السبت 3 آب (أغسطس) 2013

سيناء - «برافر».. القصير المصرية

السبت 3 آب (أغسطس) 2013 par د.نسيب حطيط

تشكل سيناء “فالقاً” زلزالياً على المستويين الأمني والسياسي بين ثلاثة أطراف تربطهم علاقات معقّدة بين العداء والسلام الضبابية، يتمثلون بالعدو “الإسرائيلي” ومصر وحركة “حماس”، وتتحكم بمسار العلاقات البينية منظومة أمنية وسياسية وديمغرافية معقدة؛ من اتفاقية كامب ديفيد إلى العلاقة التاريخية بين غزة ومصر، والعلاقة العقائدية والتنظيمية بين “حماس” وجماعة “الإخوان” والتفاهمات “الإسرائيلية” - “الحمساوية” بضمانة “الإخوان” في مصر.

تُمثل سيناء صندوق بريد بين الأطراف الثلاثة، ومن خلالهم إلى المشهد الإقليمي والدولي، فبعد انتصار ثورة 25 يناير على حسني مبارك، سقط الحاكم ولم يسقط النظام، وتحررت سيناء من الرقابة الأمنية نتيجة التساهل “الإخواني” مع “حماس” واستراتيجية عدم الصدام مع السلفية التكفيرية، التي ارتحلت إلى سيناء بحماية البدو، وازدهرت عمليات التهريب والأنفاق، وشعرت “حماس” بأنها الحاكمة في مصر وليست ضيفاً، بل من أهل الحل والعقد وأهل السلطة “الإخوانية”، كما صرّح إسماعيل هنية بأن “حركة حماس هي الذراع الجهادية لحركة الإخوان”.

إن مسألة تهديد “الإخوان” بتفجير الأوضاع في سيناء مقابل إعادة الرئيس المعزول إلى السلطة يؤكد أمرين اثنين:

أولاً: سيطرتهم و“حماس” والجماعات التكفيرية على سيناء.

ثانياً: استخدام سيناء كورقة تفاوض وابتزاز للجيش المصري.

الأخطر من ذلك هو العلاقة الجدلية بين سيناء ومشروع “برافر” الاستيطاني، حيث تقول بعض المصادر، وتؤكدها بعض السلوكيات الميدانية وكذلك مبادرة “مبادلة الأراضي” التي تبنّتها الجامعة العربية في واشنطن، إن تهجير الفلسطينيين من النقب ومصادرة حوالي 800 ألف دونم سبقه تعهد “إخواني” واتفاقيات برعاية أميركية وتمويل عربي وقبول “حمساوي” تحت عنوان “توسيع دولة غزة”، بحيث يتنازل “الإخوان” عن جزء من مساحة سيناء (ما يقارب حوالي 2000 كلم2 من أصل حوالي 60 ألف كلم2) مقابل حوالي 9 مليارات دولار تؤمّنها قطر لتسهيل ولادة “دولة غزة الكبرى”، وفق ما دعا إليه حاخامات اليهود، وعلى رأسهم الحاخام “فتسنجر”، الذي طالب أميركا وأوروبا باستكمال وعد بلفور بتمويل عربي، وتكفي هذه المساحة لبناء مقومات دولة مستقلة تتسع لحوالي مليوني نسمة، وإقامة ميناء بحري وبناء مطار في الجنوب الغربي، ويبدأ هذا المشروع بنقل عرب النقب إلى سيناء، نظراً إلى الترابط القبلي مع بدو سيناء، ويضاف إلى “دولة غزة الكبرى” بعض الأراضي من الأردن بموافقة ورعاية التنظيم الدولي لـ“الإخوان المسلمين”، كون “حماس” و“الإخوان” في مصر والأردن يأتمرون بقرار مركزي واحد عبر التنظيم الدولي.

ولتمرير هذه العملية الكبرى التي تلغي مفهوم تحرير فلسطين وعودة اللاجئين، فإن جماعة “الإخوان” يعتمدون على شعار مبدأ “الخلافة” التي لا تعترف بالحدود الجغرافية التي وُضعت استعمارياً، بل تعتمد على مفهوم “الخلافة” العامة والأمة الواحدة والولايات اللامركزية، كما كانت في عهد الخلفاء الراشدين وفي الخلافتين الأموية والعباسية، فشعار إقامة الخلافة كلمة حق يراد بها باطل، لتضييع القضية الفلسطينية، وبالتالي حماية الكيان “الإسرائيلي” والإبقاء على الدولة اليهودية المفترضة..

إن سيناء هي بؤرة الاستنزاف العسكري والأمني للجيش المصري، والتي يخطط لها أن تطول لإلهائه عن التفرغ للداخل المصري من جهة، وفرض الشروط والابتزاز السياسي من جهة أخرى، حتى تصل الأمور إلى الانفلات الكامل وإعلان سيناء منطقة تهدد السلام العالمي عبر تهديد قناة السويس وخليج العقبة، ما يستدعي تدخلاً لوصاية دولية تمثل المقدمة لإقامة “غزة الكبرى”.

سيناء تمثل غرفة العمليات الأمنية لـ“الإخوان” و“حماس” لمواجهة الجيش المصري في الداخل واستنزافه في خاصرة سيناء، وفي اللحظة المناسبة سيتم تهديد الملاحة في قناة السويس بأسماء وهمية تمثل الأقنعة الأمنية لـ“الإخوان” و“حماس” بأسماء تكفيرية وسلفية، ويمكن تشبيه سيناء الآن على المستوى الأمني واللوجستي بدور “القصير” في سورية؛ كغرفة عمليات وخطوط الإمداد بالسلاح وحديقة خلفية للمقاتلين، ومن يمسك سيناء يستطيع حسم المشهد المصري لصالحه، وإذا بقيت حالة انعدام الأمن والاستنزاف اليومي للجيش والشرطة سيبقى عدم الاستقرار في الداخل المصري..

إن فشل مشروع “الإخوان” السياسي في مصر سيؤثر على بقية الساحات العربية أو ما يسمى “الحريق العربي”، فلا بد للإخوة في “حماس” أن يعودوا إلى بنادقهم ووجهتم الأساس وهي فلسطين، ولا يفتشوا عن أراض عربية مجاورة لإقامة الوطن البديل تحت تسميات عقائدية خادعة وباطلة، فالأساس ليس الحفاظ على الحدود، بل الأساس اقتلاع الصهاينة من فلسطين واسترداد الحقوق وعودة اللاجئين، وعندما تصبح الأمة نظيفة من الداخل بعد زوال الاحتلال، يمكن الحديث عن إلغاء الحدود، لكن قبل ذلك لا بد من إلغاء الحدود الفكرية والعقائدية، فالحدود بين المذاهب والطوائف والأحزاب وحركات المقاومة أكثر سماكة وارتفاعاً من حدود الجغرافيا، فحدود التكفير والتخوين تتسلل إلى كل بيت وشارع ومدينة، حتى داخل المذهب الواحد، لتصل إلى العقيدة فيتحول الذبح جهاداً، و“زنا النكاح” جهاداً، ويصبح تحرير فلسطين ليس من الأولويات عند بعض حركات المقاومة.

سيناء مفتاح مصر وغزة، ومن يمسكه يتحكم بالمستقبل، والقتال عليه سيكون مكلفاً وطويلاً، لأن العدو “الإسرائيلي” يغذيه في الخفاء، ما دام الرابح من القتل والقتل المضاد الذي ينهك المقاومة في فلسطين ويستنزف الجيش المصري، بعدما استنزف الجيش السوري وأبيد الجيش العراقي، وها هو على مشارف إعدام الجيوش العربية المقاتلة وحصار واستنزاف حركات المقاومة، وهذا هو “الربيع الإسرائيلي- الأميركي” وخريف العرب والمسلمين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010