الخميس 1 آب (أغسطس) 2013

أوروبا و”إسرائيل” . . عقوبات رخوة

الخميس 1 آب (أغسطس) 2013 par مأمون الحسيني

يستدعي الحديث عن أبعاد وتداعيات قرار الاتحاد الأوروبي المتعلق باستثناء المستوطنات الصهيونية المقامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان السوري المحتل من اتفاقات التجارة الحرة التي تربطه بالكيان، ربط هذا الإجراء الذي ألزم كافة دول الاتحاد بعدم التمويل، أو التعاون، أو تقديم المنح الدراسية، أو منح أبحاث لأي أطراف “إسرائيلية” في هذه المستوطنات، وبأن يتضمن أي اتفاق مستقبلي مع دولة الاحتلال بنداً ينص على أن المستوطنات ليست جزءاً من دولة “إسرائيل”، بمقدماته المباشرة التي تمظهرت في اتفاق المنطقة التجارية الحرة الذي جرى توقيعه بين الأوروبيين والدولة العبرية عام ،2005 والذي نصَ على منع البضائع والمزروعات المنتجة في المستوطنات، والمورَدة إلى دول الاتحاد من الحصول على إعفاء جمركي، وعادت للظهور مجدداً في مايو/أيار وأكتوبر/كانون الأول 2012 عندما أكدت بلدان الاتحاد عزمها على تطبيق “القانون الأوروبي” واتفاق 2005 .

من الوجهة المنطقية البحتة، يبدو القرار الذي يستبطن الحديث عن مئات الملايين من اليورو، ويمس تمويل مؤسسات ومشاريع صهيونية ومشتركة مختلفة، من بينها مشروع “هورايزن” البيئي الذي يعد واحداً من أكبر المشاريع العلمية في العالم، وتبلغ موازنته نحو 800 مليار يورو، تنال منها الدولة العبرية على مدى سبع سنوات أكثر من 600 مليون يورو . يبدو القرار بمنزلة إقرار واضح، ليس فقط بالوضع غير الشرعي للمستوطنات الصهيونية، وإنما كذلك باعتبار الضفة الغربية الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، والجولان السوري أراضي محتلة . غير أن ثمة شكوكاً كبيرة تحيط بصدقية وقدرة القارة العجوز التي ما زالت دولها الأساسية الفاعلة تنتهج سياسة إمبريالية تكيل بمكيالين، وتنحاز انحيازاً كاملاً للكيان الصهيوني، على ترجمة هذا القرار وتطبيقه على أرض الواقع . ومشروعية هذه الشكوك لا تستند فقط إلى حقيقة أن دول الاتحاد التي سبق أن تجنَدت لمقاطعة نظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا، سياسياً واقتصادياً، حتى تم القضاء عليه بشكل كامل، لم تقارب قضية الاستيطان الصهيوني طوال ال 46 سنة الماضية، إلا باعتبارها “مخالفة للقانون الدولي، وتمثل عقبة أمام السلام”، دون أن تلجأ إلى أي إجراءات عقابية ملموسة، وإنما أيضاً لها علاقة بسوريالية المنطق والمعادلة الأوروبية التي تقول إن المستوطنات في الضفة والقدس والجولان غير شرعية، وهي مقامة على أراض محتلة من قبل دولة “إسرائيل” . . إذاً: الجناح العسكري في “حزب الله” “منظمة إرهابية”!

ومع ذلك، ثمة قراءات وأهداف متعددة للقرار الأوروبي يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي، والاستراتيجي بالتكتيكي، والآني بالمستقبلي البعيد المدى . بيد أن القضية المحورية في كل ذلك هي الوظيفة المركزية لهذا القرار- السابقة التي تحمل رسالة مزدوجة، الشق الأول فيها موجه لنتانياهو وحكومته، ومفاده أن دائرة الانزعاج الدولي من الدولة العبرية وسياساتها الاستيطانية والعنصرية الرافضة للتفاوض آخذة في الاتساع، وبالتالي، لا بد من التوجه إلى طاولة التفاوض، ولو على قاعدة “نزع الذرائع” التي يعززها انتفاء الأمل في حدوث أي اختراق جدي في هذه المفاوضات . أما الشق الثاني فيتعلق برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يزوَده القرار الأوروبي بجرأة إضافية للقول لمعارضيه الكثر في الفصائل الفلسطينية، وداخل “فتح”، إن واشنطن وحلفاءها في شرقي الأطلسي جادون في سعيهم إلى إعادة إطلاق المفاوضات، وإن رفض التفاوض سيساهم في خسارة المساعدة الأمريكية والأوروبية، ومساعدة العديد من الدول العربية والإقليمية، وربما خسارة السلطة لمصلحة حركة “حماس” وهذا ما يريده نتنياهو!

غير أن كل ما سبق، لم ولن يشفع للأوروبيين “خطيئتهم” بحق الدولة التي تعتبر نفسها فوق القانون، إذ، وبموازاة شروع الحكومة الصهيونية في خوض غمار معركة سياسية واسعة ضد خطوة الاتحاد الأوروبي لتأجيل سريان القرار، تمهيداً لعرقلته وتهميشه، اندلعت حرب تصريحات وشتائم بحق الأوروبيين الذين، وإن منحوا الحركة الصهيونية “وعد بلفور”، وساهموا في بناء وتطوير الكيان الغاصب على حساب أصحاب الأرض، وتزويده بالمساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بما في ذلك المساهمة في إقامة مفاعل ديمونا الذري، وبناء أسطول من الغواصات النووية المتطورة، ينبغي أن يهتموا “بمعالجة المشكلات الأكثر إلحاحا بكثير مثل الحرب الأهلية في سوريا، والسباق الذي تخوضه إيران لحيازة أسلحة نووية”، حسب ما جاء على لسان نتنياهو . وكما هي العادة، تم وضع نغمة ابتزاز الأثيرة لدى الصهاينة (اللاسامية) في مطلع كونشرتو الحملة التي توزعت وتنوعت أدوار المؤدين في إطارها، فمن ادعاء إيزي لبلار في ““إسرائيل” اليوم” بأن “التراث الأوروبي المعادي للسامية ظهر من جديد، وهو يوجه الآن ضد الدولة اليهودية”، إلى مزاعم وزير الحرب الأسبق موشي أرينز حول اعتبار القرار بمنزلة “علامة أخرى على تهاوي أوروبا التي تناضل من أجل البقاء”، وصولاً إلى اقتراح الوزير أوري أريئيل خصم الخسائر الناتجة عن قرار الاتحاد الأوروبي من الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، ووقف أنشطة الاتحاد الأوروبي في الضفة الغربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165500

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165500 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010