الأربعاء 31 تموز (يوليو) 2013

الشعب إذ يرفض الثورة بنسختها «الإخوانية»

الأربعاء 31 تموز (يوليو) 2013 par فيصل جلول

هل ما وقع في العالم العربي خلال الأعوام الماضية . . ثورة؟ أم انتفاضة؟ أم تمرد؟ أم عصيان؟ هذا السؤال ليس بديهياً كما قد يبدو للوهلة الأولى وطرحه ليس متأخراً كما سنبين للتو ولا ضرباً من الترف النظري بل هو مدخل مهم في تفسير وفهم أعمال العنف التي شهدتها مصر وتونس خلال الأسابيع الماضية والناجمة في الغالب الأعم عن مأزق الإخوان المسلمين في الحكم في هذين البلدين .

وقبل قياس ما حصل في تونس ومصر على مضمون السؤال أعلاه، لا بد من التوقف عند التعريف المعجمي لمفهوم الثورة والانتفاضة ونبدأ بالأخيرة حيث ورد حرفياً في أكثر من معجم أجنبي أن “الانتفاضة هي فعل نهوض جماعي ضد السلطة القائمة أو الرسمية يمكن ان يشمل التمرد وأن يصل إلى حد العصيان المدني كما يمكن أن تؤدي الانتفاضة إلى الثورة إن لم يتم اجهاضها . والانتفاضة يمكن ان تظهر على هيئة معارضة عنيفة ضد القهر أو بفعل شعور عارم بالرفض أو السخط لمواجهة أوضاع ما عاد بوسع أحد السكوت عنها . وأخيراً يمكن للانتفاضة ان تكون ناجمة عن شعور بالظلم أو عن إرادة جماعية برفض الخضوع لسلطة يعتبرها المنتفضون غير شرعية” .

أما الثورة وفي التعريف المعجمي أيضاً فهي “فعل تغيير مفاجئ واساسي يمكن أن يشمل المجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة والعلوم . وتختصر الثورة على الصعيد السياسي بإلغاء نظام قائم بطرق دموية أحياناً أو بطريقة سلمية واستبداله بنظام حكم آخر . والثورة غالباً ما تكون شاملة ومن أمثلتها الثورة الفرنسية والثورة البولشفية والثورة الصينية” .

والظن الغالب أن تعظيم الحدثين التونسي والمصري قد أى إلى وصفهما بالثورة وليس الانتفاضة أو لأن اللغة العربية مدججة بمصطلح الثورة الذي يطلق على سبيل المبالغة على كل أشكال التحرك الجماهيري فيصبح الإضراب من أجل الخبز ثورة الخبز والإضراب من أجل المازوت والمحروقات ثورة المحروقات والاحتمال الثالث والأخير هو أن الأطراف الحزبية والأيديولوجية في الانتفاضتين المصرية والتونسية كانت تضمر استراتيجية ثورية في البلدين وبالتالي كانت وراء الإصرار على وصف الثورة بدلاً من الانتفاضة وهذا ما سنقف عليه للتو .

البادي أن الوقائع المصرية والتونسية ضد زين العابدين بن علي وحسني مبارك كانت أقرب إلى الانتفاضة منها إلى الثورة والدليل أن أحداً لم يضف على التظاهرات العارمة طابعاً ايديولوجياً ولم تعبر أية فئة من فئات المتظاهرين عن وجوب تغيير النظام الجمهوري أو عن وجوب استخدام الأيديولوجية الليبرالية أو الماركسية في الحكم أو عن قلب فئة الحداثيين لمصلحة طائفة الإخوان المسلمين أو المشتغلين بالإسلام السياسي . . بكلام آخر انتفض الناس في البلدين من أجل خلع الحاكمين المستبدين ومن اجل القضاء على الفساد وإطلاق حرية التعبير والحفاظ على النظام الجمهوري الحداثوي واللجوء إلى إصلاحات اساسية في الاقتصاد من دون العودة إلى الاقتصاد الاشتراكي أو إلى سيادة القطاع العام ولم يطالب المنتفضون بتطبيق تغييرات اجتماعية ودينية جذرية كما هي حال الثورات الدينية وبالتالي فرض الحجاب ونشر شرطة دينية لمراقبة التزام الناس بمواقيت الصلاة والصيام وسائر العبادات . وفي السياق نفسه يمكن القول إن أحداً لم يطالب في البلدين بتدمير الطبقة الرأسمالية وتسليم السلطة للطبقة العاملة كما هي الحال في الثورة البولشفية او في الثورة الفرنسية عبر كومونة باريس .

يملي ما سبق الاستنتاج القاطع بأن ما شهدته مصر وتونس هو انتفاضة عارمة لتغيير نظام الحكم الأوتوقراطي واقامة نظام ديمقراطي يضع السلطة في صناديق الاقتراع بصدق وبالتزام مقيد بالرقابة الشعبية وليس بدون ضمانات كما كان الأمر قائماً من قبل . بكلام آخر، ما كان ابن علي يحكم بواسطة دستور ملكي ولا كان النظام المصري في عهد مبارك امبراطورياً لذا كان التغيير المطلوب أقرب إلى الإصلاح الديمقراطي منه إلى التغيير الجذري الأيديولوجي أو الطبقي أو الديني وكان هذا التغيير هو الثورة في عرف القسم الأكبر من المنتفضين وليس شيئاً آخر .

لقد صار معروفاً أن الإخوان المسلمين تولوا السلطة في البلدين بوصفهم التيار الأكثر تنظيماً واستعداداً للحكم والأوسع تمثيلاً من التيارات الأخرى، وعلى الرغم من الاختلاف التكتيكي في أسلوب الحكم بين الإخوان المصريين والإخوان التونسيين حيث فضل راشد الغنوشي في تونس إدارة السلطة من خلال ائتلاف ثلاثي في حين احتكر إخوان مصر الحكم خوفاً من أن يغدر بهم كما يزعمون، على الرغم من ذلك فقد اعتبر الإخوان في البلدين أن الثورة لا تعني تسلم الحكم فقط وإنما تغيير قواعده وضمان استمراره في قبضة الإسلام السياسي إلى أجل غير معروف فيتم تداول السلطة ضمن صفوف هذا التيار وعبر رؤساء منتخبين منه وتقفل ابواب الحكم على الآخرين، ولعل دواعي الانصاف تقتضي القول ان الإخوان كانوا يطبقون برنامجهم للحكم تماماً كما لو كان الشيوعيون في الموقع نفسه .

ما يرفضه المصريون اليوم عبر جيشهم وأجهزتهم هو الثورة الإسلامية في صيغتها الإخوانية وما بدأ الناس يرفضونه في تونس وان بطريقة وقائية هو الثورة نفسها وهذا الرفض يجب أن يملي على الإخوان المسلمين وعلى غيرهم من شركاء العمل السياسي في البلدين تغيير قواعد اللعبة والاتفاق على ثوابت جديدة تعطي لكل لاعب حقه وتقيد هذا الحق بضمانات يصعب خرقها . . أما العنف فهو الطريق الأقرب إلى تدمير المسرح السياسي في البلدين وتالياً إلى الخراب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165752

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165752 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010