الجمعة 26 تموز (يوليو) 2013

عملية نصب

الجمعة 26 تموز (يوليو) 2013 par عوني صادق

يستعدون للاحتفال بعيد ميلادها العشرين، أطلقوا عليها تضليلاً أسماء تبدو مستعارة، مثل “عملية السلام في الشرق الأوسط” و”العملية السياسية” بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، والبعض أطلق عليها أسماء أقرب إلى الحقيقة مثل “عملية المفاوضات العبثية” . لكن الاسم الحقيقي الذي يليق بها كان يجب أن يكون “عملية النصب الدولية”، أو “كيف تسرق وطناً”! وعلى مدى العشرين سنة التي انقضت، استهلكت “العملية” أربعة رؤساء أمريكيين (بوش الأول، كلينتون، بوش الثاني، أوباما)، وخمسة رؤساء حكومة “إسرائيليين” (رابين، بيريز، نتنياهو الأول، باراك، أولمرت) . . . حيث سبق لنتنياهو أن تولى رئاسة الحكومة في العام ،1996 ثم عاد إليها في العام 2009 .

لماذا يجب اعتبار ما يجري عملية نصب دولية؟ لأن مجريات ومعطيات ونتائج العشرين سنة الماضية من المفاوضات المباشرة، وغير المباشرة، كلها تندرج في إطار الكذب السياسي والسرقة التي تستهدفها عمليات النصب، باستثناء أن هدف هذه العملية هو سرقة وطن وقتل قضية . ومن أجل أن تضيع دماء القتيلة بين القبائل، يشركون فيها الأشقاء والأصدقاء والأعداء، ويظل من غير المفهوم كيف يشارك فيها بعض أهلها الأقربين! ولكن لماذا حدث ذلك؟ هل لأن “القضية” معقدة جداً وليس من السهل حلها، أم لأن أصحابها ضعفاء لم يقدروا على رد الأذى عن أنفسهم فاستسلموا للصوص، واعتبروا ما يحدث لهم من تصاريف القدر الذي لا مجال لرده؟!

كلا، لم تكن القضية معقدة، فقرارات الأمم المتحدة، سواء المتعلقة بنكبة ،1948 أو المتعلقة بما سمي “نكسة 1967”، وما نتج عنهما، واضحة ومقررة ومكررة أكثر من مرة، لكن لأنه لم تتوفر نية الحل لدى “الكبار” في مجلس الأمن، الذين كانوا دائماً منحازين لدولة العدوان والاغتصاب، لم يكن ممكناً التوصل إلى الحل . في العام ،1949 وبعد النكبة الأولى، نصت القرارات على عودة اللاجئين إلى بيوتهم في المدن والقرى التي أخرجوا منها وتعويضهم عما لحق بهم . وفي العام ،1967 وعلى إثر النكبة الثانية، نصت القرارات على انسحاب القوات “الإسرائيلية” من الأراضي التي احتلتها، وأنه “لا يجوز احتلال أراضي الغير بالقوة” . ولكن لأن “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة” لا شيء تم تنفيذه، لا من القرارات الأولى، ولا من القرارات الثانية، وظلت الجولات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية تتوالى حتى سبتمبر/ أيلول 1993 والتوقيع على (اتفاق أوسلو) الذي كان الاسم الكودي ل”عملية النصب الدولية” الجارية حتى اليوم . لقد انتهى الوضع على الأرض، كنتيجة مباشرة لعشرين سنة من المفاوضات المباشرة، إلى مضاعفة أعداد المستوطنين في الضفة الغربية أربع مرات، فوصلت إلى (600) ألف، واتسعت عمليات تهويد القدس وتهجير أبنائها، وتواصلت الحفريات تحت الحرم القدسي تمهيداً لهدمه .

والآن، لنتفحص آخر المستجدات، وأعني “الاتفاق” الذي أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن التوصل إليه، في مؤتمر صحفي عقده في عمان يوم الجمعة الموافق 19 من شهر يوليو/ تموز الجاري، حول “استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية” . لنتفحص، ولنتذكر أن (الكذب) في كل عملية نصب، مهما كبرت أو صغرت، هو أهم أدوات “عدة الشغل” . . .! ولا بد في البداية أن نطرح على أنفسنا بعض الأسئلة لنقارب الموضوع:

سؤال أول: ما الذي أعلن عنه كيري من عمان؟ هل هو “اتفاق”؟ أم “اتفاق مبدئي”؟

سؤال ثان: هذا “الاتفاق”، أو “الاتفاق المبدئي”، هل هو اتفاق على “استئناف المفاوضات”؟ أم اتفاق على “أسس استئناف المفاوضات”؟ أم اتفاق على “مناقشة أسس استئناف المفاوضات”؟!

سؤال ثالث: إذا كان المفاوضون سيلتقون في واشنطن لمناقشة “أسس استئناف المفاوضات”، فما هو “الإنجاز المثير”، كما وصفه معلق “إسرائيلي” معروف، الذي حققه كيري؟!

الإجابة عن تلك الأسئلة توصلنا إلى النتيجة التالية: كل ما تحقق ليس أكثر من “اتفاق مبدئي على الذهاب إلى واشنطن لمناقشة أسس استئناف المفاوضات” . هذا يعني أن شيئاً لم يتحقق، باستثناء قبول القيام برحلة “ترفيهية” لواشنطن، على الأرجح أنها لن تحمل أي جديد نوعي يذكر . وهنا يأتي السؤال الرابع: لماذا، إذاً، كل تلك الضجة الإعلامية الكبرى التي استقبل بها إعلان كيري، وعلى أي أساس لاقى كل ذلك الترحيب “الدولي” الذي لقيه؟!

لقد انطوى “الإعلان” على عناصر عدة: قيل إن كل طرف تمسك بمواقفه المعلنة، فالرئيس محمود عباس تمسك بوقف الاستيطان، والاعتراف بحدود ،1967 والقدس الشرقية عربية . وقيل إن نتنياهو تمسك بقاعدة “دون شروط مسبقة”، وعدم وقف الاستيطان، وعدم الاعتراف بحدود ،1967 والتمسك بوحدة القدس تحت السيادة “الإسرائيلية” . وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا الرحلة إلى واشنطن؟

وزير العلاقات الدولية في حكومة نتنياهو، يوفال شتطاينتس، قال: إن “إسرائيل” لن تقدم أي تنازل، وأنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق حول تجميد الاستيطان، أو حول الإشارة إلى حدود ،1967 وقال أيضاً: “إن المسؤولين الفلسطينيين التزموا التفاوض بجدية 9 شهور على الأقل سيمتنعون خلالها عن الانضمام إلى منظمات دولية خصوصاً قضائية قادرة على ملاحقة إسرائيل”!

إن كلمة السر في عملية النصب الجارية هي “كسب الوقت” ومنحه للحكومة “الإسرائيلية” لاستكمال مخططاتها . في البداية كانت الحجة ما سموه “حدود قابلة للدفاع عنها”، ثم أصبحت تتمثل في ما أطلقوا عليه “الحقائق الجديدة”، والمقصود بها المستوطنون والكتل الاستيطانية، ولم يبق إلا الاعتراف بيهودية الدولة!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010