السبت 3 آب (أغسطس) 2013

عودة لمواصلة التنازلات

السبت 3 آب (أغسطس) 2013 par عبداللطيف مهنا

أعادت الحاضنة الأميركية المحتلين الصهاينة والأوسلويين الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. انطلقت مسيرة هذه العودة، إلى ما فوق الطاولة، وهي التي لم تنقطع يومًا من تحتها، أو كانت تدور تحت مسمياتٍ عدةٍ، من قبل “استكشافية”، أو “تقريبية”، وإلى ما هنالك. أعيدت رسميًّا في احتفاليةٍ بدأت بإفطارٍ رمضاني أميركي، وأعلن راعيها كيري بأن متعهد شؤونها، وفي أي مكانٍ تحط رحالها فيه من بعد، هو الصهيوني الغني عن التعريف مارتن انديك، وإنه، أي كيري، هو “الوحيد المخول الحديث عن الطرفين”، بمعنى أن ما سيدور فوق الطاولة قد يظل مكتومًا تحتها، أما الموعد الافتراضي المعلن لنهاياتها، أو التسعة أشهر، فمن الآن هو قابل للتمديد...
قبل أن تبدأ هذه العودة التفاوضية، التي يرأس طرفيها كل من المعروفة تسيبي ليفني وصاحب نظرية “المفاوضات حياة” صائب عريقات، سجَّل الجانب الصهيوني سلفًا منجزات سيحاول أصحابها أن يراكموا عليها المزيد في مستقبل الأيام. إنجازات مسبقة يعود الفضل في تحقيقها للحاضن المضيف والراعي الدائم، ونهج “المفاوضات حياة”، يمكن اجمالها في تخلي الأوسلويين الفلسطينيين وداعميهم العرب عن اشتراطاتهم التكتيكية الهادفة أصلًا لتبرير عودتهم للمفاوضات وتحسين شروطها، ويمكن تعدادها على الوجه الآتي:
أولًا: تنازل الأوسلويين عن مطلبهم اعتبار حدود 67 مرجعيةً لهذه المفاوضات، مستظلين في هذا بشائن المكرمة التنازلية التي قدمتها لجنة متابعة جامعة الدول العربية في بلير هاوس للمحتلين، حين تخلت عن هذه الحدود لصالح مبدأ تبادل الأراضي التفريطي، والأمر نفسه حيال قفزها عن حق العودة، أو جوهر القضية الفلسطينية، الذي كانت قد انتهكته مبادرة “سلام” قمة بيروت، أو عرضها المرفوض صهيونيًّا في حينها ولا يزال مرفوضًا لتصفية القضية الفلسطينية.
ثانيًا: لم يعد لاشتراطهم السابق الوقف الكامل لـ“الاستيطان” أو التهويد، ثم القول بتجميده فحسب، من مكانٍ في هذه العودة، ونذكِّر هنا بتطمين نتنياهو لمعارضي المفاوضات من صهاينة ائتلافه: “أنا ضد التجميد، ولا أعتقد أن شيئًا مماثلًا سيحدث. الاستيطان قوي ومتزايد”، ثم بما كشفته صحيفة “معاريف” حول تفاهم نتنياهو مع حزب “البيت اليهودي”، العضو النافذ في ائتلافه الحكومي، بالسماح ببناء آلاف الوحدات التهويدية في مستعمرات الضفة، مقابل تمرير قرار إطلاق سراح عددٍ من قدامى المعتقلين الفلسطينيين، على أربع دفعاتٍ، وبما يتفق مع رضا المحتلين عن سير هذه المفاوضات، بمعنى اتخاذه ورقة ابتزازٍ مرافقة يمكن توظيفها خلالها.
ثالثًا: تخلوا عن شرط إطلاق سراح كافة المعتقلين منذ ما قبل أوسلو ورضخوا للعرض الصهيوني بالإفراج فقط عن 104 منهم، وعلى دفعاتٍ كما أسلفنا، والذي ما كان من المحتلين إلا، إلى جانب توظيفه تفاوضيًّا، التظاهر بإبداء حسن نيةٍ مزعومةٍ منهم، داعيها في الواقع ضرورة منح شيء منهم مقابل ما قُدِّم لهم من تنازلاتٍ تستوجب إيجاد مبرر لها.
رابعًا: تخليهم عن تهديدهم التكتيكي الذي لطالما لوحوا به باللجوء إلى مؤسسات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، الأمر الذي كان يقلق فعلًا الصهاينة ويجهدون هم والأميركان لتفاديه.
خامسًا: قبولهم برسالة ضماناتٍ أميركيةٍ لكل من الطرفين كبديلٍ عن اشتراطاتهم السابقة لم ترسل بعد، رغم أن هذه الضمانات، ووفقما يؤكده الصهاينة صبح مساء، “لا تلزم الحكومة الإسرائيلية بأي شيء”، إلى جانب أن الأميركان لم يُعرف عنهم الالتزام بعهدٍ أو الوفاء بوعدٍ ويسهل عليهم عادةً التنصل مما قطعوه أو وعدوا به، فكيف إذا ما تعلق مثل هذا بحليفهم المدلل، وإن أخطر ما في ضماناتهم للصهاينة هو ما يتعلق بالاعتراف لهم بـ“يهودية الدولة”، التي هي على رأس ما يريده الراعي وحليفه من المفاوضات.
سادسًا: إنهم بعودتهم إلى التفاوض يؤبدون ما يعرف بـ“الانقسام” الفلسطيني، ويضعون حدًّا حتى لمعهود ما كان من تكاذبٍ حول ما تدعى “المصالحة” في الساحة الفلسطينية، والذي لم تكن نغمته تعود إلى التداول عادةً إلا إبان التلويح بها لتحسين شروط العودة للمفاوضات وحث الصهاينة على تخفيف صدودهم المتعنت لعودتها.
... وختامًا، إنها عودة محكومة بمواصلة تنازلاتٍ ظن الكثيرون أنه قد نضب معينها، وهي إلى جانب جارٍ استمرار التنسيق الأمني مع العدو، والتأكيدات اليومية الصهيونية أنها تعود بلا مرجعيةٍ، ولا إيقافٍ للتهويد، أو إفراجٍ مسبقٍ عن معتقلين، وحول اتفاقٍ مؤقتٍ لمسمى دويلة منزوعة السلاح، ومعدومة الحظوظ في أبسط إمكانيةٍ للحياة، تعترف للغزاة بما سلبوه وبيهودية كيانهم، إنما هي كارثة تصفوية مضافة تستحق بحق وصف نتنياهو لها بأنها استئناف لما “يصب في المحصلة الحيوية الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل”....



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165818

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165818 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010