السبت 3 آب (أغسطس) 2013

بانتظار “غودو” العربي

السبت 3 آب (أغسطس) 2013 par علي عقلة عرسان

بينما يعلن الراعيان الأميركي والروسي عن استعدادات تجري لعقد مؤتمر جنيف2 تتم في الوسط السياسي العربي والدولي المعني بالأزمة السورية والمؤتمر العتيد على الخصوص تحركات ترسل رسائل مهمة، متضاربة ومتناقضة أحيانًا ولكنها تشير إلى متغيرات جذرية قد يكون لها دور في إنجاح المؤتمر بالتوازي مع تحقيق “تقدم” لمصلحة إسرائيل في المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية التي بدأت جولتها الأولى في واشنطن بين صائب عريقات وتسيبورا ليفني.
ويصدر بعض تلك التحركات عن الراعيين أو بإيحاء من أحدهما، وفي الوقت الذي تتم فيه تلك التحركات المهمة تتصاعد وتيرة مواجهات شرسة على الأرض السورية المشتعلة، ترسل بدورها رسائل تتناغم في حالات كثيرة مع التحركات السياسية ويتضاد بعضها معها، وتعبر عن توجهات أكثر صلابة وأدق دلالة على النوايا والحسابات والاستراتيجيات، وكل ذلك يتصل بأطراف الصراع وأطراف المؤتمر.. وقد تكون رسائل الميدان مغايرة لما ترسله السياسات ولكنها لا تتضاد معها بصورة تامة ودائمة.. وكل من يتحرك في الساحتين السياسية والعسكرية يعمل، تحت ضغط جنيف2، المرتجى دوليًّا، على تحقيق مكاسب له تكون أوراقًا “رابحة” يلقيها على طاولة المؤتمر. ويحرص على تحقيق أهدافه في المؤتمر الذي سيكون له تأثير على ما بعده من أحداث في المنطقة على الخصوص.
وفي هذا الإطار يمكن أن نقرأ المشهد قراءة تساعد على استشراف صورة المؤتمر ونتائجه من جهة وتأثيراته القريبة على الأقل في رسم خريطة العلاقات والأفعال السياسية في المنطقة بعده، وذلك في لوحتين: التحركات السياسية المكثفة، وتصاعد العلميات والمواجهات العسكري على الأرض في سوريا وما يتحقق فيها:
في التحركات السياسية، نرصد الآتي ونقرأ فيه:
لقاء مسؤول المخابرات التركي مع نظرائه في موسكو واستعداد تركيا للتعاون بشأن الحدود السورية ـ التركية، وجاء ذلك بعد تحرك الأكراد في رأس العين وتل أبيض وقرى أخرى في شمال سوريا والكلام عن حكم ذاتي أو.. وما جرى من صدامات بينهم وبين جبهة النصرة. ودعوة الأتراك لممثل عن بعض الأحزاب الكردية السورية في محاولة لعدم تطور الوضع المقلق لتركية على الحدود الشمالية لسوريا. وفي ضوء هذا يمكن أن نقرأ تصريح وزارة الخارجية الروسية الجديد المتصل بآخر تطور تلك الأحداث، لا سيما احتجاز جبهة النصرة لمئتي مدني كردي من بلدتي “تل عون” و“تل حاصل” في الريف الشمالي لمحافظة حلب بعد محاصرة طالت لمدينة عفرين، حيث قالت نائب الناطق باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا “نحن ندين بحزم اعتداءات الراديكاليين على السكان المسالمين الأكراد. ونعتبر أن أعمالهم تهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية، وتقويض وحدة سوريا وأمن المنطقة كلها. وننوي أن نسعى بثبات إلى أن تتعهد السلطات السورية وكافة فصائل المعارضة التي نرى من بينها أيضًا المجلس الأعلى للأكراد في سوريا، أن تتعهد خلال المؤتمر الدولي (جنيف2) حول سوريا الذي يجري التحضير له حاليًّا، بطرد كافة المنظمات الإرهابية والمتطرفة التي لها صلة بتنظيم القاعدة من البلاد”، الخميس 1/8/2013. ويلتقي هذا المطلب المشروع مع مطلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، ومع شروط التسليح النوعي لما يسمى “الجيش الحر” بالقضاء على جبهة النصرة وعناصر القاعدة، أي التقاتل المركب على الأرض السورية الكل ضد الكل، والخاسر سوريا.
2ـ زيارة الأمير بندر بن سلطان رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي إلى موسكو ولقاؤه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتشجيع أميركي.. وما تنطوي عليه تلك الزيارة من رغبة سعودية في استعادة العلاقات مع روسيا، لا سيما بعد أن تسلمت السعودية قيادة معظم المعارضات السورية من قطر وأصبح بيدها إدارة ملف الأزمة مع سوريا، وبعد المتغيرات في المنطقة “مصر” ووقوف السعودية ضد الإخوان المسلمين بوضوح.. وهذا التحرك يأتي على أبواب مؤتمر جنيف 2 ومن أجله. وقد رشح عن ذلك اللقاء، ذي الطيف الواسع من الدلالات، أن الأمير بندر بن سلطان طالب “بانسحاب تام لحزب الله وجماعة إيران من سوريا”؟! وقد جرى نفي لطرح مثل هذا الطلب لأسباب عدة"، وبعدم قيام محور المقاومة بعرقلة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المهمة جدًّا للولايات المتحدة الأميركية، وأن ثمن ذلك سيكون تجفيف السعودية لمنابع التمويل والتسليح السعودي للمسلحين في سوريا، وتعاون الأتراك بإغلاق حدودهم بوجه من يتسللون إلى سوريا.. وبأن تكون دول الخليج العربي في مأمن مستقبلًا من أي تحرك سوري ـ إيراني ضدها.. لكي يتم تقارب سعودي مع دمشق.. ويشير البعض إلى أن ذلك ترافق مع إشارة الأمير إلى موسكو بعقد صفقة أسلحة سعودية كبيرة. ومن الطبيعي أن يكون لموسكو مصلحة مباشرة في إنجاح جنيف2 وفي استعادة العلاقات مع الرياض، وفي إضعاف القاعدة وأتباعها والتيارات الإسلامية المتشددة في القوقاز وتجفيف منابع تمويلها.
إشارة الوزير وليم هيج إلى لقاء قد يشكل تقاربًا مع إيران وصولًا إلى حلول للملف النووي الإيراني، حيث سيلتقي وزير الخارجية الإيراني في سبتمبر ـ أيلول على هامش اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة في نيويورك.. وهذا يتقاطع مع استئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية في رام الله والكيان الصهيوني، ومع رؤية كثير من الدول المعنية بأهمية مشاركة إيران في مؤتمر جنيف 2.
تواتر إشارات إلى أن تحقيق تقارب موسكو مع السعودية وتركيا في إطار تفاهم وتشجيع أميركي على حل الأزمة السورية سيكون وتوافق على أن يُعطي الروس الدور الأكبر في الحل السياسي للملف السوري في مؤتمر جنيف2 مقابل موافقة صريحة على يهودية دولة “إسرائيل” ودعم المفاوضات التي ستفضي إلى تنازلات فلسطينية جديدة لمصلحة إسرائيل وتوافق لا بد له من عدم تعطيل ومن مباركة عربية ودولية!؟.. وربما سيكون هذا هو ثمن موافقة أميركية حقيقية، من دون مراوغة، على عقد جنيف2 وإنجاحه، بعد نجاح الوزير كيري بإعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات بعد توقف طويل. ومن المعروف أن الأميركيين لا يهتمون إلا بمصلحة “إسرائيل” ومن ثم بمصالحهم في هذه المنطقة من العالم على الخصوص.
ومما تجدر ملاحظته بتدقيق في هذا السياق العام للأحداث والتحركات السياسية، تصريح الوزير جون كيري يوم الخميس الأول من أغسطس ـ آب 2013 بشأن مصر، بعد تردد طويل للإدارة الأميركية وما بدا ارتباكًا ظاهرًا لها منذ حدث 30 حزيران/ يونيو 2013 في مصر حيث أعلن الوزير كيري عن موقف صريح بهذا الشأن في مقابلة تليفزيونية له في باكستان: “إن الملايين والملايين من أفراد الشعب طلبوا من الجيش التدخل، لأنهم كانوا يخشون من انزلاق البلاد إلى الفوضى والعنف” و“ولم يستول الجيش على السلطة حتى الآن، طبقا لما نعرفه. وهناك حكومة مدنية تدير شؤون البلاد. وهذا يعني فعليًّا أنهم يستعيدون الديمقراطية”. وفي هذا إشارة واضحة من إدارة الرئيس أوباما إلى انتهاء العلاقة الوطيدة التي كانت لها مع التيارات الإسلامية التي لعبت دورًا فيما سمي “الربيع العربي”، لا سيما تيار الإخوان المسلمين في مصر.. ويستدعي هذا تساؤلًا عما إذا كان الموقف الأميركي من الإخوان المسلمين في مصر ينسحب على العلاقة مع هذا التنظيم في بلدان عربية وإسلامية أخرى منها سوريا، حيث لهم دور رئيس في الأزمة والحل السياسي والمؤتمر في جنيف؟!
في العمليات العسكرية على الأرض، نرصد الآتي ونقرأ فيه:
تقدم الجيش العربي السوري في مواقع غاية في الأهمية، مع تصاعد وتنامي هذا التقدم منذ بداية عام 2013 فبعد “خربة غزالة” في محافظة درعا جاءت السيطرة على القصير وريفها، وتقدم الجيش في الغوطة الشرقية من ريف دمشق، وفي كل من حلب وريفها: “خناصر، ومطار منغ، وخان العسل”الأولى“، وبعض أحياء حلب”، كما تقدم في القابون وبرزة وجوبر من محيط العاصمة دمشق، ثم جاءت سيطرته على معقل حي الخالدية بحمص، وتقدم في أحياء أخرى منها مثل باب هود والقصور مما يسيطر عليه المسلحون، وأخيرًا سيطر الجيش العربي السوري على داريا والغزلانية في ريف دمشق، وعدَّ ذلك ريحانة عيده، عيد الجيش العربي السوري الثامن والستين في الأول من آب/أغسطس 2013 يقدمها للشعب.. هذا عدا عن تقدمه في مواقع من المحافظات السورية الأخرى.. وظهر الجيش العربي السوري عازمًا على تحقيق انتصار، وأنه يعمل بتؤدة ومهنية عالية، ويواصل الاستفادة من تجاربه ومعرفته بمن يواجههم من المسلحين وبأساليبهم. وكل هذا الذي يقوم به لم يضعف نواته الرئيسة الصلبة التي تهتم برصد العدو الصهيوني وتستعد لما يمكن أن يقوم به من عدوان وتدخل مكشوف، إذ إن كتلة تلك القوات لم تدخل الحرب.
وفي المقابل تقوم المعارضة المسلحة بمواجهة الجيش العربي السوري في مواقع متعددة في معظم محافظات القطر، وتتحصن في مواقع تحت الأرض وفوقها، وتخوض معارك شرسة بأسلحة نوعية حديثة، وتقوم بعمليات كثيرة ضد منشآت مدنية وعسكرية وبنية تحتية ومواقع خدمات عامة للمواطنين، وتفجر سيارات مفخخة في أحياء مدنية وفي مواقع لقوات الأمن، وتلقي قذائف متنوعة معظمها يسقط في أسواق أو أحياء مدنية، وتهاجم مخازن أسلحة وحواجز، ويقع في ذلك كله كثير من الخراب، وقد استعاد المسلحون سيطرتهم على خان العسل غربي حلب، وارتكبوا هناك مجزرة شنيعة ضد مدنيين وعسكريين فقد ذهب ضحيتها 124 شهيدًا ممن وقع معظمهم في أسر الملسحين فقتلوهم جميعًا وأخذوا رهائن آخرين.. وهناك عمليات تصاعدت مثلما تصاعدت المواجهات في شمال سوريا وفي الريف الشمالي الشرقي.. وفيها جميعًا يذهب ضحايا كثر من المدنيين إضافة إلى العسكريين، ويزداد الخراب والدمار، ويزيد عدد المهجرين من بيوتهم، ومن يعانون من جراء الحرب المجنونة بأشكال مختلفة: “خوفًا وجوعًا وعيشًا في البؤس وفقدانًا الأمن ولأبسط مقومات العيش الكريم.. يعانون في المخيمات المنتشرة داخل سوريا وخارجها، وفي المدن والأحياء والبلدات والقرى المحاصرة.. وكل ذلك يتم وجنيف لا يأتي، ويتصاعد ربما على أعتاب جنيف وجنيف مثل” غودو" ينتظره من ينتظره ولكنه لا يأتي.
ومما يُعدّ للأرض السورية وللاقتتال فيها على أعتاب جنيف2 شيء يخص “إسرائيل” على مدى أطول من استمرار الأزمة ـ الحرب المجنونة على سوريا وفيها التي لا تخدم سوى “إسرائيل”، وأعني بذلك ما يتم “أميركيًّا” لإشغال السوريين عن عدوهم الأساس ولحماية الاحتلال الصهيوني لجولانهم المحتل، وهو بعض ما أقره مجلسا الكونجرس الأميركي وإدارة أوباما من خماسية الجنرال ديمبسي: “منطقة عازلة” أو آمنة بمحاذاة الجولان السوري المحتل من العدو الصهيوني في الجنوب الغربي من سوريا، حيث يتم تدريب عناصر موثوقة “أميركيًّا” في معسكرات تدريب في الأردن لتكوين قيادات لـ“جيش حر” يتموضع بين الجيش العربي السوري وجيش الاحتلال الصهيوني في تلك المنطقة، ويستند إلى جيش الاحتلال في كل شيء.. وهو عندما يستكمل وجوده على الأرض سيكون كجيش أنطوان لحد في جنوب لبنان، يقاتل “معركة العدو” ليستمر استنزاف سوريا وشعبها من الداخل وبأيدي أبنائها.. ويضاف إلى هذه اللوحة من لوحتي المشهد السوري السياسية والعسكرية، استمرارُ التسليح والتدريب والحشد والتحريض وتسلل العناصر المسلحة إلى الأراضي السورية لتقاتل وتنفذ خططًا وتحقق أهدافا يعرفها جيدًا المشغلون والمستثمرون في الحرب القذرة التي تجري ضد سوريا الدولة والشعب والتاريخ، حرب قذرة تجري على الأرض السوري ومعظم من يحترق فيها من السوريين.
ومما يظهر من ألوان اللوحتين، السياسية والعسكرية، اللتين تشكلان المشهد السياسي السوري الراهن الذي نتقرَّاه ونحاول أن نستشرف الخروج من مأساويته، ونقرؤه بهدف استشراف بعض ملامحه المستقبلية.. نلاحظ أن الصراع المميت سوف يطول، وأن الأمن والسلام والاستقرار بصورها المنشودة للسوريين الشرفاء الذين يحبون وطنهم ولا يقتلونه، قد لا يتحقق بمجرد رغبتهم وتطلعهم وعزمهم، لأن قضيتهم قد دُوِّلت على نحو ما وكثر فيها اللاعبون الخارجيون والمستثمرون في الموت وتجارة السياسة والأزمات.. والمثل يقول “الطبخة إذا كثر طباخوها احترقت أو خربت”.. ونحن طبخة بأيدي طباخين كثر وذوي مذاقات متضاربة؟! نرجو من الله وحده ونحن في أيام وقفات رمضان ألا تخرب طبختنا السورية أو تحترق، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا، ومن يقل من حولنا من يتاجرون بالمزيد من دمنا ومعاناتنا.
إننا نريد السلام والأمن والاستقرار وعودة كل شخص من أبناء الوطن الحبيب إلى بيته وحقله وحضن الوطن الآمن، وطن الجميع.. ولكن يبدو أنه حتى إذا جاء مؤتمر جنيف2 وانعقد بمهابة دولية عريقة على أرضية ما نسمع وما نقرأ وما نتابع وما نرى وما هو أخفى مما نعلم ومن أن نعلم، من تحركات سياسية وأخرى عسكرية وتحشدات مسلحة على الأرض السورية وما حولها مما يستهدفها.. يبدو أنه حتى إذا جاء فإن ما نريده وما نتطلع إليه من سلام وحرية وعدل وأمن من جوع وخوف.. لن يتحقق، فنحن بانتظار “غودو العربي”، وسنبقى بانتظار “غودو” العربي ذي المزاج القلّب، الذي حتى إذا جاء “غودو” بيكيت الإنجليزي فربما لا يجيء هو، لأنه فضلًا عن مزاجيته فهو حتى في غيابه أو غيبوبته وفي حضوره أو ترائيه للحضور.. مجرد تابع، تابع لا أكثر ولا أقل، ويحتاج إلى أوامر خارجية ليتحرك عربيًا، وهي أوامر بيد من لا مصلحة له في أن يتحرك عربي باستقامة وعزم ورشد ليجيء على قدر وميقات.. فقدَر العرب تبعية غبية ودموية عبثية يصنعهما الأدنى للأعلى والجاهلية للرشد والجنون للعقل.. وإلى أن يخرجوا من ذلك الذي هم فيه، إن هم خرجوا، يكون العالم قد وصل إلى ما لا يمكنهم حتى أن يحلموا بالوصول إليه.
ولا حول ولا قوة إلا بالله



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165564

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

2165564 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 34


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010