الأحد 28 تموز (يوليو) 2013

“فرصة” كيري

الأحد 28 تموز (يوليو) 2013 par هاشم عبد العزيز

بحسب إعلانه، أنجز وزير الخارجية الأمريكية جون كيري اتفاقاً “مبدئياً” بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” في شأن “إطلاق مفاوضات الوضع النهائي” بين الطرفين .

جاء الإعلان بعد ست جولات مكوكية كانت أيامها في الشرق الأوسط ماراثونية من لقاءات وإعادة لقاءات واتصالات ومشاورات، ودار كيري في جولتيه الخامسة والسادسة من دون توقف ما بين تل أبيب والعاصمة الأردنية، وأخيراً كانت زيارته لرام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعدها جاء إعلانه تلك النتيجة .

في النظرة العامة حقق كيري اختراقاً في جدار العزلة الذي وضع نهاية للمفاوضات الفلسطينية- “الإسرائيلية”، والناجم عن السياسة الصهيونية، وفي الأبرز تلك المتواصلة تجاه تهويد القدس والمندفعة بالمشاريع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية .

وبحساب ما حدث إنجازاً، كانت ردود الفعل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي باتجاه الترحيب الحار بالاتفاق المبدئي على استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، مشيدة ب”شجاعة” الطرفين وبجهود وزير الخارجية الأمريكية .

ما كان لافتاً أن كيري لم ينجز اتفاقاً على هذا النحو بين طرفين متنافرين وحسب بل إن كل طرف واقع في حال انقسام في ذاته في شأن عودة المفاوضات .

هنا التساؤل: هل كان إعلان الاتفاق ثمرة لجهود كيري التي بذلها على نحو غير مسبوق من المثابرة الأمريكية، أم تعود إلى ما كان- وما زال- يتردد عن خبرة كيري في شأن هذه المنطقة بأطرافها وأزمتها؟

قد لا يكون هذا مهماً الآن، لأن الأهم هو طبيعة الاتفاق الذي على إثره جاء الإعلان عن الموافقة المبدئية في شأن “إطلاق مفاوضات الوضع النهائي”، وما حقيقة ما جرى لإطلاق هذا “التخريج الغامض” والذي زادت الحيرة في شأنه بإعلان كيري ذاته أن “أفضل سبيل لإعطاء هذه المفاوضات فرصة هو الحفاظ على سريتها” .

إذ كيف يستقيم هذا التعامل “السري” و”الخفي” في شأن مفاوضات تجري حول الوضع النهائي المعلومة قضاياه، إلا في حالة أن تكون الإدارة الأمريكية رمت بثقلها لإنجاز هذه النتيجة، لا لمواجهة أزمة الشرق الأوسط بل لما يرتبط بالسياسة الأمريكية في هذه المنطقة، وهنا محاذير جعجعة كيري عن السلام بالكلام وليس بالأعمال الجادة والصحيحة والسليمة والأكيدة .

المحذور على هذا النحو لا يعود إلى دوافع تشاؤمية ولا إلى مجرد عمى لا يرى في الدور الأمريكي ما قد يكون من جوانب إيجابية، بل إلى أسباب حقيقية .

بداية، الدور الأمريكي تكرس على هذا النحو غير المسبوق بهدف إعادة جمع الطرفين إلى المفاوضات، وقد يرى البعض أن هذه بداية لإعادة تحريك عملية التسوية السلمية، لكن العودة إلى المفاوضات في ظل ما وصلت إليه الأوضاع دونما تدخل دولي فعال هي أقرب إلى محاولة أمريكية لإعادة شراء الوقت، ومترتبات هذه العملية كانت كارثية على الفلسطينيين أدارها الأمريكيون منذ استفرادهم في شأن هذه الأزمة وشؤون هذه المنطقة، وأصدق تجلياتها الواضحة ما بات عليه الاستيطان المندفع بمشاريعه في الأراضي الفلسطينية .

وربما تكون مفيدة الإشارة إلى أن الصين حين تحركت واستقبلت رئيس الوزراء الصهيوني والرئيس الفلسطيني كلاً على حدة أكدت أهمية العودة إلى المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية، والموقف ذاته كان أعلنه المبعوث الروسي الذي تزامن وجوده في المنطقة وتحرك وزير الخارجية الأمريكية، حيث تمنى نجاح الجهود الأمريكية في عودة المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية .

هذا التأكيد يعني التحذير من عملية أو بالأصح “طبخة” خارج إطار هذه الشرعية ومضمونها .

وهنا التساؤل عن حقيقة الدور الأمريكي؟

بدءاً لا بد من التذكير بأن وزير الخارجية الأمريكية كان أعلن في ختام جولته الخامسة عن “حاجته” إلى “فرصة”، والفرصة التي أرادها موافقة الطرفين العودة للمفاوضات، وهذا تحقق بإعلان موافقة الطرفين المبدئية .

ما جرى أن الطرفين لم يتبادلا رسائل ولو غير مباشرة، ولا تخلى أي منهما عن شروطه ومواقفه، لكنهما تشاركا في موافقتهما المبدئية إعطاء كيري الفرصة التي طلبها بل ورجاها .

في هذا الوضع تستعيد الولايات المتحدة فعالية إداراتها لهذه الأزمة، والمستجد أن الإدارة الأمريكية ستدفع لإنجاز مبني على التعديل لمبادرة السلام العربية في شأن تبادل الأراضي، وبعد ذلك تدخل هذه القضية متاهة المفاوضات حول الكتل الاستيطانية .

ودونما مبالغة يمكن القول إن القضية الفلسطينية تواجه الآن واحدة من أفدح المخاطر والتي تتمثل بالتوجه الأمريكي لإضفاء طابع المشروعية على الاستيطان وهذا ما يتنافى والقرارات والمواثيق الدولية .

حماس الأمريكيين يعود لاعتقادهم أن الوضع الفلسطيني والعربي مناسب، لتتويج سياسة تطويع الموقف العربي عامة والفلسطيني خاصة لواقع الاحتلال، بوضع نهاية للقضية الفلسطينية، لكن ليس في حلها بل بتصفية هذه القضية . الاحتلال لا ينتهي والاستيطان لا يزول، والعودة إلى الأرض والديار مرفوضة، وقيام الدولة الفلسطينية غير ممكن إلا بالشروط والمقاييس والمعايير الصهيونية .

الفلسطينيون لا يرون استغراباً في هذه التوجهات، فهم على قناعة راسخة أن قضايا الشعوب حية لا تموت ولا تقررها القوى الاستعمارية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165992

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165992 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010