الأربعاء 31 تموز (يوليو) 2013

فرصة مؤتمر جنيف 2

الأربعاء 31 تموز (يوليو) 2013 par علي عقلة عرسان

لم يكن الإصلاح الجذري الشامل ولا التغيير السياسي المتكامل ومعهما أشياء أخرى مطلوبة توصل جميع المعنيين من السوريين إلى ضرورة تحقيقها.. ليحتاج إلى حرب مدمرة طويلة الأمد كما شهد ويشهد بلدنا الحبيب سوريا.. لم يكن ذلك هو هدف لاعبين مهمين في الأزمة السورية و“ماريونيت” تسند إليها أدوار بطولة على الخشبة البائسة، لم يكن ذلك هو الهدف الأساس لا من المقاتلين بالوكالة ولا من الأدوات بأشكالها ولا من أولئك الذين يقفون وراء الستار في مسرح “الماريونيت” يحركون الدمى في العرض الدامي.
أخيراً، وبعد خراب البصرة، أعلنت المعارضة السورية المتخصصة بـ“لا.. وبشروط” طيلة أشهر مرة، أعلنت “موافقتها على حضور مؤتمر جنيف 2 من دون شروط والحوار مع النظام..”.. تُرى أفما كان أغنى لنا وأقنى أن تقبل المعارضة بذلك الذي قالت به معظم دول العالم، وقال به كل عربي وسوري مخلص يرى إلى المشاهد الدامية وعذاب الناس في سوريا وأشكال تدمير الدولة وقلبه يدمى، لأنه يعرف أن المداخل العقلانية والمنطقية المجدية لتحقيق المطالب الضروية والموضوعية لكل السوريين هي الحوار بإخلاص وثقة ومسؤولية ووعي، حقناً للدم وصوناً لوحدة الشعب ومؤسسات الدولة والروابط المجتمعية السورية العريقة؟! نعم كان ذلك أجدى وأغنى وأقنى ولكن..
من لي، ومن لي، ومن لي .. لست غير منى والكون أصبح فعلاً أُملكته يد؟!
أخيراً.. “إن لم يعمل المعطلون عملهم”، سنذهب إلى جنيف 2 للحوار سلطة ومعارضات، والهدف المعلن “تنفيذ جنيف 1”، ونأمل أن يكون كل السوريين المعنيين بالأزمة مدركين أنه لم يعد بينهم وبين الغرق وإغراق البلد والمنطقة بطوفان الدم والفتنة إلا خطوات قليلة وزمن أقل.. والأهداف من جنيف والحوار واضحة، والوصول إليها ممكن وبأسرع مما يتصور الكثيرون، إذا ما صدقت النوايا وحكمنا العقل ورفعنا مصلحة الشعب والوطن فوق مصالح الجميع “أفراداً وفئات وطوائف وأحزاباً” لتكون تلك المصلحة كتلة عليا حاكمة وكل ما عداها في خدمتها، والفائز الكبير في سباق الوعي والحكمة والشرف هذا هو من يخدم هذا الهدف الكبير، هدف إخراج سوريا من محنتها. فليكن إذن هذا هو المعلن والمضمَر للسوريين المعنيين من دون وجه وقناع وشطارة تؤدي إلى مزيد من العنف والدم والدمار.. إن هذا مطلوب من السوريين المعنيين، والشعب السوري يتابع ويراقب ويعرف وسيحاسب ولا يمكن أن ينسى .. أما الأهداف المضمرة التي لا يعلمها إلا الله وحده فإنها لا تلبث أن تتكشف لأن أصحابها لن يتوصلوا إليها من دون وضعها على الأرض وجعلها تسعى. نحن نعرف جيداً أن من يعبث بنا وبأمننا ودمنا ومصالحنا ووطننا وشعبنا هو عدو لنا وأنه لم يحقق أهدافه كاملة بعد، وأنه سوف يمكر ويخادع ويناور من خلال الغائصين في الدم السوري ليصل إلى ما يريد، فعلى جدول أعماله تدمير سوريا الدولة العربية، والخيارات السياسية المبدئية التي لها، والدور القومي والإقليمي الذي تقوم به، والوفاق الوطني والمجتمعي الموحد لها شعباً وأرضاً .. وهو لن يتخلى عن أهدافه بسهولة، ولكنه سيجد صعوبات جمة في تحقيقها إذا لم يجد أدوات من أبناء جلدتنا تعمل لصالحه بين الجلد والعظم.. وأن مهمته ستكون أصعب، بل ربما مستحيلة التنفيذ، إذا ما وعى كثير من السوريين المنخرطين بحرب بالوكالة على وطنهم وشعبهم، أهداف من يحرضهم ويدفعهم في طريق القتل والموت، وما يدفعه وطنهم وشعبهم في هذه الحرب المجنونة وما يجنون ويربحون منها.
الموافقة على الذهاب إلى جنيف من دون شروط والدخول في الحوار خطوة جيدة ومسؤولة وفي الاتجاه الصحيح، على الرغم من أنها جاءت متأخرة كثيراً جداً، لكنها جاءت.. وليس فيها من العيب ما يجعل بعض المتحدثين باسم المعارضات يقول ما لا يُستحب من قول في سوق الكلام المفتوح، حيث قال قائل من الدوحة عبر فضائيات عربية، بعد الإعلان إياه على لسان رئيس الائتلاف، قال: “إن المعارضة لم تكن يوماً بصدد وضع شروط للدخول في جنيف2”؟! يا عجيب.. مع أن العالم كله سئم من كثرة تكرار شروط لا صلة لها بالواقع كانت تشترطها المعارضة ذاتها للذهاب إلى مؤتمر جنيف2 والقبول بجنيف1؟!! على كل حال نحن هنا اليوم، ولا نعرف هل سيصمد هذا الإعلان أم لا، وهل ستتحرك أطراف معارضة بوحي من مشغليها ومموليها والمستثمرين فيها لترفض الإعلان وتقول بالشروط المعهودة، ويلقى الرئيس الحالي للائتلاف ما لفيه الشيخ الخطيب؟! لكن المرجح لدي أن الإعلان سيصمد لأسباب كثيرة منها:
ـ تقدم الجيش العربي السوري في الجبهات الساخنة والسيطرة على حمص، وعدم تحقق توازن على الأرض على الرغم من تدفق السلاح النوعي على المعارضات المسلحة لتحقيق ذلك.
ـ التغير الدراماتيكي المؤثر، سياسياً واستراتيجياً وتكتيكياً، الذي أحدثته “الحرب العربية الباردة” بين أطراف عربية رئيسية داعمة للمعارضة ومحركة لها وممولة بطبيعة الحال، وما تبع ذلك ونتج عنه من تغيير في الساحة العربية وفي بلدان منها مصر، الأمر الذي أثر في الحسابات والأدوار والمرجعيات وربما التحالفات..إلخ، وهذا يترك تأثيراً مباشراً على الأهداف والوسائل من جهة، وعلى المنخرطين المباشرين في الاقتتال وفي الأزمة والأهداف النهائية التي لكل طرف من أطرافها من جهة أخرى.
ـ توصل معظم دول الغرب الاستعماري العدواني، لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إلى حسابات ليست في صالحها إذا ما تدخلت بصورة مباشرة، لا سيما لجهة قراءة التوازنات الدولية والاستعدادات الماثلة بصلابة في حال التدخل العسكري المباشر في الشأن السوري، لتنفيذ بعض “السيناريوهات” المهمة الموضوعة في بنك الخيارات السياسية والاستراتيجية الأميركي خاصة والأوروبي الاستعماري عامة، وفداحة تكاليف التدخل بشرياً ومادياً ومداه وانعكاساته السياسية والأمنية والاقتصادية على المنطقة.
وهذا يجعلنا نعلق أملاً كبيراً على أن يكون قرار اللاعبين الرئيسيين في الأزمة السورية الذين يقف بعضهم وراء الستار ويحرك دمى الماريونيت على المسرح، قد أصبح فعلاً باتجاه الحل السياسي، وأنه أعطى الإشارة للمعارضات المسلحة بتغيير الاتجاه بعد لقاءاتها مع كيري واجتماع غير رسمي لمسؤولين منها في مجلس الأمن، وقراءة دولية وعربية لما جري ويجري في مصر.
لم يكن الإصلاح الجذري المطلوب بإلحاح في سوريا، ولا التغيير السياسي الشامل الذي يحقق للسوريين حرية وكرامة وعدالة اجتماعية ومساواة حقيقية في دولة مدنية عزيزة يتم فيها تداول السلطة بديمقراطية سليمة متكاملة غير مدخولة بأمراض، ولا معطلة السير بعصي في العجلات تجعل الديمقراطية ذاتها مكلفة ومكروهة من حيث تعطيلها للدولة والمؤسسات وعجلة الحياة بسبب جلوس السياسيين على جانبي الطريق وتراشقهم بالتهم والحجارة والرصاص باسم الديمقراطية والدولة المدنية والحرص عليهما؟!.. لم يكن الإصلاح الجذري الشامل ولا التغيير السياسي المتكامل ومعهما أشياء أخرى مطلوبة توصل جميع المعنيين من السوريين إلى ضرورة تحقيقها.. ليحتاج إلى حرب مدمرة طويلة الأمد كما شهد ويشهد بلدنا الحبيب سوريا.. لم يكن ذلك هو هدف لاعبين مهمين في الأزمة السورية و“ماريونيت” تسند إليها أدوار بطولة على الخشبة البائسة، لم يكن ذلك هو الهدف الأساس لا من المقاتلين بالوكالة ولا من الأدوات بأشكالها ولا من أولئك الذين يقفون وراء الستار في مسرح “الماريونيت” يحركون الدمى في العرض الدامي.. بل كان الهدف هو القضاء على سوريا بما تمثل من دولة وموقف وشعب ودور.. ولو لم يكن ذلك كذلك لكان العقل والمنطق غلابان منذ الأسابيع الأولى التي تنادى فيها الناس للحوار في جو من الاستعداد التام للتغيير الشامل ابتداء من الدستور الذي يعني ولادة نظام حكم جديد وفق أسس ومعايير وتوجهات مغايرة للقائم، وانتهاء بإدارة الشؤون اليومية الصغيرة للدولة والمجتمع.. من دون أن يتراشق السوريون بالدم والجثث والصواريخ والاتهامات والكلام وكل ذلك الذي يصعب أن تمحو آثاره الأيام طيلة سنتين ونيّف.
إن في انعقاد مؤتمر جنيف 2 برعاية سياسية نزيهة وحكيمة ومصممة على التوصل إلى حل سياسي يكون في صالح سوريا الدولة العضو المؤسس في الأمم المتحدة، والشعب العريق، والعمران الذي يعود لآلاف السنين قبل الميلاد.. مطلب ومسعى إنساني عادل ومسؤول، وبانعقاده بنوايا طيبة من جميع المشاركين فيه، وبثقة متبادلة بين السوريين، وحرص تام وشامل من الجميع على وقف العنف والدم والقتل والتدمير، وعلى وضع حد لمعاناة السوريين المشردين في داخل البلاد وخارجها: “الأطفال والنساء والشيوخ والمصابين والمقعدين والجائعين والخائفين.. إلخ”.. إن في ذلك وقف للانهيارات في كل مجال من مجالات الحياة والأمل في بلد هو موطن الاستمتاع بالحياة والانفتاح عليها بأمل.. وإن في ذلك كله أيضاً قضية وطنية وقومية وإنسانية وأخلاقية كبرى، وفيه قيام بمهمة مشرفة لمن يقوم بها بوعي، ويقبل عليها إخلاص، ويمارسها باقتدار وحرص على السلام والوئام. وكل معني بهذا الأمر من السوريين خاصة ومن العرب والمسلمين والشرفاء في كل أنحاء العالم من سياسيين ومثقفين ومناضلين بصورة عامة.. مطالب، بحكم الشرف والمسؤولية الإنسانية عن الأمن والعيش الكريم والحفاظ على الحياة البشرية والأرواح، ووضع حد للظلم والقهر والاستبداد والرعب والإرهاب، وبحكم المصير الإنساني المشترك والاعتماد المتبادل بين الدول والشعوب.. إن كلاً من أولئك المعنيين مطالب بأن يعمل بجدية ونزاهة ومسؤولية لتحقيق الهدف النبيل، هدف “وقف الاقتتال في سوريا ونبذ الإرهاب ودحره والتوصل لحل سياسي للأزمة لا بديل له”، وهو مطالب ايضاً بأن يعمل على اقتناص هذه الفرصة، فرصة انعقاد مؤتمر جنيف 2، لوقف العنف الذي يهدد دولاً وشعوباً في المنطقة، ووضع حد لإراقة الدم في سوريا، والخروج بها من أزمتها الخانقة التي كلفتها فوق ما تطيق، ووضع حد لتدحرج كرة النار وتوالي موجات الفتنة التي تهدد الجميع ولا يسلم منها الأمن والسلم الدوليان.
لقد حانت الآن فرصة جيدة للسوريين الذين يخلصون لوطنهم وأمتهم وثوابتهم ومبادئهم ليغتنموها ويبنوا عليها ويتعلقوا بها للخروج من ثوب الخطيئة والعار لمن ارتكب الخطيئة وجلله العار، وهي فرصة للتراجع عن الخطأ وعن المكابرة والتعنت لمن كان هذا شأنه وديدنه فكان منه ما كان.. وأنا أعني بكلامي هذا السوريين الذي لا تحويهم عباءة أحد، ولا يرتهنون لجهة سياسية غريبة، أو لجهاز استخباراتي ما، ولا يحركهم الجشع وحب المال والسلطان والمناصب والشهوات، ولا يشغلهم حدَّ الموت والقتل الترامي على الحكم بأي ثمن، ولا تأخذهم النعرات الطائفية المريضة ولا العزة بالنفس والتمادي بالإثم إلى درجة الغيبوبة في الاحتراب وغياب الوعي ومعاني الاتعاظ بكل ما جرى ويجري في الوطن وللشعب من تقتيل وتهجير وتشريد وغذلال وجوع وخوف.. أي أنني أعني السوريين الذين تعني لهم سوريا “الكرامة والشهامة والتاريخ والثقافة والحضارة والمجتمع الموحد، وحتى الجغرافية السياسية الموروثة عن سايكس ـ بيكو تلك التي يعترض عليها كثيرون من السوريين”.. والذين تعني لهم سوريا شيئاً كبيراً ومؤثراً وحاكماً للتوجهات والمصالح والمواقف والخيارات والنزوات والنزوعات والنزاعات.. فأولئك هم من أقصد حين أذكر سوريين معنيين بحل الأزمة سياسيًّا وبأسرع وقت، والعودة إلى الوطن بكرامة وإلى أمر الشعب بامتنان، لأنهم يشعرون بالانتماء لبلدهم وأمتهم وثوابتهم الخلقية والدينية والوطنية والقومية وهي التي تدفعهم لفعل ذلك، وهم سوريون يحملون هويتهم قولاً وعملاً ويحرصون على شعبهم ويرتفعون بارتفاع وطنهم ومواقفهم الوطنية.. ولا أعنى مطلقاً قلةً من السوريين، يوجد أمثالهم في كل وطن وشعب وزمن، استنبِتوا في الجهالة والضحالة والعمالة والخيانة، وراجوا بضائع في سوق السياسة وسوق الكلام، يستطيب منهم المستثمرون فيهم المطاوَعة إلى درجة التبعية والامحاء، وانعدام الوطنية والضمير والانتماء والحس بالمسؤولية إلى درجة التهالك على المهالك.. فأولئك أينما وجدوا وفي أي وقت وعهد هم داء الأمة/ الأمم، والعبء الثقيل على كاهل الوطن والشعب/ الأوطان والشعوب، وهم السوس الذي ينخر جذع الشجرة السامقة فيبقيها لا زهر ولا ثمر، وهم من لا يشرف سوريا الوطن والشعب والتاريخ والشهداء والبعد القومي والأمل القومي.. أن ينتموا إليها ويحملوا رايتها حتى لو حملوا جنسيتها.
فهل ترانا جميعاً نقتنص هذه الفرصة بنقاء وطيبة وحرص، لنسجل صفحة جديدة في تاريخ سوريا الحديث، ونجعل الأطفال يعودون إلى مدارسهم ويفرحون، ويشرق الأمل بمستقبل زاهر على وجوههم؟! فقد تعب كثيراً أطفالنا أيها الآباء والأجداد والإخوة والأخوات والأمهات وآن لنا أن نقيهم شر الأسوأ: المرض والخوف والجوع والشذوذ والجهل بعد اليتم في عصر التقدم البشري الذي لا يضاهى.. ؟! إن ذلك ممكن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2177747

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177747 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40