الاثنين 29 تموز (يوليو) 2013

وهمُ التسوية بعد اختباره 20 عاماً

الاثنين 29 تموز (يوليو) 2013 par د. عبد الاله بلقزيز

في مثل هذه الأيام من صيف العام ،1993 قبل عشرين عاماً بالتمام، دارت مفاوضات سرية بين بعض قادة “فتح” ومنظمة التحرير و(بين) وفدٍ “إسرائيلي” في “أوسلو”، انتهت إلى إبرام ما عُرِف - منذ ذلك الحين - باسم “اتفاق أوسلو” . كانت مفاوضات واشنطن، المتفرعة من “مؤتمر مدريد”، قد بلغت جولتها الحادية عشرة، من دون أن يتبين أفقٌ أمام حلٍ سياسيّ للصراع العربي - الصهيوني، حين كانت قناة “أوسلو” قد فُتِحت من وراء ظهر الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن، برئاسة الراحل حيدر عبدالشافي .

كانت مفاوضات واشنطن خطأً سياسيّاً قاتلاً، من وجهة نظر المصلحة الوطنية الفلسطينية، لأنها قامت على عقيدة جيمس بيكر: “الأرض مقابل السلام”، وعلى مبدأ المسارات المتوازية المستقلة، التي جَزأَتْ قضية الصراع العربي - الصهيوني، ووضعت المفاوض الفلسطيني في العراء أمام أشداق الوحش “الإسرائيلي” . لكن مفاوضات “أوسلو” كانت أكثر من مجرد خطأ سياسي قاتل؛ كانت خطيئة بأوسع معاني الكلمة .

كانت خطيئة لأنها حصلت من وراء المؤسسات الوطنية التمثيلية لمنظمة التحرير: المجلس الوطني، المجلس المركزي، اللجنة التنفيذية، فبدَت وكأنها اختلاسٌ للقرار الوطني في جنح الليل، وطعنة في صدر الإجماع الفلسطيني والوحدة الوطنية، وانتهاك صارخ للشرعية الفلسطينية . ولم يكن عرض الاتفاق المشؤوم على اللجنة التنفيدية والمجلس المركزي، في ما بعد، لتحصيل الموافقة عليه، ليُصحّح تلك الخطيئة؛ لأن أمراً واقعاً فُرِض على الجميع، آنئذ، ولم يعد للاحتجاج عليه من أثرٍ سوى الأثر الرمزي (استقالة الراحلين شفيق الحوت ومحمود درويش من اللجنة التنفيذية، ومعارضة رموز فلسطينية له من خارج فتح - مثل الراحل جورج حبش - ومن داخل فتح: مثل الراحل هاني الحسن، وعباس زكي . .) .

وهي كانت خطيئة لأنها قامت على مبدأ “الرعاية” الأمريكية للتفاوض - قبل التوقيع وبعده - وعلى قاعدة غياب مرجعيةٍ للتفاوض ماخلا “مائدة التفاوض” نفسها! ولم يكن من مترتبات ذلك سوى أن المفاوض الفلسطيني ارتضى تحكيم الحليف الاستراتيجي لعدوّه، والتسليم له ب “الرعاية”، واللوْء به عند المَظْلمة طلباً ل”الإنصاف”، ثم الخوض في مَعَامع تفاوض لا هدف معلناً له، ولا قواعد مرجعية يقوم عليها سوى “مائدة التفاوض”؛ وهذه إنما تقرر ما تفرضه موازين القوى .

وهي كانت خطيئة لأن الطرف الفلسطيني فيها التزم بوقف الكفاح المسلح، ثم اعترف - بعد إبرام الصفقة - ب”شرعية إسرائيل” مقابل اعتراف العدوّ بمنظمة التحرير! ومصير ذلك كان إلى حرمان المفاوض الفلسطيني من موْردِ قوةٍ في التفاوض؛ هذا الذي خاضه من دون أسنانٍ أو أظافر، ناهيك بأن الاعتراف بشرعية الدولة الصهيونية لم يقابله اعتراف إسرائيلي بشرعية قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو ،67 وبحق العودة؛ فما قيمة الاعتراف بالمنظمة إن كان مطلوباً منها أن تُصَفّي قضيتَها الوطنية؟!

وهي كان خطيئة لأنها أفقدت قضية فلسطين طابعها الوطني، وضربت فكرة التحرير، بل حتى فكرة الاستقلال الوطني - على جزءٍ صغير من أرض فلسطين التاريخية- من طريق القبول بمبدأ “الحكم الذاتي الانتقالي”، فيما لم يكن ثمة من ضمانةٍ بأن يكون انتقاليّاً فعلاً، وأن يعقبه قيام دولةٍ مستقلة في مناطق الضفة والقطاع والقدس .

وهي كانت خطيئة لأنها قادت إلى تعريف المناطق المحتلة كمناطق متنازّع عليها، وإلى القبول بمفردات صهيونية ذات دلالة، لجهة عدم الاعتراف بالاحتلال، من قبيل عبارة “إعادة انتشار القوات “الإسرائيلية” بدلاً من عبارة الانسحاب” .

وهي كانت خطيئة لأنها لم تقارب مسألة الاستيطان الصهيوني، لأراضي الضفة الغربية ولشرق القدس، الذي اتسع نطاقاً، وزادت وتائره بمعدّلات جنونية أثناء “مفاوضات الوضع الانتقالي”، وأثناء “مفاوضات الوضع النهائي”، من دون أن يستطيع المفاوض الفلسطيني، ولا “الراعي الأمريكي”، إيقافها!

وهي كانت خطيئة لأنها أفضت إلى التنسيق الأمني بين الضحية (الفلسطيني) والجلاّد (الصهيوني)، والذي لم تكن له من وظيفة سوى قمع المقاومة وحراسة أمن الدولة الصهيونية!

وهي كانت خطيئة لأنها أنجبت كائناً أشوه اسمه السلطة الفلسطينية، تنزّل منزلة “المرجعية الوطنية” بدلاً من منظمة التحرير، وتحول إلى ملهاة سياسية، وبات مطلوباً ومشروعاً حتى عند معارضي “أوسلو”: مثلما حصل لحركة “حماس” التي تصالحت مع مؤسسات “أوسلو”، مثل “المجلس التشريعي” و”الحكومة” و”رئاسة السلطة”!

متأخراً، أدرك الشهيد ياسر عرفات الحجم المهول لهذه الخطيئة، وأثمانها السياسية الفادحة على قضية الشعب الفلسطيني الوطنية، حين قذف لاءاته في وجه بيل كلينتون وإيهود باراك، في مفاوضات “كامب ديفيد الثانية” (صيف العام2000)، ودفع كلفة ذلك اجتياحاً وحصاراً ثم اغتيالاً . لكن من خلفوه على منصب الرئاسة لم يتعظوا بعد! فها هو الرئيس الفلسطيني، وفريقه السياسي، يجدد وهم التسوية والتفاوض بعد عشرين عاماً عجافاً من ذلك الوهم! ولقد كتبنا، في هذا المنبر، ومنذ ما يزيد على خمسة عشر عاماً، أن التسوية التي فشلت مع إسحق رابين، لا يمكن أن تنجح مع غيره؛ فكيف إذا كان ذلك الغير - اليوم - اسمه بنيامين نتنياهو؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2165286

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165286 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010