الأحد 28 تموز (يوليو) 2013

سياسة تقطيع الوقت وتقطيع الأرض

الأحد 28 تموز (يوليو) 2013 par علي جرادات

بإبرام اتفاق أوسلو والتفاوض على أساسه، خاصة بعد انسداد أفقه، ارتكبت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أخطاء كثيرة، من بينها أخطاء منهجية، لعل أهمها: قبول التفاوض مع استمرار اجراءات الاستيطان والتهويد، والاعتراف بوجود وأمن “إسرائيل” غير محددة الحدود، والتسليم برعاية الولايات المتحدة للمفاوضات، حتى بعد ثبوت عدائها للقضية والحقوق الفلسطينية . في مايو/أيار 1999 انتهى العمر الزمني لاتفاق أوسلو إلى طريق مسدود . وبانتفاضة سبتمبر/ايلول 2000 تجاوز الشعب الفلسطيني-ميدانيا- تعاقد أوسلو، لكن الإدارة السياسية للصراع مع الاحتلال لم يطرأ عليها تغيير حتى سبتمبر ،2012 عندما تم تجاوز الرعاية الأمريكية للمفاوضات، حيث تقدمت قيادة منظمة التحرير إلى مجلس الأمن بطلب الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في هيئة الأمم . لكن الولايات المتحدة أحبطت هذا الطلب وأفشلت إمكان حصوله على الأصوات اللازمة للتصويت عليه . وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012 حصلت فلسطين على مكانة “دولة غير عضو” في هيئة الأمم بقرار من الجمعية العامة التي، خلافاً لمجلس الأمن، لا حق للفيتو فيها . حظيت هذه الخطوة/ النجاح بتأييد شعبي وسياسي فصائلي واسع دعا إلى استكمالها بالانضمام إلى تشكيلات هيئة الأمم التخصصية، وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية . لكن قيادة منظمة التحرير استجابت لضغوط إدارة أوباما ووعودها وقدمت تنازل التراجع عن تجاوز رعاية الولايات المتحدة واحتكارها لملف الصراع . وترافق هذا التنازل مع انتهاك بنود “مبادرة السلام العربية”، حيث استجاب وفد وزاري عربي للضغوط والوعود الأمريكية ذاتها، وقدم باسم جامعة الدول العربية تنازل الموافقة على “تبادل الأراضي” لقاء وعود إدارة أوباما بالعمل على تليين موقف حكومة نتنياهو تجاه المطالب الفلسطينية، (كما حددها المجلس المركزي لمنظمة التحرير)، لاستئناف المفاوضات، وهي: الإقرار بحدود العام 1967 مرجعية للمفاوضات، ووقف إجراءات الاستيطان والتهويد، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وفي مقدمتهم أسرى ما قبل اتفاق أوسلو . لكن-كالعادة- وظفت حكومة نتنياهو هذيْن التنازلين المتسرعين المجانيين لانتزاع المزيد من التنازلات لقاء موافقتها على استئناف المفاوضات، بينما تملصت إدارة أوباما من وعودها، بل، وضغطت على قيادة منظمة التحرير وأجبرتها بحيلة تفهمها للمطالب الفلسطينية على قبول استئناف المفاوضات “دون شروط مسبقة” كما طالبت، ولا تزال تعلن، صراحة حكومة نتنياهو . ماذا يعني هذا الكلام؟

موافقة قيادة منظمة التحرير على استئناف المفاوضات دون قبول حكومة نتنياهو بمطالب الإجماع الوطني الفلسطيني المعلنة التي قوضتها الحيلة الأمريكية، هي في المحصلة، (بمعزل عن شكلها وتخريجتها)، موافقة على تكرار الأخطاء المنهجية ذاتها، وعلى إعادة تجريب المجرب الذي لم يفضِ سابقاً، ولن يفضي اليوم، إلا إلى تعميق المأزق الفلسطيني متعدد الأبعاد، داخلياً: تكريس انقسامات متعددة الأوجه، وخارجياً: تكريس العجز السياسي في إدارة الصراع مع الاحتلال . إذ حتى لو جاءت هذه الموافقة وفق تخريجة مطالبة إدارة أوباما تقديم صيغتها الملتبسة، بل حيلتها، مكتوبة، فإن النتيجة تبقى هي ذاتها، أي الذهاب للتفاوض كغاية في حد ذاته . وكذا، حتى لو جاءت هذه الموافقة بدعوى تقطيع الوقت، أي “مشاغلة” إدارة أوباما لتجنب تحمل مسؤولية إفشال جهود استئناف المفاوضات، فإن في هذا تناسياً لحقيقة أن سياسة تقطيع الوقت تصبح إضاعة للوقت والجهد طالما أنها ليست جزءاً من خطة تملك خياراً بديلاً عن الفشل المحتوم لهذه الجولة من المفاوضات . هذا ناهيك عن أن سياسة تقطيع الوقت تساوي- عملياً- فرصة مفتوحة لتقطيع الأرض وتعميق احتلالها بالاستيطان والتهويد، ما يجعلها تأجيلاً لاستحقاق لا مفر منه، جوهره: التجرؤ على خطوة تخليص ملف القضية الفلسطينية من قبضة الرعاية الأمريكية المعادية، ونقله بالكامل إلى رعاية هيئة الأمم، إطاراً ومرجعية وقرارات، وذلك عبر إخراج الحق في الانضمام إلى تشكيلات هيئة الأمم التخصصية من دائرة التلويح الاستخدامي إلى دائرة الفعل السياسي . أما لماذا لا مفر من ذلك؟

حكومة نتنياهو، ككل حكومات “إسرائيل” منذ مؤتمر مدريد، ،1991 لا ترفض المفاوضات، لكنها تريدها غاية في حد ذاتها، و”دون شروط مسبقة”، وخارج مرجعيات القرارات الدولية ذات الصلة، ودون وقف كلي وشامل، ولا حتى جزئي ومحدود، لإجراءات الاستيطان والتهويد، ما يجعل مصير جولة التفاوض المزمعة كمصير ما سبقها من جولات، أي يجعل إمكان تمخضها عن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ضرباً من الخيال، خاصة وأن لدى نتنياهو، كسابقيه من قادة “إسرائيل”، خطة مسبقة لإدارة المفاوضات وتوجيهها وفقاً لثوابت صهيونية راسخة، وليس وفقاً لكونها مفاوضات مع طرف له مطالب وأهداف وحقوق وطنية وتاريخية تكفل الحد الأدنى منها قرارات الشرعية الدولية . هذا علاوة على أن حكومة نتنياهو هي-فعلاً- حكومة مستوطنين . فوفق آخر تقرير لحركة “السلام الآن” “الإسرائيلية”، “نفذت حكومة نتنياهو الحالية منذ بداية ولايتها في 18 مارس/آذار الماضي إقرار مخططات لبناء أكثر من 5000 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات . . . . . . . وضربت رقماً قياسياً غير مسبوق بإصدارها هذا الكم الهائل من تصاريح البناء في المستوطنات خلال أربعة شهور . وأن هذه الوحدات السكنية الاستيطانية موجودة في مراحل مختلفة من إقرارها وأن بينها 1500 وحدة تقريباً حصلت على المصادقة النهائية من جانب وزير الحرب، موشيه يعالون، للبدء في بنائها” . وكل ذلك دون أن ننسى أن هذه الحكومة دفعت “الكنيست” لإقرار قانون مخطط برافر لتهويد نحو 80 ألف دونم من أراضي النقب، بما يذكر بمخطط كيننغ لتهويد الجليل في العام 1976 الذي فجر انتفاضة يوم الأرض المجيدة . وهذا كله تدعمه، بل ترعاه، بتحايل مكشوف، إدارة أوباما، ما يعني أنها ككل الإدارات الأمريكية السابقة، لا تريد- رغم قدرتها- الضغط على “إسرائيل” .

عليه، الموافقة الفلسطينية على استئناف المفاوضات بناء على صيغة أمريكية ملتبسة لن تفضي إلا إلى استمرار دوران العامل الوطني الفلسطيني في هامش خطة إدارة أوباما وحكومة نتنياهو للمنطقة وتحولاتها العاصفة . فالولايات المتحدة تفكر في العامل الفلسطيني كعامل يجب تهدئته بغرض تثبيته، والحيلولة دون أن يأخذ مفاعيله وآثاره في مجمل تحولات المنطقة العاصفة والحراك الشعبي العربي الذي أعيد اعتباره في مصر في 30 يونيو الماضي، ما يعني تعطيل كل إمكانية لعودة العامل الوطني الفلسطيني إلى مركز الحركة، الأمر الذي لا يكون إلا باستنهاض الحالة الشعبية الفلسطينية وتوحيدها عبر مدخل إنهاء الانقسام الداخلي، وتجديد الشرعيات وتوحيد مؤسساتها ومرجعيتها الجامعة، منظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً بمجلسها الوطني، بالانتخاب حيث أمكن، وبالتوافق حيث تعذر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165514

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165514 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010