السبت 3 آب (أغسطس) 2013

«دبلوماسية الرشى»

السبت 3 آب (أغسطس) 2013 par عوني صادق

استؤنفت في واشنطن، الأسبوع الماضي، المفاوضات بين وفد السلطة الفلسطينية برئاسة “كبير المفاوضين” صائب عريقات، والوفد “الإسرائيلي” برئاسة وزيرة العدل “الإسرائيلية”، تسيبي ليفني . وهذا المقال ليس مخصصاً لمناقشة ما يمكن أن تسفر عنه هذه “الجولة الجديدة” من المفاوضات التي يفترض أن تستمر تسعة أشهر، لأنها من المؤكد لن تختلف عن “الجولات” السابقة التي استمرت عشرين سنة من “المفاوضات العبثية” بالنسبة للفلسطينيين، وفي خدمة البرنامج “الإسرائيلي” للاستيلاء على فلسطين كلها، عبر عمليات التهويد والاستيطان التي لا تتوقف . إن الغرض من هذا المقال هو إلقاء قليل من الضوء على تعامل الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” مع السلطة الفلسطينية، من خلال ما يمكن أن نطلق عليه “دبلوماسية الرشى” وتحويل هذه الدبلوماسية إلى سياسة معتمدة في أكبر قضية سرقة في التاريخ .

قبل أن تتوقف المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية” في شهر اكتوبر/ تشرين الأول من العام ،2010 تمت آخر جولة مكوكية قام بها المبعوث الأمريكي ل (السلام في الشرق الأوسط) حينذاك، جورج ميتشيل، في شهر نيسان من العام نفسه . يومها وصفت المقترحات التي حملها ميتشيل إلى السلطة الفلسطينية بأنها “ليست إلا مقترحات صهيونية قدمها له نتنياهو، تشكل في جوهرها خطوة التفافية، تعيد إنتاج القديم للتهرب من وقف عمليات التهويد والاستيطان” . لقد فشلت جولة ميتشيل مع كل خبرته وسجله، بل لأن أهم ما تضمنته المقترحات كان يدور حول “دولة فلسطينية في حدود مؤقتة”، حيث كان الرئيس محمود عباس قد “تورط” برفضه هذا الاقتراح . بعدها بأسابيع قدم ميتشيل استقالته، وأيضا بعد ذلك بأسابيع توقفت المفاوضات، لتنتظر جولات وزير الخارجية جون كيري المكوكية الستة ويلتقي الوفدان على طاولة في واشنطن .

كانت مقترحات ميتشيل في ذلك الوقت تستند إلى “رزمة” من “الرشى” المقدمة من الجانب “الإسرائيلي”، وضعت تحت عنوان “مبادرات حسن النية”، وتضمنت إطلاق سراح بعض المعتقلين، وإزالة بعض الحواجز العسكرية، وتسليم السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية عن مناطق معينة في الضفة الغربية . ولأن السياسة الأمريكية ليس لديها إلا “الرشى”، أو اللجوء إلى القوة أو التهديد بها، لم يكن في مقترحات وزير الخارجية جون كيري غيرها، ولم تختلف كثيراً عن مقترحات جورج ميتشيل، وكانت هذه المرة، كما نشرتها الصحف العبرية:

- إطلاق سراح معتقلين ممن كانوا قبل (اتفاق أوسلو) .

- تجميد مؤقت ومحدود وغير معلن للاستيطان خارج الكتل الاستيطانية الكبرى .

- إقامة مناطق صناعية فلسطينية، وفلسطينية - “إسرائيلية” - أردنية في منطقتي طولكرم وأريحا لتشغيل العمال الفلسطينيين .

- السماح بإدخال ذخيرة للأجهزة الأمنية الفلسطينية وإقامة بنى تحتية وأدوات لتفريق المتظاهرين .

- شق طريق جديد حول محافظة رام الله .

- منح تراخيص للبناء وعدم هدم البناء غير المرخص في قرى تقع في منطقة (ج) .

- بناء مطار في رام الله .

مع ملاحظة أن كل ذلك، على تفاهته، ليس إلا وعوداً قد لا تجد طريقها إلى التنفيذ، ولن تعدم سلطات الاحتلال الأسباب للتنصل منها . وللتدليل على صدق هذا الزعم بالرغم من أنه لا حاجة للتدليل عليه، لننظر إلى بند إطلاق سراح المعتقلين . لقد كان يفترض أن يتم إطلاق سراح المعتقلين المزمع إطلاق سراحهم قبل أن تستأنف المفاوضات، لكن “الاتفاق” الذي توصل إليه كيري وقبلته الحكومة “الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية، ينص على أن يتم ذلك على أربع دفعات “بالتوازي مع سير المفاوضات” . أي أنه في أية لحظة تتعثر فيها المفاوضات أو تعلق، يتوقف إطلاق سراح من لم يصلهم الدور . أما البنود الأخرى فأكثرها أصعب تنفيذاً .

وليست الولايات المتحدة وحدها، وليست هي و”إسرائيل” وحدهما، من يعتمد “دبلوماسية الرشى” هذه مع السلطة الفلسطينية، بل إن الاتحاد الأوروبي وكل “الدول المانحة” تعتمدها في تعاملها، ولنفس الأهداف التي تتلخص في فرض الاستسلام للمطالب “الإسرائيلية” كلها، وليس فقط العودة إلى طاولة المفاوضا

ت . ومما لا شك فيه أننا سنكون أغبياء، أو أننا سنتغابى، إن نحن استغربنا هذه السياسة من جانب أمريكا والغرب، أو إن استغربنا الاستجابة والخضوع لهذه السياسة اللتين تبديهما السلطة الفلسطينية .

لماذا؟

لأن هذه السلطة ليست في نهاية المطاف وآخر التحليل سوى الثمرة المرة ل (اتفاق أوسلو)، وهذا الاتفاق ليس سوى مشروع أمريكي - “إسرائيلي” لخدمة المخططات الصهيونية في فلسطين . وكما ترى هذه السلطة ليس لديها أية خيارات غير خيار “المفاوضات”، كما يعلن ذلك رئيس السلطة . والسلطة تعلم جيداً أن وجودها مرهون ببقاء “المفاوضات”، وتعلم جيداً أن هذه “المفاوضات” هي مفاوضات من جانب واحد، وأن “إسرائيل تفاوض إسرائيل” .

وتعلم جيداً، مرة ثالثة، أن هذه “المفاوضات” ليست فقط “عبثية”، بل غطاء للسياسة “الإسرائيلية” في التهويد والاستيطان .

إن “دبلوماسية الرشى” التي اعتمدتها وتعتمدها الولايات المتحدة تؤكد للمرة المليون أنها ليست، ولم تكن يوماً، “وسيطاً” نزيها أو غير نزيه، بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، بل كانت دائماً وهي اليوم، حليفاً وشريكاً ل “الإسرائيليين” ضد الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية . وفي اللحظة التي قبل فيها بعض الفلسطينيين في ثمانينات القرن الماضي “الوساطة” الأمريكية، قبلوا فيها التنازل عن حقوقهم الوطنية . وما “الرشى” التي قدمتها، ومعها الغرب، سوى “دفعات” من ثمن وطن يسرق باسم “المفاوضات” . وستظل تدفع حتى تتم “الصفقة” وتكتمل تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165777

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165777 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010