الخميس 1 آب (أغسطس) 2013

أخطر مفاوضات على مصير فلسطين

الخميس 1 آب (أغسطس) 2013 par أ.د. محمد الدعمي

إنه لمن نافلة القول إن المفاوضات بين خصمين يتوجب أن ترتكن إلى “توازن قوة” يضمن للفريقين عدالة مسارات المحادثات وتوازن نتائجها. ولكن، للأسف، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعد محادثات واشنطن الجارية أو المرتقبة، من هذا النمط من المفاوضات المتوازنة قط، ذلك أن أية نظرة مهما كانت عابرة، لأحوال الطرفين لا يمكن إلا أن تميط اللثام عن توازن مختل على نحو خطير: إسرائيل في أحسن حالاتها وأقوى مراحل وجودها، فلسطين في أسوأ حالاتها بقدر تعلق الأمر بوحدتها ووحدة أعماقها العربية والإسلامية. اليد العليا للإسرائيليين، بينما يبدو الفلسطينيون وكأنهم على استعداد لمبادلة ضيعة من فلسطين، مكونة من بعض القرى والبلدات، مقايضة بدويلة مجهرية، لا حول ولا قوة لها.
هذا بالضبط ينطبق على ما يجري أو سيجري من مفاوضات، من تصميم أميركي ومباركة إسرائيلية، في واشنطن، أقصد المفاوضات التي ستذهب بفلسطين الآن وإلى الأبد، كما يبدو من منظوري، للأسف.
من منظور أول، يعاني الفلسطينيون، ممثلين بالسلطة، من العديد من الإشكالات، وهي الإشكالات التي طالما طفت على سطح صورتهم من حين لآخر، زيادة على الشرخ الأساس بين جانبي السلطة وحكومة غزة المستبعدة، تعسفاً. إذاً هم في حال ضعف لا تؤهلهم لاتخاذ قرارات قوية وعادلة من النوع التاريخي الذي يهدف الإسرائيليون لإستدراجهم بعيداً عنه.
أما العالم العربي، فلا حاجة للإطناب في وصفه، فهو في أضعف حال، بالتأكيد: هل توجد دولة عربية مستقرة وبلا حروب داخلية أو أهلية، عدا القليل الذي يكمن على مسافات جغرافية تضعف من أدائها حول هذه المسألة. دول المواجهة قاطبة في حال مأساوية: سوريا تحيا حرب أهلية من النوع الذي لا يبقي ولا يذر، لبنان على شفاها، ومصر، كما نرى اليوم في أتون حال لا تحسد عليها قط، ناهيك عن العراق وتونس وليبيا والسودان المقسمة، من بين حالات أخرى لا تبشر بخير قط.
إذاً على ماذا يرتكن المفاوض الفلسطيني المستضعف: هو على أرض رخوة تماماً، فصدِّق أخي القارئ أن الحكومة الإسرائيلية ما كان يمكن أن توافق على دخول مثل هذه المفاوضات دون التأكد مسبقاً من أنها يمكن أن تنهي دولة فلسطين الآن وإلى الأبد؛ أو أن تنهيها بطريقة فنية لحسم “وجع الرأس”، عن طريق “إمارة” أثرية منعزلة أشبه بإمارة موناكو بالنسبة لفرنسا، أو بالفاتيكان بالنسبة لإيطاليا. هي ستكمن في زاوية منزوية من فلسطين الأصلية الكبرى وسيعتمد وجودها على الإسرائيليين وعلى “صدقات” الأميركان والأوروبيين الذين سلموا فلسطين لليهود منذ أكثر من ستين سنة.
إن المعادلة تفتقد إلى عنصر “التوازن” الذي يسبق تشكيلها، بدليل أن رغبة الأميركان في إنصاف الفلسطينيين، كما صرحوا بذلك وبصوت عال إنما تنطلق من “تفهم واشنطن لقلق إسرائيل الأمني” ذلك القلق الذي سيبقى ضاغطاً على الفلسطينيين حتى يوقعوا تنازلاً نهائيًّا عن وطنهم الأصل، من النهر إلى البحر!
إنها مفاوضات غير عادلة ولا متوازنة ولا يمكن أن تأتي بأي شيء عادل أو متوازن بكل تأكيد. لست في سياق نقد لا مجدي، ولكن للمرء أن يشعر بأن السلطة الفلسطينية اليوم هي على استعداد لفعل أي شيء من أجل موطئ قدم لها، وإن كان موطئاً لدويلة مجهرية تقع في زاوية وعرة بعيداً عن إزعاج الإسرائيليين. والحق يقال، فإن لهم التريث وانتظار فرصة أخرى يمسكون خلالها بمفاتيح المفاوضات على نحو حاسم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2178681

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178681 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40