الخميس 1 آب (أغسطس) 2013

مفاوضات الشهور التسعة

الخميس 1 آب (أغسطس) 2013 par أمجد عرار

أسوأ ما في السياسة أنها عصيّة على الفهم من جانب الناس البسطاء ضحايا التصريحات المعسولة لمسؤولين أدمنوا الكلام نفسه، يلوكونه كما العلكة ولا يخجلون من ترديد الجمل ذاتها مثل “كوبليهات” الأغاني . على جبهة ثانية يجد البسطاء أنفسهم ضحية هجوم تضليلي يقوده إعلاميون مأجورون في وسائل إعلام لها علاقة بكل ما يتخيّله العقل الإنساني والشيطاني، باستثناء الإعلام الذي أصبح توفّر المصداقية في معظمه، كوجود الحياة على سطح المشتري .

في هكذا أجواء، قد تكون الكتابة عن الطماطم المهجّنة مجدية أكثر من الكتابة عن المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية” التي استؤنفت مؤخّراً برعاية “إسرائيلية” بثوب أمريكي . وزيرة الخارجية الأوروبية كاترين أشتون ترى أن “اتفاق السلام النهائي” بات في متناول اليد . هذا يعني أنها لم تقرأ تاريخ الصراع العربي الصهيوني، أو أنها تقرأ تصريحات كتبها لها غيرها، أو أنها لا تقول الحقيقة عن سبق الإصرار والترصّد . بعد تجربة اثنين وعشرين سنة مفاوضات مع “إسرائيل”، لا يجوز لمسؤول يحترم كلمته أن يتحدّث عن “متناول اليد”، إلا إذا كان يقصد يد “إسرائيل”، ولا شيء في متناول هذه اليد سوى الزناد الضاغط للقتل، ومقود الجرافة العاملة ليلاً نهاراً في الاستيطان المستمر قبل وأثناء وبعد المفاوضات، ولا شيء في قبضة هذه اليد سوى خمسة آلاف أسير، تبحث “إسرائيل” إطلاق 104 منهم على سبيل الرشوة، وهي التي تحدد البرنامج الزمني لإطلاقهم على دفعات .

الراعي الأمريكي جون كيري حدّد للمفاوضات تسعة أشهر ينبغي أن يتوصّل الطرفان خلالها إلى اتفاق نهائي يشمل الأركان الرئيسة التي جعلت المسألة الفلسطينية تحمل مسمّى قضية مدفوع ثمنها آلاف الشهداء وملايين اللاجئين واحتلال فلسطين كلها ومعها أراض عربية سورية ولبنانية . أي أن أحداً ما يجب أن يقنعنا بأن ما فشل في تحقيقه المفاوضون الفلسطينيون مع حكومات كانت توصف بالحمائمية، قادرون على تحقيقه مع حزب “ليكود” الموصوف بالصقرية، مع أن التجربة وقراءة طبيعة الحركة الصهيونية وأحزابها وتاريخها، تقود إلى عبثية البحث عن فروق بين الأحزاب في هذا الكيان .

لا مبالغة في القول إن غالبية الشعب الفلسطيني بعد تجربة التفاوض الطويلة، فقدت الثقة بهذا النهج، واكتسبت خبرة عميقة في التمييز والحكم على أي لعبة سياسية، وهي تدرك أن بعض الإجراءات الشكلية مثل “التسهيلات” على الحواجز وزيادة عدد التصاريح العمالية والتجارية، لا تعمي العيون عن القضايا الرئيسة . وحتى لو أطلقت “إسرائيل” سراح كل الأسرى الفلسطينيين، فهذا لن يكون مؤشّراً على حدوث تقدّم سياسي، أولاً لأن موضوع الأسرى استحقاق منفصل عن التفاوض، وثانياً لأن الاعتقالات والحواجز ناجمة عن وجود الاحتلال، وإذا كف الفلسطينيون عن النضال، فربما لا يصبح أحد أسيراً، ولما احتاج الاحتلال لسجون .

ومن الممكن الافتراض تماماً وبكل واقعية أنه لو أطلق سراح كل الأسرى، مع عدم إغلاق ملف الاعتقالات، فإن الشهور التسعة كافية لملء السجون ثانية ربما بعدد أكبر من الآلاف الخمسة .

أما وقد عاد الطرف الفلسطيني للمفاوضات، فإن مخاض الشهور التسعة التفاوضي لن يأتي بأي مولود سليم، ولن يقبل الشعب الفلسطيني بأي مولود سياسي أقل من دولة مستقلة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين على ديارهم . ومن الآن يجب أن يكون معروفاً، أن “إسرائيل” لن توافق على ذلك .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010