح، بابوري جاي»، لكنه لا يحمل لا السكر ولا الشاي، بل يحمل فقط مزيداً من البضاعة المتوفرة بكثرة في الساحة الفلسطينية، الهموم والمواجع والحسرات.

يسأل المواطن الفلسطيني السؤال الذهبي، لنفترض أن عباس وجماعته كانوا يتآمرون على حماس، وقامت حماس بالرد على هذه المؤامرة بحسمها، هل يبحث القوم اليوم في الصلح على أساس قطع المؤامرات، أم على أساس الاستمرار فيها فصولاً جديدة؟ والحق أن قطع المؤامرات والكف عنها يعني مباشرة الذهاب إلى برنامج مشترك، ويعني هذا البرنامج المشترك أن النوايا قد أصبحت سليمة، وأن الغاية قد أصبحت هدفاً مشتركاً في حدوده الدنيا، وعلى هذا الأساس فلينتظر الناس قليلا، حتى ترتاح البلاد والعباد مستقبلاً، أما أن تكون هذه الانتظارات فواتير إضافية، هنا تكمن الكارثة.

قبل البحث في مسألة علام يتم الحديث اليوم في مسألة المصالحة، من المهم أن نرى ما الذي يقوله ويعد به كل طرف في هذه الحكاية، ومن المهم أن نلاحظ أن الطرفين في هذه الحكاية باتا أوضح من عين الشمس، فهما مشروع محمود عباس ومعه فتحه الدايتونية، ومشروع خالد مشعل ومعه حماسه الأخوانية، وبقية الأطراف تستثنى من الجوهر، وهي تلحق فقط بالشكلانيات وعند اللزوم، ومن خلف كل طرف لاعب مؤثر، ومستشار عنيد، والدائرة الكبيرة، ثبت أنها مغلقة على هذه الحدود، وهذه العوامل في هذه المعادلة، التي باتت تعرف باسم «المصالحة الفلسطينية»، وانتقلت من موضعها الذي كانت عليه، كأحد التفصيلات على المشهد، إلى قضية كاملة بكل أضابيرها وفروعها.

مشروع محمود عباس من فمه وليس من فم غيره، التفاوض مع كيان «إسرائيل» لا غير، والهيئة التي ترافع في هذه المفاوضات ، هيئة تتمسك بورقة حسن السلوك التام، وفق ما يرضي غلاة المستعمرين الصهاينة، وحتى تحن أمريكا على هذا الموقف، فتقنع هؤلاء بضرورة استخدام حالة تسمى «دولة فلسطينية»، على قطعة من أرض يقبلون بإبقائها لكي تخدم هذه الحالة، وهي التي تعدهم بأنها في جدول الفوائد المرتقبة منها، ليس فقط ستسبغ عليهم الشرعية فيما اغتصبوه، بل ستفتح لهم أبواب الثروات العربية، والمقدرات العربية والسيادة المطلقة في هذا الإقليم، ولا مانع عند عباس من أن يلاقي الشعب الفلسطيني الذل والهوان، وأيضاً النكران وضياع الحقوق، طالما سيحصل له على هذه الحالة.

مشروع حماس قائم منذ انطلق على تشكيل بديل عن «م.ت.ف» التي كانت، ونما في أجواء سمحت لها العقيدة الصهيونية بخلق البدائل، وسمحت لها المنهجية الأمريكية بتوفير الأضداد، لكنها عند التنفيذ خرجت عن هذا الدور المنتظر، ومارست في قتالها ضد العدو الصهيوني مشروعاً لحربه على أساس القوة، وعندما نجحت في كشف عورات أوسلو وتعطيله، نجحت في ذات الوقت في الفوز بفرصة تمثيل الحركة الإسلامية العالمية على أرض الواقع، وهنا جاء دور العدو ليضرب ضربته في مسألة إعادة انتشاره من القطاع، ليضع أمام حماس في اختبار الخيارين، واختارت كما يبدو بعد هذه السنوات الطويلة الخيار الثاني على الأول، وهي تتمسك اليوم بفرصة الخيار الثاني ما أمكنها، بعيداً عن الشعارات التي لا تشفع بالإقناع عكس ذلكم.

في مسألة الخيار الثاني يصادف أن تكون عملية تحقيقه، هي ذاتها عملية تحقيق مشروع محمود عباس في واقع الصرف المجرّد لهذه المدلولات في المعادلة السياسية، فلا مانع عند العدو الصهيوني ولا عند أمريكا أن تكون القطعة المصروفة من الأرض، بيد عباس أو بيد حماس، على شكل حالة تخدم بقاءها وتتعاون معها بالإيجاب فيما تريده، أو على شكل حالة دينية تبرر لها مطلب اليهودية في الدولة، وتخدم مشاريعها البعيدة المدى في الناحية السلبية، وقد تفضل أمريكا أن تصنع حالة في الضفة بيد عباس، وتبقي على حالة في غزة بيد حماس، وتبقى هي صاحبة الفصل والقول في شكلي نموذج «الكوريتين»، لكن بعد أن توافق التي تظهر الاستعصاء اليوم، على الشروط في الأبعاد الأخرى خارج غزة وقطاعها، يعني أيضا بكلام بسيط عداء العدو وأمريكا في هذه الحالة مع حماس هو عداء مقنن، وصراع محتوى في مضاعفاته، ويختلف بالقطع في طريقة مجابهته ،عن لو كان خيارها هو خيار الحرب الشعبية الشاملة في سبيل القضية الوطنية أولا وأخيراً.

بعض الكلام البسيط الذي يقال يوضح تماما مسائل العمق، في مسألة محمود عباس لا يوجد ثمة واحد بالمليون من الشك بما يريده وبما يبحث عنه، وهو واضح تمام الوضوح من بداية أمره ودوره في حركة «فتح» التي كانت، وهو لا يعد اليوم أحداً بغير ما كان يقوله منذ تلكم الأيام، إنه صاحب استخدام الظرف «على» فيما يخص «فتح» و«م.ت.ف» والشعب الفلسطيني أيضا، وقصة السلطة اليوم بالنسبة إليه مسألة الهواء والماء، وهو لم يكن ذا صلة بالنضال الفلسطيني يوماً إلا على أساس أن يقوده إلى هذا المصير إن أفلح، وقد كان، وهو لا يقول عن دوره السابق إلا ما يؤكد هذا تماماً، فهو يفخر بأنه لم يحمل سلاحاً، وبأنه لا يرى في «الكفاح الوطني»إلا خسارة، يعني باختصار هو يمثل حالة تقل عما مثلته روابط القرى يوماً، وما كانه في الثمانينيات مصطفى دودين يوما، مع أن هذا الأخير ابن الضفة وابن عائلة كبيرة في فلسطين، وله الأملاك المؤصلة التي قد يفهم معها في معرض التفسير، هذا الغلو في المهانة والنذالة.

في الجانب المقابل قالت «حماس» بالمقاومة ومارستها، وعندما فعلت ذلك كان غيرها ممارساً قبلها وبعضهم مثلها، وعندما انفجرت الانتفاضة الثانية بدا أن هذه الممارسة المشتركة فلسطينياً قد تقود إلى بشائر حقيقية، لولا نجاح مؤامرة النيل من عرفات ومن قادة الاجتهاد الفلسطيني في «حماس»، والشيخ أحمد ياسين أوضحهم مثلا، وعندما انسحبت قوات شارون من غزة وتلاها ثأر حماس الذي كان سيكون مبرراً بالكامل، لو انتهى إلى المسار المقاوم الحقيقي المفقود اليوم، أصبحت الصورة التي يقال عنها اليوم بأنها ملف المصالحة، وبقيت «حماس» على مقولات المقاومة التي خدمتها أيضا حرب العدو وحرب عباس على «غزة»، دون أن تمارس هذه المقاومة اليوم سوى تحت يافطة الصمود، وهي يافطة محقة لو كانت اليوم ترفع وتحتها حالة أو تشكيلة حكومة «مقاومة»، وليس تحتها الإصرار على سلطة الحكم الذاتي، المنتزعة أصلاً من ملف أوسلو نفسه وأوراقه.

حماس اليوم تقول أن على الأمريكان مقابلتها ومفاوضتها، هي لا تنفي هذا، وأن على العدو أيضا أن يفتح لها ممر ممارسة الشرعية السياسية، وأنها في القضية الوطنية مستعدة لقبول صيغة دولة ما هو من حدود حزيران، إذن أين المشكلة؟ المشكلة أن حماس لا زالت غير محبّذة عند الأمريكان حتى الساعة لصلاتها في الدور الذي تلعبه غزة خارج حدودها، ولا شيء أكثر من ذلك في واقع القول، وعندما تقول حماس أنها حررت القطاع وأن المقاومة يجب أن تكون في الضفة، فهي تقول نصف الحقيقة، لأن المقاومة التي يجب أن تكون في الضفة، يجب أن تبدأ من غزة، ويجب أن تكون حالة غزة وحكومتها، هي حكومة مقاومة فعلاً وحالة قتالية، وليست بقية حكومة أوسلو وحالة إدارة للصراع، والحصار بهذا يبدو جزءً من إرضاخ حماس أما للشروط الكاملة، في قبول خيارها الذي تختاره، والذي يمنع مباركته صلاتها بحلف ممانعة إقليمي، ومعارضة أنظمة عربية تخشى من حكم الأخوان في فلسطين، أو تنزل عند شروط الصفقة التي تقنن بموجبها هذه الشروط، فتصبح حالة معزولة في القطاع أو محاصرة، وتصبح الضفة حالة مستمرة في تجارب الوضعية «الوظائفية الجديدة» والمطلوبة، وفي كل الأحوال أصبحت القضية الوطنية الفلسطينية في مصيدة العدو.

مشروع المقاومة الحقيقي الذي سارت عليه كل حركات التحرر العربية والعالمية، مشروع يقوم على الصدق والمصداقية معاً، مشروع يبدأ تحصيل قيمته من الوقائع اليومية والمسلكيات اليومية، لا ينتظر حصول الضربة الأخيرة ليقول كنهه، ولا يعطي البشائر على اليافطات ولا النوايا، بل يستمد جديته من أول خطوات العمل، لا نحاكم حالة محمود عباس فهي حالة انتهى الحكم فيها من قبل أصحابها قبل أعدائها، إنها حالة استسلام. والمحاكمة المطلوبة اليوم هي للحالة التي لا زالت تستحق النظر، وللحالة التي تحمل على الأقل الأمل في تصويب المسار وتصحيح الطريق، وهي هنا حالة حماس، لا نحمل بهذا حماس أحمالا ولا أثقالاً، ولا نشترك مع من يصارعها أيا كانت أهداف صراعه معها، بل نحن نقول ما نظنه في صالح القضية الوطنية والأرض الفلسطينية أولا، وفي صالح حماس بالقطع إن أرادت أن تقبل النصح الذي طالما أعرضت عنه، نحسن الظن بما قاله خالد مشعل في انتظار الفرص بتوقيع اتفاق «مصالحة» مع محمود عباس قبل يوليو القادم، وضرورة إعطاء الفرصة الأخيرة، مع أننا لا نحسن الظن بهذا المسمى اتفاقا ولا بما سوف يتلوه في هذه الطريق التي يراد لها تسكين الأفخاخ، ويوليو على الأبواب اليوم لنسمع شيئا جديداً يحمل بشائر مستحقة وطنياً وعربياً، فإن كان فلا أغلى على أنفسنا من أن نكون المخطئين فيما نظن ونقوله صراحة، وإن كان غير ذلك فهم جديد لشعبنا ومزيد من الأذى.

ثمة أطراف لها المصلحة المؤكدة في إدامة الحالة عقداً ويزيد، طالما امتنع إقصاء أحدهما للآخر حتى الساعة، ومن هو خلف هذه الأطراف أيضا يستفيد من هذه الحالة التي لا زالت عاملة، ولا زالت فوائدها جزءً من لعبته الخاصة، والخاسر الوحيد هو القضية الوطنية، والشعب الفلسطيني ، والأرض التي تهوّد، والقدس التي تضيع، والزمن الذي تستغرقه هذه جميعها، ولأنه لا بد من أمل ما، فليكن في اقتناع حماس اليوم، أنه لا بد من برنامج مقاومة حقيقي يقتضي أولا حل سلطة أوسلو في القطاع وحكومتها، والإعلان عن جبهة مقاومة حقيقية وتمثيلية معاً، والمشاركة الفعلية في هذا الاتجاه، والكف عن مغازلة الأمريكان واللهاث خلف خطوات ما فعلته يوما «م.ت.ف»، لأن المقاومة الحقيقية هي برنامج وجبهة وممارسة ومشاركة واتساع، عندها تسقط حالة محمود عباس ومشروعه، الذي يستعصي اليوم على مشروعه السقوط، لأن حماس بخياراتها الحالية غير مقنعة على أنها البديل الوطني ، فالممارسات على الأرض هي ممارسات بديل في داخل المشروع ، أو على الأقل في داخل أقصى ما يريده هدف المشروع من ناحية الفائدة المادية، والعائد على الشعب الفلسطيني وقضيته، إنها دولة في داخل حدود العام 67 ، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال أن ما تردده حماس في المقاومة وعنها هو أفضل مليون مرة، مما يقوله عباس في المفاوضات وخرائبها، على الأقل في القيمة المعنوية والإنسانية، ولكن عندما تختار حماس ما اختارته قيادة الراحل أحمد ياسين ،وتصوغ مع غيرها شروط تنفيذ على الأرض ومن غزة، يسقط مشروع عباس، وتنتهي حالة التقسيم، وتسقط حالة الضياع الحالية وليس قبل ذلك، مهما قال القائلون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 71 / 2165326

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165326 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010