الجمعة 9 آب (أغسطس) 2013

الحكم الائتلافي والمصالحة

الجمعة 9 آب (أغسطس) 2013 par رغيد الصلح

للديمقراطية قواعد ومبادئ وأعراف . وهذه القواعد والأصول تتكيف مع المراحل التي تمر بها الديمقراطية خاصة مع مرحلة الانتقال من الحكم الاستبدادي إلى مرحلة ترسيخ الديمقراطية، أي حينما يصبح النظام الديمقراطي هو “اللعبة الوحيدة في البلد” . فلئن كان التدقيق في التطبيق الخلاق والواعي للمبادئ الديمقراطية في سائر المراحل ضرورياً، فإن التدقيق في هذه المسألة أكثر ضرورة خلال مرحلة العبور إلى الديمقراطية .

هكذا تؤكد العديد من الدراسات التي قام بها خبراء واختصاصيون في المرحلة الانتقالية . ففي دراسة أعدها كل من الأكاديميين إدوارد مانسفيلد وجاك سنايدر بعنوان “الدمقرطة والحرب الأهلية”، يحذران من الانتقال المنقوص إلى الديمقراطية، ليس لأنه يحرم المواطنين والمواطنات من حقوق ديمقراطية عديدة فحسب، ولكن لأنه يزيد من احتمالات الحرب الأهلية، إذ يفتح باب الصراع بين فئات جماهيرية واسعة في ظل مؤسسات متهاوية . ولنفس هذا السبب، أي بسبب التخوف من احتمال انفجار الحرب الأهلية خلال مراحل الانتقال، ينصح الأكاديميان بوركو سافون ودانييل تيرون في كتاب “مساعدة الديمقراطية: التعاون الدولي من اجل الدمقرطة” بتقديم دعم عاجل إلى كل بلد يمر بهذه المرحلة الحرجة . وتلاحظ دراسات أخرى متعددة استندت إلى دراسات إحصائية وتاريخية أنه خلافاً لما هو شائع فإن احتمال وقوع حروب اهلية خلال مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية هو أرجح بكثير من اندلاعها خلال مرحلة الاستبداد أو ترسيخ الديمقراطية .

ما تؤكده الدراسات وعلوم السياسة والتاريخ أكدته التجارب أيضاً، لهذا وجدنا أحزاب وقيادات أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية التي ناهضت الاستبداد سنوات طويلة تقود أو تشارك في عملية الانتقال بدقة وصبر وحكمة . التزمت بهذه الروحية قبل وصولها إلى السلطة، وحافظت عليها بعد دخولها السلطة أو إمساكها بها . لقد كانت بين هذه الأحزاب تباينات عميقة، وكان لكل منها تفسيره للديمقراطية وأولوياته وبرامجه، ولكنها تمكنت من الاتفاق على مبادئ رئيسة من أجل تسهيل الانتقال الآمن إلى النظام الديمقراطي وتوطيده . وكان من أهم القواسم المشتركة التي تم التفاهم عليها الموقف من الحكم الائتلافي، ومن العلاقة بين الأكثرية والأقلية وتجاه القوات المسلحة . فأين هي الأحزاب والقوى الفاعلة في مصر - واستطراداً في المنطقة العربية - من هذا السلوك؟

يجيب الإخوان المسلمون عن هذا السؤال وكأن الأزمة المصرية قد بدأت يوم الثلاثين من يونيو/ حزيران عام ،2013 وكان المرحلة الممتدة من إمساك الإخوان بمفاتيح السلطة (لجنة صياغة الدستور، الأكثرية النيابية والشورية، الرئاسة . .) وحتى يوم الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 كانت تسير بحسب وقواعد الانتقال إلى النظام الديمقراطي الراسخ . لقد تشكلت لجنة صياغة الدستور على نحو يعكس وزن الأطراف السياسية في مصر، فمن الطبيعي- يقول الإخوان - إذن أن يكون للإخوان وللإسلاميين فيها النصيب الأرجح من المشتركين، وأن ينعكس هذا الواقع على مضمون الوثيقة الدستورية . وجرت الانتخابات العامة والرئاسية بحسب الأصول الديمقراطية، وفي الحالتين تمكن الإخوان من نيل الأكثرية البرلمانية والرئاسية، فمن حقهم إذن أن يشكلوا الحكومة وأن يتولوا الرئاسة . أما الأحزاب الأخرى فلها ملء الحق في ممارسة المعارضة في المجالس النيابية والشورية وخارجها وأن تسعى إلى الحلول محل الحزب الحاكم عبر كسب أصوات الناخبين . أليس هذا ما تقوله الديمقراطية؟ أليست العبرة هي بأصوات الناخبين والناخبات؟

يجيب معارضو الإخوان بالإشارة إلى أن الأزمة المصرية بدأت مع وصول الإخوان إلى السلطة، واستمرت مع استمرارهم فيها . وتلاحظ الأحزاب المعارضة للإخوان أنهم سعوا إلى التفرد في الحكم . سعوا إلى إغراق لجنة الدستور بمن يشاطرهم الانتماء الحزبي أو العقدي، وبعد أن نجحوا في ذلك، سعوا إلى تهميش دور من لا يشاطرهم القناعات حول الدين والسياسة حتى اضطروهم إلى الخروج من اللجنة . وفازوا في الانتخابات النيابية بأكثرية كبيرة، ولكن خلال أشهر قليلة ارتفعت نسبة المعارضة ضدهم حتى كادت تطيح بمرشحهم الرئاسي . ويضيف معارضو الإخوان أن إصرارهم على الاستئثار بالسلطة أدى إلى عزلتهم المتزايدة وإلى انتقال أعداد متزايدة من الأفراد العاديين والشخصيات السياسية والأحزاب المنظمة من عداد المتعاطفين معهم إلى صفوف معارضيهم . إذا صحت هذه الملاحظات، هل تلغي جدوى نتائج الامتحانات الانتخابية؟

في العرف الديمقراطي أنه لا شيء يلغي جدوى الانتخابات والاستفتاءات . فهذه الآليات هي من أهم ما أنجبه العقل البشري من أجل الارتقاء بالحياة العامة وإحلال وسائل التنافس السلمي بدلاً من الصراع العنفي . ولكن هل تتحكم الأرقام الانتخابية وحدها في المسار الديمقراطي؟ وهل يكون من حق من يفوز بأغلبية الأصوات أن يمارس الحكم وأن يملأ ادارة الدولة ومؤسسات الحكم بمحازبيه وأنصاره؟ في النظام المترسخ، يحق للفائز بل من واجبه أن يترجم التفويض الشعبي إلى واقع حكومي، وليس من حق المعارض مهما حشد في الشارع من مظاهرات أن يغير هذا الواقع . ولكن في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، كما هو الأمر في مصر، فإنه من واجب الفائز ألا يعتبر هذه النتيجة عنصراً وحيداً في تكوين الموقف السياسي، فقد انحدرت خلال فترة قصيرة نسبياً، كما ارتفعت نسبة معارضي الإخوان في فترة قصيرة أيضاً .

إزاء هذه التبدلات السريعة في الحظوظ الانتخابية تحتم الحكمة السياسية على النخبة الحاكمة أن تعمل خلال المرحلة الانتقالية على تشكيل الحكومات الائتلافية . وبوساطة هذه الائتلافات يصبح من المستطاع مواجهة الأزمات والتبدلات في الأمزجة الشعبية والتحديات الخارجية بصورة أفضل . كذلك يفترض بالنخب السياسية الانتقالية أن تقارب بنظرة ثاقبة وتدبير محكم مسألة عودة القوات المسلحة إلى الثكنات وانصرافها الكامل إلى حماية أرض الوطن وسيادته من الانتهاك . فالمقاربة الناجحة لهذه المسألة تقصر الطريق إلى ترسيخ الديمقراطية وتتيح للقوات المسلحة الاضطلاع بدورها التاريخي وترسخ مكانتها في الداخل والخارج .

لقد سار الإخوان في مصر في طريق لا يوصل إلى الديمقراطية ولكن إلى الثيوقراطية أو الأوتوقراطية أو إلى الفوضى . أما البديل عن هذا الطريق فيبقى الحكم الائتلافي والمصالحة الوطنية التي تشمل الجميع بما في ذلك الإخوان . إن تحقيق مثل هذه المهمة لهو أمر شاق ومر، ولكن ما هو أشد مرارة منه هو أن ينتهي “الربيع العربي” في مصر إلى حرب أهلية أو عسكرية أو دولية . وقد يكون لدينا بعض العذر في الوقوع فيها لولا أننا شهدنا ونشهد بأم العين أهوال هذه الحروب في العراق وسوريا واليمن وليبيا .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178703

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2178703 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40